همتك نعدل الكفة
73   مشاهدة  

الحج في الأدب المصري .. بين دهشة “الغيطاني” وعزيمة “هيكل” وفوبيا “محفوظ”

فريضة الحج
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لا تعتبر فريضة الحج رحلة عادية عند كثيرين، بل لها من الأثرين النفسي والاجتماعي الكافيين لأن تنقسم حياة البعض إلى ما قبل وبعد الفريضة، وللحُجّاج المصريين خصوصية  -كالخصوصية المصرية- في معظم مناحي الحياة، ومن ضمن تلك الخصوصيات الكثيرة ما وثّقه الأدباء والكتاب والمفكرين المصريين عن تلك الرحلة الروحانية، ومن ضمن أبرز من كتب عن تلك الرحلة الأديب جمال الغيطاني، والكاتب الصحفي محمد حسين هيكل، كما إن أديب نوبل نجيب محفوظ، كان له موقف خاص.

 

كتاب حمام الحمى للكاتب جمال الغيطاني
كتاب حمام الحمى للكاتب جمال الغيطاني

 

جمال الغيطاني .. كتاب حمام الحمى

في فصل من فصول كتاب حمام الحمى يصف “الغيطاني” دهشته” من تنوع المشاهد التي شاهدها أثناء الحج، ويقول:

مكة .. ليل السبت .. الخامس من ذي الحجّة

ترتفع أصواتنا بالتلبية، بينما يزداد اقترابنا من المركز، من لب القلب. من البيت المعمور، نتأهب لأداء العمرة قبل الدخول في مناسك الحج. مداخل المدينة المقدسة لا تتنبئ بالزحام الرهيب الذي حدثونا عنه أثناء إقامتنا في جدة. يقدر عدد الحجاج هذا العام بثلاثة ملايين. ومع بدء انحدار الطرق الحديثة تطلعت إلى الأمام، منتظرًا لحظة ظهور مؤذن المسجد الحرام. ومع الاقتراب ترتفع الكثافة الإنسانية، الجميع في لباس أبيض سواء كانوا محرمين أو يرتدون ثيابهم العادية، أعرف الطريق، جئته عام ستة وثنانين وتسعمائة وألف، لأداء العمرة.

 

هؤلاء من إيران، وهؤلاء لهم ملامح آسيوية، أما الحُجّاج المصريون فهم كثير، يمكنني تمييزهم عن بعد، أسمع من يدعو بالروسية، حجّاج آسيا الوسطى الذين اغتربوا حينًا عن لغتهم ولكنهم لم ينفصلوا عن الأصول .. وألمح من يحمل بين يديه كتيّبات تحوي نصوصًا بالعربية، وبلغات أخرى، الحروف لاتينية والنطق عربي. حجّاج من الصين .. من كل فجّ .. أفارقة يندفعون في كتلة متراصة ليفسحوا الطريق، فجأة أجد أمامي سيدة أفريقية تحمل على ظهرها طفلًا رضيعًا يطل بوجهه البرئ من كيس القماش الذي شدّته الأم إلى ظهرها، في مرة أخرى لمحت رجلًا يرفع على يده رضيعًا ربما لا يتجاوز شهرين، في مرة أخرى رأيت جندًا مدججين بالسلاح، يحيطون بشخص في أربعينيات العمر. يرتدي ملابس آسيوية سوداء، يمشي متمهلًا حول الكعبة. إنه سلطان بروناي، وكان يتقدمه شيخ مهيب اللحية يرفع صوته بالأدعية! سرعان ما أتجاوزه، ألمح بعض رفاق الحج للمحات خاطفة .. الزميل أحمد سلامة وزوجته الألمانية المسلمة ..

الشاعر محمد إيراهيم أبو سنّة وأسرته .. وأحمد عبّاس صالح وزوجته، كان يتحامل على نفسه في الطواف والسعي، شفاه الله .. تلتقي العيون وسرعان ما تفترق، أما يدي فلم تفارق يد زوجتي، خضم البشر هائل، والحشد كثيف، طفت عصرًا، وقرب الفجر، وعند الغروب، وفي السادسة صباحًا بعد أن أتممنا مناسك الحج، وجئنا نودّع البيت، ونستأذن في الرحيل .. أتممت طواف الوداع، وتذكرت طواف القدوم، الأول والآخر، وما بينهما يسعى الإنسان .. لعلّه يُجزى.

كتاب في منزل الوحي للكاتب محمد حسين هيكل
كتاب في منزل الوحي للكاتب محمد حسين هيكل

محمد حسين هيكل .. كتاب منزل الوحي

في فصل من فصول الكتاب يصف “هيكل” كيف كوّن رأيه الخاص عن رحلة الحجاز، ويقول:

“وما تدري نفسُ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسُ بأي أرض تموت”

في هذه الكلمات الحكيمة تمثّل شعور الكثيرين من أصدقائي منذ أعلنت عزمي على الرحلة إلى الحجاز حاجًا حتى ودعوني مسافرًا. وفيها كان يتمثل شعوري لو أن أحدًا حدثني عن هذه الرحلة قبل خمس سنوات من قيامي بها. بالرغبة المُلحّة في الذهاب إلى الحجاز. ولما سيرت شركة مصر للملاحة البحرية باخرتها الأولى “زمزم” إلى الأماكن الإسلامية المقدسة في سنة 1934، علمت أن في نيتها تسيير هذه الباخرة في أكتوبر من تلك السنة كما تطوّع لمن شاء قضاء العُمرة في شهر رجب. إذ ذاك لم أتردد وصمّمت على انتهاز الفرصة لتنفيذ ما اعتزمته. لكن قلة الإقبال على هذه الزيارة الرجبية لم تسمح بتسيير الباخرة فلم تمّ الرحلة. وأسفت لفوات الفرصة وبقيت على عزمي أن أوةر الحجاز وبلاد العرب وأن أقوم فيهما بكل ما أستطيع من الدارسات. ولئن أسفت على فوات هذه الرحلة لقد أسفت كذلك لإضاعة فرصة عرضت من قبل، ولم يدر بخاطري يوم أضعتها أني سوف آسف عليها.

 

إقرأ أيضا
فرقة طبلة الست

تلك فرصة السفر إلى الحجاز مستهل الشتاء من 1930 , حين دَعَت الحكومة السعودية الصحافة المصرية إلى الحجاز لحضور حفلة التتويج للملك ابن السعود. فقد دُعيت إلى هذه الحفلة، وكنت أود إجابة الدعوة لولا إقبال مصر يومذاك على المفاوضة لعقد الاتفاق بينها وبين انجلترا. ولمّا تكن كتابة سيرة النبي العربي قد تمكّنت من نفسي لتربط بيني وبين بلاد العرب بصلة تجعلني حريصًا على أن أتعجل زيارتها، لذلك لم يكن ما يحفزني إلى المفاضلة بين المُقام بمصر ومغادرتها في وقت كانت أحوال مصر تدعوني للقيام بواجبي القومي كاملًا. من ثم رجوت صديقي وزميلي الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني فسافر إلى الحجاز ممثلًا جريدة السياسة بالنيابة عني. ولو كُشفتِ لي يومئذ من الغيب ما يسترني الأقدار له لما عدل بي عن السفر إلى موطن النبي العربي أي اعتبار. ولكن! (ما تدري نفس ماذا تكسب غدًا).

نجيب محفوظ والسفر
نجيب محفوظ والسفر

نجيب محفوظ .. فوبيا السفر

في حوار أجرته الصحفية الفرنسيةُ تشارلوت الشبراوي، مع أديب نوبل النجيب، نجيب محفوظ، وسألته عما إذا كان سافر قبل ذلك إلى أرض الحجاز لأداء فريضة الحج، أجاب بالنفي، ذلك لأن محفوظ لا يحب السفر خارج مصر بتاتًا، إلا في أوقات نادرة، وأضاف “محفوظ” أنه لن يسافر مكة تحديدًا لأنه –بالإضافة لعدم تفضيله السفر بالخارج-  فهو يكره الزحام.

 

 

الكاتب

  • الحج محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان