همتك نعدل الكفة
174   مشاهدة  

كيف كان وضع الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي “جرمها الفاطميين وقننها المماليك”

الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



ليس معروفًا على وجه الدقة وضع وحال الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي لكن الثابت أن ثنائية الدعارة والقانون خلال العصور الإسلامية التي حكمت مصر كانت بمثابة لعبة القط والفأر.

الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي .. متى جاء ذكر أخبارها ؟

الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي
بيع الجواري – رسمة تعبيرية

دخل العرب المسلمون مصر سنة 642م / 19 هجري، وكانت الرذيلة قبل ذلك التاريخ موجودة في مصر سواءًا كان زنا ودعارة أو حتى اغتصاب، ويعزز ذلك أنه في عصر البطالمة كانت هناك حالات لوقائع الزنا والاغتصاب[1]، بل وفي بعض الأحيان كان دخل المعابد البطلمية من الدعارة.[2]

تفريغ وثيقة من زمن البطالمة حول جريمة اغتصاب
تفريغ وثيقة من زمن البطالمة حول جريمة اغتصاب

رغم أن الإسلام حرم كل الفواحش الجنسية سواءًا الزنا أو الدعارة كـ مهنة، فإن التحريم القرآني والنبوي لم يحد من وقوعها في ظل الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم مصر.

اقرأ أيضًا
إمبراطور الدعارة في مصر منذ ١٠٠ عام .. أدار ٥٠ بيتا وأنشأ سجنا خاصا

من الصعب تحديد بداية تاريخ الدعارة في مصر خلال العصور الإسلامية، في حال لو فرقنا بين الدعارة والزنا، فالزنا يحدث بين رجل وامرأة ليس بينهما رابط شرعي، بينما الدعارة هي ممارسة المرأة للفحشاء بمقابل من أكثر من رجل والعكس كذلك؛ وبالتالي فإن تقريرنا يتكلم فقط عن الدعارة بمعناها وليس عن الزنا بمعناه.[3]

من أبواب القصر الغربي الفاطمي - كانت دار الحكمة تقع بجواره
من أبواب القصر الغربي الفاطمي

لكن أول إشارة مباشرة حول تاريخ الدعارة في مصر خلال العصور الإسلامية بكتب التاريخ، وردت عن المُسَبِّحي في تاريخه عن مصر زمن الدولة الفاطمية، وذكر واقعتين، الأولى سنة 1023م / 414هـ، عندما قام صبوح الصقلبي قائد الشرطة بإلقاء القبض على رجل وزوجته وضربهما وقام بالتشهير بهما لأنها كانا قوادين[4]، بينما الثانية في العام التالي حيث قام بن كافي الكتامي قائد الشرطة بالقبض على مخنث يقوم بالقوادة على خمسة من النساء في منزله.[5]

عصر المماليك ونواة تقنين الدعارة في مصر

راية المماليك
راية المماليك

في عهد عز الدين أيبك بدأ تقنين الدعارة على يد الوزير الأسعد شرف الدين الدين هبة الله بن صاعد الفائزي سنة 1250م عندما أصدر قانون الحقوق السلطانية والمعاملات الديوانية، وهي عبارة عن ضريبة يتم فرضها على الخمور والحشيش وبيوت الزواني، وكان ذلك اعتراف من الدولة بالدعارة رسميًا وتم إطلاق لفظ بنات الخطأ وبنات الخواطئ على المشتغلات في تلك المهنة، وجميعهن يخضعن لإدارة ضامنة المغاني وكان ذلك لقب المسئولة عنها وهي بمثابة النقيب لمحترفات الدعارة، حيث كانت تذهب إليها لتسجيل اسمها، وكانت هذه الضامنة تعهد بدفع مبلغ معين من المال للدولة ثم تقوم بجمع ضريبة المغاني من النساء البغايا في مقابل حماية الدولة لهن.[6]

درهم فضة للسلطان المملوكي أيبك ضُرب في القاهرة عام 1256
درهم فضة للسلطان المملوكي أيبك ضُرب في القاهرة عام 1256

مع مجيء الظاهر بيبرس قرر سنة 1267م / 666هـ منع النساء الخواطئ من التعرض للبغاء في كل أنحاء مصر، ونهب الخانات التي كانت معدة لذلك ونفي بعضهن وحبس أخريات حتى يتزوجن[7]، وكانت هناك نساء أوروبيات في زمن المماليك يعملن بالدعارة، وقد أصدر الظاهر بيبرس سنة 1262م / 661هـ بإبطال عملهن.[8]

إقرأ أيضا
تغييرات الحكومة
تمثال بيبرس
تمثال بيبرس

يلاحظ بوضع الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي زمن المماليك أمرين، أحدهما أن السلاطين الذين منعوها كانوا يسنون عقوبات متعددة وقاسية مثل الرجم والحرق، وأيضًا الخازوق[9]، أما الأمر الثاني فهو رغم أن العقوبات رادعة لكنها لم تقضي على الظاهرة لكون هناك سلاطين مماليك يمارسون الدعارة مثل الملك الكامل شعبان بن الناصر على سبيل المثال.[10]

الدعارة شبه الرسمية والدعارة السرية في مصر زمن العثمانيين

شعار الدولة العثمانية
شعار الدولة العثمانية

لم يتغير الوضع كثيرًا في زمن العثمانيين عن الشكل الذي كانت عليه أيام المماليك، وإن كان التقنين زمن العثمانيين كان أكثر، ويلاحظ أن الدعارة المقننة زمن العثمانيين كان لها هيكل إداري متمثل في القوادين والبغايا ومديري البيوت والمساعدين، كما ساهم رجال الأمن زمن العثمانيين في إقامة شبكات للبغاء وحماية وتحصيل الأموال منها، وأخذ البغاء في زمن العثمانيين شكلين، أحدهما الشكل شبه الرسمي والذي تحاول الدولة تقنينه بتخصيص مراكز خاصة لممارسته بهدف الحصر الجغرافي بعيدًا عن الأحياء الملتزمة، أما النوع الثاني من الدعارة فكانت الدعارة السرية وكانت تتم ممارستها بعيدًا عن أعين الدولة بأماكن متفرقة من القاهرة.[11]


[1]  أحمد فاروق رضوان دياب، جوانب من حالات الاغتصاب في مصر البطلمية .. دراسة وثائقية، مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة، ج2، ع74، سبتمبر 2010م، ص ص366–382.
[2]  عاصم أحمد حسين، المعابد أحد المؤسسات المستقلة في مصر البطلمية، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة المنيا، مج7، 1989م، ص ص72–75.
[3]  ملحوظات تاريخية من كاتب التقرير :
أول ذكر لطرق محاربة الزنا من الدولة جاء عند المؤرخ بن زولاق في سيرة محمد بن طغج الإخشيدي مؤسس الدولة الإخشيدية التي حكمت مصر من سنة 935م إلى سنة 968م، حيث قال «وأمر الإخشيد في وقت من الأوقات بهدم المواخير».
(انظر:- إحسان عباس، شذرات من كتب مفقودة في التاريخ، ط/1، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1408هـ / 1988م، ص260).
مما يشير إلى وجود بيوت لممارسة الرذيلة في ذلك الوقت، لكن الماخور في اللغة له تعريف شمولي هو بيت الريبة كذلك كان يطلق على بيوت الخمارين.
(انظر:- أحمد تيمور باشا، معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية، تحقيق: حسين نصار، ج3، ط/2، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة – مصر، 1422هـ / 2002م، ص203).
◊◊◊
بالتالي فمن الصعب التيقن بأن معنى ذلك هو بيوت دعارة بالمعنى الحرفي، وبعد زوال الدولة الإخشيدية ومجيء الفاطميين، كان خلفاء الدولة الفاطمية من الذين شنوا حربًا على ممارسة الزنا، وهناك أمثلةً كثيرة لتلك المواجهة.
(انظر:- عبدالمنعم سلطان، بعض مظاهر المساوئ الاجتماعية فى مصر الفاطمية، مجلة كلية الآداب، جامعة سوهاج، مج2، ع1، إبريل 1982م، ص ص72–75).
وأشرس طريقة قام بها الفاطميون في الحد من الزنا كانت في زمن الحاكم بأمر بالله، فالرجل الذي أصدر سنة فالرجل الذي أصدر سنة 1014م / 450هـ أمرًا يقضي بحظر خروج النساء من منازلهن، بل وأعطى اهتمامًا بمحاربة الزنا فجعل النساء العجائز مخبرات على النساء في مصر ولمراقبة سلوكهن، بل وفي أحيانٍ كان يقوم هو بنفسه بتلك المراقبة وكانت العقوبة هي القتل غرقًا أو حرقًا.
(انظر:- ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: صلاح محمد الخيمي، ج13، ط/1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1436هـ / 2015م، ص ص20–21).
♦♦♦
[4]  المُسَبِّحي، أخبار مصر في سنتين، تحقيق: وليم چ. ميلورد، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة – مصر، 1980م، ص32.
[5]  المرجع السابق، ص187.
[6]  سامية علي مصلحي، البغاء في مصر في العصر المملوكي، مجلة حوليات آداب عين شمس، مج33، يناير – مارس 2005م، ص114.
[7]  المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418هـ / 1998م، ص199.
[8]  النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب، ج30، ط/1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة – مصر، 1423هـ / 2002م، ص88.
[9]  ابن طولون، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، ط/1،  دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418هـ / 1998م، ص179.
[10]  سامية علي مصلحي، البغاء في مصر في العصر المملوكي، ص111.
[11]  حامد عبدالحميد مشهور، البغاء في القاهرة خلال العصر العثماني، مجلة كلية الآداب، جامعة المنصورة، ع61، أغسطس 2017م، ص ص365–394.

الكاتب

  • الدعارة في تاريخ مصر الإسلامي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان