
“الحلقة الرابعة من معاوية” أخطاء في مشاهد قصر الخضراء وإجادة بمعارك قيسارية

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تناولت الحلقة الرابعة من معاوية الذي يبث على قنوات MBC أحداث فتح المسلمين بلدة قيسارية، وفترة الطاعون التي ضرب أرجاء البلدان الإسلامية، وانتهاءًا بتولي معاوية بن أبي سفيان حكم دمشق خلفًا لأخيه.
قصر الخضراء .. أخطاء تُحْسَب على المسلسل

كانت مشاهد القصر التي ظهرت في الحلقة الرابعة من معاوية هي النقطة الأضعف في الحلقة، إذ أثارت العديد من التساؤلات حول مدى دقتها التاريخية، لا سيما فيما يتعلق بالشكل الذي أُظهر به القصر.
اقرأ أيضًا
“دراما أم أخطاء؟” 5 اختزالات في الحلقة الأولى من مسلسل معاوية وقراءة لمشهد غزوة أُحُد
وقد وقع المسلسل في خطأين رئيسيين فيما يخص هذه المشاهد؛ أولهما افتراضه أن القصر كان قائمًا قبل تولِّي يزيد بن أبي سفيان الحكم في الشام، وهو ما ظهر بوضوح في نهاية الحلقة الثالثة، بينما تُجمع المصادر التاريخية على أن معاوية بن أبي سفيان هو من قام ببنائه بعد أن تولّى الحكم خلفًا لأخيه، وذلك خلال خلافة عمر بن الخطاب[1]، كان القصر مبنيًا على أنقاض قصر آخر، وموقع القصر كان في المكان المحاذي لجدار المسجد الأموي (الذي بُنِي في زمن معاوية) من الجهة الجنوبية ويتصل بحرم الجامع من خلال باب يطلع عليه باب الخضراء.[2]

أما الخطأ الثاني، فيتعلق بالمبالغة في تصوير فخامة القصر، وهو أمر يتعارض مع طبيعة العمارة الإسلامية في تلك الحقبة (زمن عمر بن الخطاب)، إذ لم يكن المسلمون قد طوروا بعد هوية معمارية خاصة بهم، كما أن تأثُّرهم بالفنون البيزنطية والساسانية لم يظهر بوضوح إلا في مرحلة لاحقة، وتحديدًا بدءًا من منتصف العصر الأموي[3]، أما في زمن عمر بن الخطاب، فقد كانت البساطة والعملية هما السمتين الغالبتين على العمائر الإسلامية، مما يجعل الصورة التي قدّمها المسلسل للقصر بعيدة عن الواقع التاريخي، والفخامة الحقيقية للقصر كانت في خلافة معاوية وبدأ ظهورها في خلافة عثمان بن أبي عفان.

ولكي ندرك موضع الخطأ في تصوير القصر الذي ظهر في الحلقة الرابعة من مسلسل “معاوية”، لا بد من الرجوع إلى المصادر التاريخية التي تناولت مراحل تطور عمارة القصر. فبحسب ما أورده ابن عساكر في تاريخ دمشق، فإن معاوية بن أبي سفيان بنى القصر في بادئ الأمر من الطوب، ولكن عندما انتهى من بنائه، قدم عليه رسول ملك الروم، فتأمله طويلًا، ثم قال: “أما أعلاه فللعصافير، وأما أسفله فللنار”[4]، في إشارة إلى أنه ليس فخمًا، فقام بهدم البناء وأعاد تشييده من الحجارة، مما يدل على أن القصر في بداياته لم يكن بتلك الفخامة التي ظهر بها في المسلسل، وإنما كان يخضع لتعديلات وتطورات على مدى السنوات.

لا تحدد رواية بن عساكر توقيت نقض البناء وشكله بعد إعادته، لكن البَلَاذُري في أنساب الأشراف[5]، والنويري في نهاية الأرب[6]، قالا أن الفخامة حدثت في زمن عثمان بن عفان، لدرجة أن أبو ذر الغفاري انتقد معاوية بن أبي سفيان وقال له عن القصر: يا معاوية، إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف.

ويشير بن الفقيه في البلدان عندما ذكر قصر الخضراء أن الناس أنكروا بناء الدور والأبنية والنفقة عليها والتبذير فيها[7]، ولما سأل معاوية أبو ذر عن رأيه قال له فيها ما قال له أبو ذر إن كنت بنيته من مال الله، فإنك من الخائنين، وإن كنت بنيته من مالك فإنك من المسرفين.[8]
اقرأ أيضًا
لهذه الأسباب وقعت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية في أخطاء
فيما يحدد المنهاجي الأسيوطي أن معاوية سكن هذه الدار من سنة 14هـ قبلي المسجد الذي كان للصحابة وبنى فيها قبة خضراء، وظل فيها 40 سنة، مما يؤكد تطور بنيان القصر في مراحل لاحقة ولم يكن بالشكل الذي ظهر في المسلسل زمن عمر بن الخطاب.[9]
فتح قيسارية .. مشهد يُحْسَب للحلقة الرابعة

لا شك أن مشاهد فتح “قيسارية” التي عُرِضَت في الحلقة الرابعة من مسلسل “معاوية” تُعدّ من أبرز الإضافات الفنية التي تُحسب له، حيث استندت في معظمها إلى خيال المؤلف، مثل تصوير الأنفاق واستخدام المنجنيق، ومع ذلك، فقد خدمت الحدث التاريخي بشكل ملحوظ، إذ إن التفاصيل الدقيقة حول كيفية دخول المسلمين إلى “قيسارية” غير متوفرة في المصادر التاريخية، مما منح العمل الدرامي مساحة للإبداع دون الإخلال بجوهر الحدث.
اقرأ أيضًا
الحلقة الثالثة من مسلسل معاوية “مشاهد تبدو خاطئة تاريخيًا لكنها صحيحة”

وقد أورد المؤرخ أبو عبيد القاسم بن سلاّم أن معاوية بن أبي سفيان حاصر “قيسارية” سبع سنين إلا بضعة أشهر[10]، بينما ذكر ابن خياط أن فتحها كان مصحوبًا بمقتلة عظيمة[11]، أما الطبري فقد وصف المعركة بأنها شهدت كرًّا وفرًّا وزحفًا وتراجعًا، حتى تمكن معاوية من دخولها، وسقط من الروم خلالها مئة ألف قتيل على امتداد المعركة[12]، وهو ما أشار إليه أيضًا ابن الأثير.[13]

في حين لم يقدّم ابن الجوزي في كتابه المنتظم تفاصيل وافية عن الفتح، مكتفيًا بالإشارة إلى أن معاوية كان قائدًا لهذا الفتح عام 19هـ، وتمكّن من دخولها عام 20هـ[14]، أما البلاذري، فقد تناول تاريخ “قيسارية”، موضحًا أنها حوصرت سبع سنين حتى فتحها معاوية.[15]
رتوش تاريخية صغيرة

كان مشهد الاستحمام من المياه بعد طاعون عمواس ضعيفًا وغير منطقي، إذ كيف يجتمع أناس مشتبه بإصابتهم على ماءٍ جارٍ استخدموه، فهذا يكون عنصرًا لتفشي المرض وكان من الأفضل أن يسري عليهم ما سار على معاوية حيث الاستحمام منفردًا في ماءٍ جارٍ.

أما عن ظهور فاكهة التفاح في بداية الحلقة الرابعة من المسلسل بمشهد اجتماع عمر بن الخطاب بالصحابة عقب فتح بيت المقدس، فهو صحيح من الناحية التاريخية وذلك لأنها فاكهة كانت موجودة في بلاد الشام منذ العهد البيزنطي[16]، واستمرت لصدر الإسلام.[17]
الهوامش والمراجع
[1] رائد صالح خلف الشوابكة، العمارة المدنية في العصر الأموي: قصور الخلفاء الأمويين، مجلة آداب النيلين، مج3، ع2، كلية الآداب ـ السودان، يونيو 2018م، ص229
[2] عفيف بهنسي، القسور الشامية وزخارفها في عهد الأمويين، مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية، مج25، ج1,2، 1975م، ص13
[3] م.س. ديماند، الفنون الإسلامية، تـرج: أحمد محمد عيسى، ط/1، دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1958م، ص24
[4] ابن عساكر، تاريخ دمشق، تح: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمروي، ج2، ط/1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ / 1995م، ص 359.
[5] البلاذري، أنساب الأشراف، تـح: سهيل زكار ورياض زركلي، ج6، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1996م، ص167
[6] النويري، نهاية الأرب في فنون العربي، ج19، ط/1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة ـ مصر، 1423هـ، ص443.
[7] ابن الفقيه، البلدان، تـح: يوسف الهادي، ط/1، عالم الكتاب، بيروت ـ لبنان، 1416هـ / 1996م، ص159
[8] المرجع السابق، ص443.
[9] المنهاجي الأسيوطي، إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى، تـح: أحمد رمضان أحمد، ج2، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ـ مصر، 1982م – 1984م، ص149.
[10] أبو عبيد، الأموال، تـح: خليل محمد هراس، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (د.ت)، ص133
[11] تاريخ خليفة بن خياط، تـح: أكرم ضياء العمري، ط/2، دار القلم ومؤسسة الرسالة، دمشق, بيروت ـ سوريا,لبنان، 1397هـ، ص141
[12] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تـح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ج3، ط/2، دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1387هـ / 1967م، ص604
[13] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تـح: عمر عبدالسلام تدمري، ج2، ط/1، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1997م، ص327
[14] ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تـح: محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج4، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1412هـ / 1992م، ص280
[15] البَلَاذُري، فتوح البلدان، ط/1، دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ لبنان، 1988م، ص144
[16] ممدوح عبدالحليم الخرابشة، الحياة الاقتصادية في بلاد الشام في العصر البيزنطي القرن السادس الميلادي، (رسالة دكتوراه)، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، مايو – آيار 2010م، ص98
[17] حاتم نايل عبدالفتاح الضمور، الأسواق في بلاد الشام في صدر الإسلام، (رسالة دكتوراه)، قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة مؤتة، السعودية، 2007م، ص ص61-62
اقرأ أيضًا
“قبل عرض مسلسل معاوية” كتب تاريخ الفتنة بين الصحابة أيها نقرأ مع كثرتها؟
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







