رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
300   مشاهدة  

لهذه الأسباب وقعت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية في أخطاء

الحلقة الثانية من مسلسل معاوية
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



استعرضت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية بن أبي سفيان حقبة ما بعد فتح مكة، مسلطة الضوء على “معركة حنين” عام 8 هـ / 630م، وصولًا إلى تولي الصحابي الجليل “أبي بكر الصديق” الخلافة واستعداده لمواجهة الروم.

اقرأ أيضًا
“دراما أم أخطاء؟” 5 اختزالات في الحلقة الأولى من مسلسل معاوية وقراءة لمشهد غزوة أُحُد

وقد اتسمت الحلقة بالابتعاد الواضح عن التسلسل الزمني الدقيق للأحداث التاريخية، مكتفية ببعض الإشارات إلى دور “معاوية” في تلك المرحلة، وهي إشارات تستدعي التأمل والتمحيص.

وفاة زوجة معاوية .. خطأ غريب وغير مفهوم

مشهد وفاة زوجة معاوية
مشهد وفاة زوجة معاوية

من أفدح الأخطاء التي وقعت فيها الحلقة الثانية من مسلسل “معاوية بن أبي سفيان” تصويرها وفاة زوجته “كنود بنت قرظة” في حياة النبي ﷺ، بعد أن تزوجها وأنجبت منه، وهو خطأ تاريخي جسيم، لأن جمهور المؤرخين قالوا “كنود” ظلت على قيد الحياة حتى عام 28هـ / 649م، وهو العام الذي قاد فيه “معاوية” غزو جزيرة قبرص، حيث كانت زوجته برفقته في تلك الحملة، وربما سبب خطأ المسلسل هو الاعتماد على موقع رواة الحديث نقلاً عن بعض المؤرخين.

أما المؤرخين الذين أجمعوا أنها “كنود” فمن بينهم الطبري[1]، وابن كثير[2]، وابن عساكر[3]، أما  المؤرخ الذي أشار إلى أن زوجة معاوية في تلك الفترة كانت “فاختة”، فهو أبو زرعة الدمشقي[4]، ومعه بن خياط العصفري[5]، لكن روايته لم تكن دقيقة بما يكفي.

مشهد وفاة زوجة معاوية وتاريخ وفاة الرسول
مشهد وفاة زوجة معاوية وتاريخ وفاة الرسول

وقد أوضح ابن حجر العسقلاني في شرح للبخاري لحديث غزو المرأة البحر[6]، والعيني في شرح البخاري[7]، أن ثمة روايات تفيد بأنها “فاختة”، وأخرى ترجّح أنها “كنود”، التي كانت قبل زواجها من معاوية تحت “عتبة بن سهل” وعلى الرغم من تلميح ابن حجر في “الإصابة”[8]، إلى احتمالية أن تكون إحدى هاتين المرأتين، فإن إجماع المؤرخين يؤكد أن المقصودة هي “كنود”، ورجح ذلك أيضًا محمد عبدالحميد النميسي في تحقيقه لمخطوط إمتاع الأسماع للمقريزي ليضاف إلى المؤرخين الذين قالوا أنها كنود.[9]

معاوية الناصح العسكري .. مما هبد فيه المسلسل

مشهد اجتماع أبي بكر مع الصحابة.
مشهد اجتماع أبي بكر مع الصحابة.

من أكثر المشاهد التي يصعب تصديقها في الحلقة الثانية من مسلسل “معاوية”، ذلك الذي جمعه في اجتماع مع الصحابيين الجليلين “أبي بكر الصديق” و”عمر بن الخطاب”، حيث ناقشا تجهيزات المسلمين للقتال ضد الروم. وفي سياق المشهد، يتدخل “معاوية” ليقترح أسلوبًا جديدًا في التدريب، مشيرًا إلى أن المسلمين اعتادوا القتال في الصحاري والأراضي الواسعة، بينما تختلف طبيعة أراضي الروم، مما يستدعي تغيير النهج العسكري والبدء بسرية استطلاع، وقد لاقى هذا الطرح إعجاب “أبي بكر” و”عمر”.

يبدو أن مؤلف المسلسل أراد من هذا المشهد التمهيد لإبراز العقلية العسكرية لـ”معاوية”، لكنه أساء اختيار السياق التاريخي المناسب لذلك، لسببين:

مشهد نصح معاوية
مشهد نصح معاوية

أولهما، المعركة المشار إليها في المشهد هي “معركة أجنادين”، التي كانت أول مواجهة بين المسلمين والروم في بلاد الشام خلال عهد “أبي بكر الصديق”، وكانت جيوش المسلمين في بلاد الشام موزعة على النحو التالي: عمرو بن العاص في فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان لدمشق، وشرحبيل بن حسنة إلى وادي الأردن، وجميعهم تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح.[10]

وبغض النظر أن المشهد تجاهل هذه التقسيمة تمامًا لكنها تمت بدون أن يكون فيها معاوية أصلاً، خصوصًا وأن الواقدي شرح تفصيلاً ملابسات مفاتحات أبي بكر الصديق للمسلمين في أمر مواجهة الروم.[11]

ثانيهما لما ذهب عمرو بن العاص إلى فلسطين والتي وقعت فيها لاحقًا أحداث معركة أجنادين، حقق فيها انتصارات محققًا انتصارًا واضحًا، وهو ما يدل على قدرة المسلمين على القتال في أراضٍ تختلف عن الصحاري التي اعتادوها، ومع ازدياد أعداد جنود الروم، أرسل “عمرو بن العاص” إلى “أبي بكر” يخبره بالمستجدات، مما دفع الخليفة إلى إصدار أوامره لـ”خالد بن الوليد” بالتحرك من العراق لدعم قوات المسلمين، وهو ما حدث بالفعل.[12]

يستفاد من ثانيًا هذه أن المسلمين كانوا متدربين على القتال ضد الروم، فضلاً عن معاوية وهو حديث السن (24 سنة وقت أجنادين) ما كان له أن يكون موجودًا بتلك المهارة الفذة في تقديم خطط عسكرية بحضور من سبق ذكر أسماءهم وهم أكبر منه سنًا وخبرةً.

حزن معاوية على الرسول .. مما تجاهله المسلسل

الحلقة الثانية من مسلسل معاوية
مشهد وفاة الرسول – مسلسل معاوية

بلغت المأساة ذروتها في إبداع صُنّاع مسلسل “معاوية” في مشهد وفاة رسول الله ﷺ، حيث ظهر الحزن على وجوه الصحابة، لكنه كان أكثر وضوحًا وتأثيرًا على “معاوية”، وهو ما يمكن فهمه في سياق الحبكة الدرامية التي تتمحور بالكامل حول شخصيته.

إقرأ أيضا
الحلقة الثانية من مسلسل معاوية

لكن ما يثير الاستغراب هو التجاهل التام لرد فعل “عمر بن الخطاب”، الذي بدا في المشهد شديد البأس، رغم أنه كان أشد الصحابة تأثرًا بوفاة النبي ﷺ، حتى إنه رفض تصديق الخبر، واتهم من صدقه بأنه منافق، وأن الرسول ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، ولم يفق من صدمته إلا حين صدح “أبو بكر الصديق” بكلمته الخالدة: “من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.” [13]

إن تغييب هذا المشهد المؤثر، الذي يجسد لحظة فارقة في تاريخ الإسلام، لصالح إبراز مشاعر الحزن على وجه “معاوية”، يثير تساؤلات حول المعالجة الدرامية للحدث.

ومما يعمق جذور المأساة أنه إلى هذا المشهد فمن المفترض أن معاوية كان قد وصل من العمر 24 سنة (لأن الرسول ﷺ انتقل إلى الرفيق الأعلى سنة 11هـ / 633م، ومعاوية من مواليد 13ق.هـ / 610م، وهيئة الممثل لجين إسماعيل لم تكن ملائمة على الإطلاق فهو يبدو أكبر من سن معاوية وقت هذا).


[1]  الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تـح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ج5، ط/2، دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1387هـ / 1967م، ص329
[2]  ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1348هـ / 1358هـ، ص145.
[3]  ابن عساكر، تاريخ دمشق، تـح: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمروي، ج70، ط/1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ / 1995م، ص54
[4]  تاريخ أبي زرعة الدمشقي برواية أبي الميمون بن راشد، تـح: شكرالله نعمة الله القوجاني، ج1، ط/1، مجمع اللغة العربية، دمشق ـ سوريا، (د.ت)، ص184
[5]  تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: أكرم ضياء العمري، ط/2، دار القلم ومؤسسة الرسالة، دمشق, بيروت ـ سوريا,لبنان، 1397هـ، ص
[6]  ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح البخاري، ج6، ط/1، المكتبة السلفية، القاهرة ـ مصر، 1380هـ – 1390هـ، ص76
[7]  العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج14، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (د.ت)، ص165
[8]  ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تح: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض، ج8، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1415هـ / 1994م، ص257.
[9]  المقريزي، إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تـح: محمد عبد الحميد النميسي، ج10، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1420هـ / 1999م، ص251
[10]  البَلَاذُري، فتوح البلدان، ط/1، دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ لبنان، 1988م، ص ص111-112.
[11]  الواقدي، فتوح الشام، ضبط وتصحيح: عبداللطيف عبدالرحمن، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1997م، ص5–6
[12]  المرجع السابق، ص ص8–31.
[13]  المباركفوري، الرحيق المختوم، ط/1، دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ لبنان، 2002م، ص431

الكاتب

  • الحلقة الثانية من مسلسل معاوية وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان