رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
278   مشاهدة  

“الخزينة فاضية” .. عن الجانب الاقتصادي لحرب أكتوبر وتفاصيل الإرث الناصري لعصر السادات

الرئيس السادات
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



“إن هذا الوطن .. يستحق أن يطمئن ويأمن بعد خوف ، أنه قد أصبح له درع وسيف” .. بهذا الصوت الرخيم والأنف النافر والصدر المعبئ بهواء الانتصار ، قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بإلقاء خطبته الشهيرة بعد حرب أكتوبر المجيد ، تلك الخطبة التي سمعها الشعب الإسرائيلي مذعورًا في خنادقه .. هذا الجبل الذي كان يحمله السادات على كتفيه أثناء إلقائه الخطبة ، الإرث الثقيل الذي ورثه بعد أن  توفى رفيقه عبد الناصر وتركه مُكّبّلًا في مواجهة قطار الغضب الشعبي الذي نشب في أنحاء مصر جمعاء .. غضب الشباب في الجامعة ، والناس على المقاهي ، وربّات البيوت في منازلهم ، وعمل العدو الدائم على ترسيخ الإحباط في نفس المواطن المصري والتشكيك في قدرة الثعلب الأسمر على المواجهة الحتمية ، الذي كان يؤجلها عمدًا في خطاباته ، مرة بحجة الضباب ، ومرة بحجة انعدام الرؤية ، ومرة بحجج واهية في وجهة النظر الشعبية .. لكن حملًا ثقيلًا كان يواجه السادات قبل نومه كل يوم .. إنها الحرب يا رفاق ، ولا حل بديل .. الحرب الذي يخرج منها القائد إما زعيمًا يحمله الناس على رؤوسهم في الشوارع ، وإما منُكّس الرأس .

 

كان للحرب أبعادًا متشعّبة، أبعاد أكبر من أن يتحملها العقل البشري، وأن يُثقل بها رجل واحد مثل السادات ، فقد كان السادات على يقين كبير بإن الناس لن ترحمه إذا حدث في الأمر حديث لا قدّر الله ، فلا مجال هنا للخطأ .. إما الحرب والانتصار وإما لا شئ آخر ، وللحرب بعدًا لا يحب الناس الحديث فيه ، فهو شديد التعقيد ، غير مشوق كالإثارة وضرب النار ، لكنه الشق الذي يتحكم أصلًا في جميع القرارات ، سواء الحرب أو التراجع أو وقف إطلاق النار .. إنه الشق الاقتصادي ، الدولار ، الورق الأخضر الذي يسقط الشنبات ، ويصعد بالناس إلى حكم العالم أو دنوّه . والشق الاقتصادي كان أكثر ما يشغل عقل السادات قبل الحرب المقدسة .. حيث أنه استفاض بالحكي ، وأسقط ما فيه قلبه على أوراقه الخاصة في مذكراته “البحث عن الذات ” , وقال السات :

 

كانت التركة التي ورثتها اقتصاديًا أسوأ بكثير من التركىة السياسية ، فاستقلال أي بلد حر هو في حقيقته الاستقلال الاقتصادي وليس الشعارات السياسية .. فماذا كان حالنا في سنة 70 ؟  كنّا قد نقلنا بغباء شديد النمط السوفييتي ونحن نسير على الخط الاشتراكي رغم أننا كنا نفتقر إلى الموارد والإمكانيات وتراكم رأس المال . في سنة 1952 عندما استلمنا البلد كانت ميزانية مصر 200 مليون جنيه تركها لي عبد الناصر 2000 مليون جنيه .. ولكن لم تكن هذه الزيادة إلاعلى السطح فقط أما في الأعماق فالمسألة تختلف تمامًا .. فعندما تم تمصير البيوت الأجنبية في مصر بعد معركة العدوان الثلاثي في أواخر 1956 انعكس هذا الحال على الوضع الاقتصادي لمصر .. وكان لنا في هذا الوقت أيضًا أرصدة مقدارها 400 مليون جنية إسترليني ودائع في إنجلترا من متخلفات الحرب العالمية الثانية فأفرج عنها بعد أن كان إيدن قد جمّدها بعد تأميم قناة السويس .

 

وهكذا .. في أول يناير سنة 57 بعد الإفراج عن ودائعنا في لندن وتأميم جميع البيوت الأجنبية عندنا كنا في أروع أوضاعنا الاقتصادية .. ومن هنا بدأ القطاع العام بالأموال والمؤسسات التي مُصّرت ولم تكن تقل في مجموعها عن ألف مليون جنية . . ولكن لو كان البدء سليمًا لكنا الآن دولة عظمى .. ففي سنة 61 صدرت قوانين التأميم .. وكان من الممكن أن ينطلق اقتصادنا العام مع تشجيع القطاع الخاص إلى آفاق هائلة لأن المنافسة بين الإثنين في صالح بناء أكبر واندفاع أعظم ، ولكنى الذي حدث هو أن التطبيق الاشتراكي بدأ يتجه إلى الماركسية فأصبح أي عمل حر رأسمالية بغيضة وأصبح القطاع الخاص استغلالًا ولصوصية فاختفى تمامًا نشاط الأفراد مما استتبع سلبية رهيبة من جانب الشعب أعانى منها ..  إلى اليوم وصلت إلى أن أصبحت الدولة مطالبة – إلى جانب التخطيط وإدارة السياسة الخارجية والداخلية – بتوفير البيض والدجاج ومئات من الحاجات التي يمكن أن يوفرها الأفراد بالمبادرة والنشاط الفردي .

 

ولقد كانت من نتيجة هذا أن أصبح الشعب حسب النظرية الجديدة يعتمد على الدولة في كل شئ .. الأكل والوظيفة والسكن والتعليم ، فما دامت الدولة قد أصبحت اشتراكية فعليها أن توفر للمواطن كل ما يتطلبه دون أي جهد إيجابي من جانبه . . وهذا الانكماش هو زاوية الهبوط إلى الهاوية .. في سنة 70 قرأت تقرير صدر في أمريكا بعد تحليل لواقع مصر الاقتصادي يقولون فيه : “اتركوا عبد الناصر يصرخ فسوف يركع على ركبتيه اقتصاديًا في القريب العاجل” .. كنا في ذلك الوقت نعتمد فقط على أنفسنا فلا معونة أمريكية أو سوفيتية أو عرية أو غربية فكل ما كنا نأخذه من العرب والشرق والعرب كان الشماتة .. فقد ضاع اقتصادنا في حرب اليمن والانفصال عن سوريا والتطبيق الماركسي للاشتراكية وهزيمة يونيو المنكرة …

 

قرأت التقرير مرة ومرات واستلف نظري ما جاء فيه من أن زيادة السكان بمصر وبالتالي زيادة الاستهلاك سوف يجعل الاقتصاد المصري يصل إلى مرحلة الصفر في خلال سنتين من سنة 1970 على الأكثر ففزعت ولكني اعتبرته دعاية من الغرب وأنه ضمن الحملة النفسية التي تشن علينا كي نسلم لإسرائيل ولكن بعد أن توليت اكتشفت الحقيقة المرة – فقد استدعيت وزير المالية والاقتصاد – د. حسن عباس زكي ، وسألته عن الموقف الاقتصادي فقال ببساطة : الخزينة فاضية .. وإننا نكاد نكون في حالة إفلاس .. قلت له : كيف وصل الحال إلى هذا ؟ ألم تخبر جمال ؟ ، قال : أنا قعدت ألبّس طاقية دا لده ولكن دلوقتي خلاص !!

إقرأ أيضا
الحلقة الأولى من مسلسل مليحة
حسن عباس زكي وزير اقتصاد عبد الناصر
حسن عباس زكي وزير اقتصاد عبد الناصر

أرسلت واثترضت 20 مليون جنية ولكن حسن عباس زكي قال لي إن هذا المبلغ لم ينفع كثيرًا .. وكنت أذعر فعلًا .. عندما أدركت أننا على وشك أن يأتي اليوم الذي لا نملك فيه رواتب الجنود المرابطين على الجبهة ومرتبات الموظفين ، فإذا جاء يوم ولم يقبضوا رواتبهم وعرفوا أن أهلهم في مصر لا يجدون ما يأكلونه فسوف يتركون الجبهة وتنهار مصر .. طبعًا كافحت واستعنت بكل مدد يمكن الاستعانة به .. ولم أشعر طوال سنة 71 وسنة 72 بحقيقة الكارثة ولكن قبل المعركة بخمسة أيام واجهت مجلس الأمن القومي بحقيقة اقتصادنا وبأنه تحت الصفر وهذا أمر لو صادف غيري أو أي إنسان لابد أن يخفيه ولكني فكرت وقررت .. ولا أعتقد أن أحدًا مكاني كان سيجد الشجاعة لإصدار أي قرار ولكنني كنت على ثقة أن مفتاح كل شئ سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا هو أن نصحح هزيمة 1967 لكي نستعيد ثقتنا في أنفسنا وثقة العالم بنا فلم يكن الوضع الاقتصادي سوى بعد واحد من أبعاد المشكلة .

لقد كان محو عار ومهانة هزيمة سنة 1967 هو الأساس ، وكان تقديري أنني  حتى لو دُفنت مع أربعين ألف من أبنائي في القوات المسلحة ونحن نعبر القناة فسيكون أشرف لنا ألف مرة من أن نقبل هذا الإذلال وتلك المهانة وستأتي الأجيال من بعدنا تقول إنهم ماتوا بشرف في المعركة ولابد أن يكملوها بعدنا .

 

الكاتب

  • السادات محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان