همتك نعدل الكفة
535   مشاهدة  

الحلقة السحرية وقوة العادات

العادات


ما هو أول شيء تفعله عندما تستقيظ في الصباح؟

هل تذهب إلى الحمام على الفور، أم تمسك بهاتفك تتفحص الفيس بوك والبريد الإلكتروني، أم تفتح الثلاجة لتأكل ما تجده أمامك؟

ما هو الطريق الذي تسلكه لتتجه إلى عملك؟

هل تتناول طعاما صحيا على الغداء، أم تأكل المأكولات السريعة؟ وعندما تصل إلى المنزل، هل ترتدي الزي الرياضي لتذهب إلى الجري، أم تتناول الطعام أمام التليفزيون؟

كل تلك الأشياء وأكثر تحكمها عاداتنا في حياتنا، ومن خلال التحكم في تلك العادات يمكننا أن نصل إلى بر الأمان في شتى المجالات، وهذا ما تحدث عنه الكاتب الأمريكي تشارلز دويج في كتابه “قوة العادة.. لماذا نعمل ما نعمل في الحياة الشخصية والعملية؟”.

العادات

ويقول “دويج” في كتابه المصنف وفقا لـ “فاينانشال تايمز” من ضمن أفضل الكتب في 2012، إن أكثر من 40% من التصرفات التي يقوم بها الناس في كل يوم لا تعبر في حقيقتها عن قرارات بل عن عادات.

  • كيف تظهر العادات في حياة الفرد؟

الأمر كله متعلق بكتلة من الأنسجة في مركز الجمجمة بحجم كرة الجولف، يسميها العلماء “العقد القاعدية”، بدأ الباحثون بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أوائل التسعينيات بالبحث في دورها، وما إذا كانت تتصل بالعادات أم لا، فقد لاحظوا أن الحيوانات التي تتضرر العقد القاعدية لديها تنشأ عندها مشكلاتها مع المهام، مثل تعلم عبور المتاهات أو تذكر كيفية فتح علب الطعام.

  • المتاهة والشوكولاتة

العادات

أجرى الباحثون عدة تجارب فئران المعامل، بعد زرع تقنيات ميكروسكوبية داخل أدمغتها، تسمح لهم بمراقبة ما يحدث داخل العقد القاعدية في أثناء قيامها بعشرات الأمور الروتينية، وبتطوير التجارب، بدأوا يضعون كل حيوان في متاهة على شكل حرف T مع قطعة شوكولاتة في نهايتها، وكانت المتاهة تفتح أمامه عند سماع صوت نقرة قوية، وهنا بدأوا يلاحظون نشاطا واضحا في أدمغة الفئران بمجرد سماع صوت النقرة وفتح المتاهة، مرورا بمحاولة استكشاف المكان، وحتى الوصول إلى قطعة الشوكولاتة.

وبعد تكرار التجربة مع الحيوانات نفسها أكثر من مرة، لاحظ العلماء أن الفئران تتجه إلى الشوكولاتة مباشرة دون الذهاب يمينا أو يسارا كعادتها في البداية، واقتصر النشاط العقلي على الفترة التي تسمع فيها صوت النقرة القوي، وتلك التي تصل فيها إلى الشوكولاتة، أما الطريق الذي تسلكه للوصول، فلم يكن هناك أي نشاط دماغي يذكر، وهو ما فسره العلماء على أن العقد القاعدية كانت قد خزنت عادات الفئران وبدأت في تحوليها إلى أنماط التذكر.

  • حلقة العادات

العادات

يقول الكاتب الأمريكي تشارلز دويج في كتابه إن هذه العملية التي يحول فيها المخ سلسلة الأفعال إلى أمور تلقائية تعرف باسم “التجميع”، فهناك الكثير من الأشياء التي نعتمد عليها في حياتنا يوميا، كلها في بداية الأمر لم تكن سهلة علينا، فمثلا عند الإمساك بذراع “البلاي ستيشن” لأول مرة، كنا نركز على الأزرار بشكل مبالغ فيه حتى لا نخطئ في الضغط على الزر الخاطئ، لكننا بمرور الوقت صرنا نلعب باحترافية دون النظر إلى الأزرار، والأمر نفسه مع تعلم قيادة السيارة، في بادئ الأمر يحتاج إلى قدر عال من التركيز في “فتح باب السيارة، ادخال مفتاح التشغيل، تحريك مرآة الرؤية الخلفية والمرايا الجانبية، التحقق من عدم وجود عبات، وضع قدمك فوق دواسة البنزين وتحريك ذراع نقل السرعات” وغيرها من الأشياء التي تحتاج تركيز شديد في البداية.

أما بعد مرور مدة كبيرة، فإنك تقوم بكل تلك الأشياء دون أدنى تفكير، وذلك لأن الأمر أصبح روتينيا يحدث بالتعود، فملايين البشر يقومون بتلك الحركات المعقد كل صباح دون تفكير، لأنهم حالما يخرجون مفاتيح السيارة، تبدأ العقد القاعيدة في العمل، فتقوم بتحديد العادة التي قاموا بتخزينها في أمخاخهم، ومن هنا نشأت نظيرة “حلقة العادات”.

يقول العلماء إن العادات تنشأ لأن المخ دائما ما يبحث عن طرق لتوفير الجهد، لذلك فهو يحول أي أمر روتيني إلى عادة، وهذه العملية التي تحدث في المخ تمثل حلقة من ثلاث خطوات، وهي:

  • الدليل: الشرارة التي تخبر المخ بالانتقال إلى الوضع الآلي، أي نوعية العادة التي يجب استخدامها، مثل صوت النقرة الشديدة التي كان فأر المعمل يسمعها قبل فتح المتاهة.
  • الأمر الروتيني: وهو يمن أن يكون عقليا أو بدنيا أو عاطفيا، مثل حركة الفأر داخل المتاهة، أو قيادة السيارة، أو حل معادلة رياضية في الاختبار.

 

  • المكافأة: وهي الجائزة التي تساعد المخ على معرفة ما إذا كانت هذه الحلقة الخاصة تستحق التذكر في المستقبل أم لا، مثل قطعة الشوكولاتة التي يحصل عليها فأر المعمل بعد اجتياز المتاهة.

العادات

ومن الأشياء الإيجابية أن العادات لا تختفي باختفاء حلقتها، فهي  تشفر في تراكيب المخ، وإلا فلماذا يقود الفرد سيارته بسهولة في الطريق إلى العمل بعد العودة من إجازة طويلة؟

  • كيف تتغير العادات؟

المشكلة في أن المخ لا يفرق بين العادات الجيدة والسيئة، والحل هنا في تغيير أحد عناصر حلقة العادة نفسها للتمكن من إحداث التعديل المنشود.

وحتى نغير العادات السيئة لأخرى جيدة، علينا تغيير الجزء الثاني من حلقة العادات، وهو الروتين، فمثلا إن كنت تريد التوقف عن تناول الوجبات الخفيفة في العمل، عليك أن تسأل نفسك، هل الجائزة التي تبحث عنها هي إشباع جوعك، أم القضاء على الملل؟

إذا كنت تفعل ذلك من أجل الشعور بارتياح مؤقت، يمكنك العثور بسهولة على أمر روتيني آخر، مثل: “جولة مشي سريعة، استراحة قصيرة أو بضعة دقائق على الإنترنت، وهذا يقدم لك المكافأة نفسها دون أن تضيف وزنا زائدا لجسدك.

لكن للأسف، لا توجد مجموعة من الخطوات المضمون نجاحها مع كل شخص، فلكي تستمر العادة في شكلها الجديد، يجب أن تعتقد أن التغيير أمر ممكن الحدوث، وذلك يحدث في كثير من الأحيان عندما يكون هناك من يقدم المساعدة والدعم لك.

فإذا أردت التوقف عن التدخين، عليك أن تعرف أمرا روتينيا يقوم بإشباع الرغبات التي تشبعها السجائر، ثم ابحث عن مجموعة تقدم لك الدعم، واستخدم تلك المجموعة كلما بدأت تشعر أن خطتك في الإقلاع بدأت تتعثر.

  • عادات الشركات والمؤسسات الناجحة

العادات

 

ليس هناك الكثير من الناس لم يشربوا ولو كوب قهوة واحد من محلات “ستاربكس”، وسواء كنت في القاهرة، أو دبي، أو لندن، أو نيويورك، لن تجد هناك أي فارق في المعاملة على الإطلاق، لدرجة تبعث على الدهشة، فالأسلوب واحد، والابتسامة طبق الأصل، والاهتمام بالعميل يكاد ينافس الاهتمام بالمنتج الذي تقدمه السلسلة الشهيرة حول العالم، فما السر في ذلك؟

يقول تشارلز دويج في كتاب “قوة العادات” إن “ستاربكس” نجحت في تعليم نوهية من المهارات الحياتية التي فشلت المدارس، والعائلات، والمجتمعات في تقديمها، وأصبحت من أكبر الهيئات التعليمية في أمريكا في الوقت الحالي، مع تعليم أكثر من 137000 وقت نشر الكتاب، وأكثر من مليون خريج.

وتركز سياسة “ستاربكس” التعليمية على العادة الأكثر أهمية على الإطلاق بالنسبة لنجاح الفرد بحسب عشرات الدراسات، وهي “قوة الإرادة”.

  • فتش عن قوة الإرادة

يقول العالم الأمريكي مارك موارفن إن قوة الإرادة ليست مهارة، وإنما عضلة مثل العضلات الموجودة في الذراع أو الساق، وبتقوية تلك العضلة تحدث المعجزات، ففي 2006عام، أجريت دراسة أسترالية على 24 شخصا تتراوح أعمارهم بين 18 و50 سنة في برنامج تدريبات رياضية، حيث طلب منهم على مدار شهرين أن يقوموا بتدريبات شاقة للغاية، تتطلب المزيد من قوة الإرادة.

وبعد مرور الشهرين، حدثت نتيجة مفاجئة للجميع، فقد كان المشاركون قبل التجربة يعترفون بأنهم من مدمني مشاهدة التليفزيون وتناول السجائر والأطعمة غير الصحية، لكنهم بعد التجربة الشاقة، قل ما يتناولونه من كحوليات وسجائر وأطعمة سريعة، ويقضون وقتا أقل في مشاهدة التليفزيون، وكان المشاركون الأصغر يقضون ساعات أكثر في أداء الواجبات المدرسية، رغم أن تلك الأشياء لم ترد في البرنامج التدريبي قط.

ما حدث في التجربة هو أن “عضلة قوة الإرادة” قد تم تقويتها بواسطة التمرينات الرياضية الشاقة التي أجبر عليه المشاركين في البرنامج التدريبي، فأثر ذلك على طريقة تفكيرهم، وترك أثرا إيجابيا على الجوانب الأخرى في الحياة، لكن هل تقوية عضلة الإرداة فقط هو ما يخلق عادات الشركات الناجحة؟

  • الخطة السحرية لضمان عادات نجاح الشركات

تمتلك شركة “ستاربكس” عشرات الأمور الروتينية التي يتعلم الموظفون استخدامها خلال أوقات الضغوط في العمل، فهناك مثلا عادات يتعلمها النادل لمساعدته على معرفة الفرق بين العملاء الذين يريدون قهوتهم فحسب، والذين يريدون مزيدا من التدليل، وفي جميع كتيبات التدريب هناك صفحات فارغة عديدة ليكتب الموظف خططا تتوقع كيف سيتغلب على المواقف الحرجة، ثم يتدرب على هذه الخطط مرارا وتكرارا، إلى أن تصبح تلقائية، وبهذا تصبح قوة الإرادة عادة، عن طريق اختيار سلوك معين مسبقا، ثم اتباع هذا الأمر الروتيني عند التعرض للموقف الحرج.

لتنجح الخطوات السابقة يقول تشارلز دويج إن مجرد منح الموظفين الإحساس بالقوة، والشعور بأنهم يمتلكون سلطة حقيقية لاتخاذ القرار، يمكن أن يؤدي ذلك لزيادة طاقتهم وتركيزهم، فعندما طلب من العمال في “ستاربكس” إعادة تصميم كيفية وضع آلات قهوة الإسبرسو وماكينات دفع النقود انخفض معدل تسريح الموظفين في الشركة، وارتفع مستوى رضا العملاء بشكل كبير.

إقرأ أيضا
الكرتون
  • كيف تخلق الأزمات والكوارث عادات ناجحة؟

العادات

في عام 1987 شهدت محطة مترو “كينجز كروس” حريقا مروعا، راح ضحيته 31 قتيلا وأصيب فيه العشرات، رغم أن احد الركاب حذر محصلا للتذاكر برؤيته منديلا محترقا في أحد مصاعد المحطة، قبل وقوع الكارثة بست ساعات.

وكانت نتيجة التحقيقات، بحسب كتاب “دويج”، أن هناك عادات روتينية تكونت بمرور الزمن في هيئة مترو لندن، نتج عنها عدم التعامل الجيد مع الحريق، منها مثلا أنه تم التنبيه على موظفي بيع التذاكر بأن اختصاصهم ينحصر في بيع التذاكر فقط، ولذلك إذا رأى أحدهم منديلا مشتعلا فإنه لا يحذر أحدا حتى لا يتجاوز حدوده، ولم يتم تدريب موظفي المحطة على استخدام أنظمة مكافحة الحرائق لأنها كانت تخضه لإشراف هيئة الإطفاء، وكان التعلميات تقضي بأن الاتصال بالإطفاء عند الشك في وجود حريق هو آخر حل يتم اللجوء إليه خشية إثارة الذعر بين الركاب.

وبعد تلك الكارثة نشأت عدة عادات روتينية اخرى، لكنها كانت أكثر إيجابية ونجاحا، فتم تجديد ثقافة متور الأنفاق في لندن، وأصبح في كل محطة مديرا مسؤوليته الأولى سلامة الركاب، وتم إلزام كل موظف بالإبلاغ عن أصغر إشارة تدل على الخطر، وأعطي الموظفون صلاحية التصرف بغض النظر عن المسؤول الذي سيتخطونه، كما تدريبهم على كيفية استخدام أجهزة الإطفاء داخل المحطة.

  • كيف تتوقع الشركات عادات المستهلكين وتتلاعب بها؟

العادات

تتمتع السيدات بقدر عال من السرية والدهاء لإخفاء أمرا تحتفظ به لنفسها عن الآخرين، ولكن هل تستطيع الشركات والمتاجر الكبرى معرفة العميلات الحوامل، حتى لو لم يردن أن يعرف الناس؟

هذا هو السؤال الذي أجاب عنه تشارلز دويج في كتابه “قوة العاداة”، فمثلا تتبع شركة “تارجت”، ثامن أكبر متاجر تجزئة في الولايات المتحدة، عادات الشراء لدى الناس عن كثب، وهو ما يجعلها تتوقع ما يفضلونه بشكل مذهل.

لقد أنشأت “تارجت” أرشيفا ضخما لبيانات العملاء، بحيث يكون هناك رمزا تعريفيا لكل عميل، وعندما يقوم أحد العملاء باستخدام بطاقة الائتمان التي تصدرها الشركة، أو استبدال قسيمة أرسلت إلى منزله بالبريد، أو الاتصال بخدمة العملاء، أو زيارة الموقع الإلكتروني للشركة، فإن أرشيف البيانات يسجل كل شيء قام به العميل، ثم يعمل قسم التحليلات بالشركة على تحليل تلك البيانات.

نعود لسؤالنا مرة أخرى، هل تستطيع الشركات والمتاجر الكبرى معرفة العميلات الحوامل، حتى لو لم يردن أن يعرف الناس؟

لاحظ أحد محللي البيانات في شركة “تارجت” أن النساء اللاتي ينتظرن مولودا، كن يشترين كميات غير معتادة من مستحضرات تنظيف البشرة التي تكون دون رائحة، في الشهور الثلاثة الثانية من الحمل، بينما في بعض الاوقات في الأسابيع العشرين الأولى، تشتري السيدات الحوامل كميات كبيرة من الفيتامينات، والعديد من  مطهرات الأيدي وأقمشة غسيل الجسم.

وأصبح محللي بيانات “تارجت” على علم بحمل عميلات الشركة، ومن ثم إرسال قسائم الشراء ذات الخصومات على أشياء تحجن إليها بسبب الحمل، وهو ما يدر أرباحا طائلة بالتأكيد.

وفي النهاية فإن كتاب “قوة العادة” لتشارلز دويج لا يحتوي على وصفات لتغيير العادات أو الإقلاع عنها، وإنما يقدم إطارا لفهم كيفية عملها، ودليلا لتجربة الطريقة التي يمكن بواسطتها إحداث التغيير.

إقرأ أيضاً

هي تؤثر العادات اليومية على مستقبلنا أم أنها الجينات الوراثية؟

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان