الدكتوراة الفخرية في تاريخ مصر بين أروقة الحكم وبلاتوه الفن “مراحل الجدل والتقدير”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تمثل الدكتوراة الفخرية في تاريخ مصر المعاصر إحدى التروس في عجلة الجدل بشكل متقطع، فهي ليست درجة أكاديمية وإنما درجة تكريمية، وليست محصورةً في فئة معينة.
ابتدعت جامعة ييل عام 1861 م نظام الدكتوراة الفخرية في أمريكا ثم لحقت بها جامعة أكسفورد في انجلترا، ورويدًا رويدًا صارت عند كل جامعات العالم، وتطورت حتى وصلت إلى الشراء من مؤسسات وهيئات لا يعتد بها.
الدكتوراة الفخرية في أروقة القصر الملكي
مُنِح الملك فؤاد الدكتواره الفخرية من جامعة القاهرة في 15 نوفمبر 1928 م، ليكون أول حاكم بقائمة الدكتوراة الفخرية في تاريخ مصر المعاصر ينالها، وأول حاكم مصري ينالها من جامعة مصرية.
بعد فؤاد نال الملك فاروق الدكتوارة الفخرية مرتين من نفس الجامعة، كانت الأولى في 23 فبراير عام 1939 م، أما الثانية فكانت في 8 فبراير عام 1943 م، وهو آخر حاكم مصري ينال الدكتوارة الفخرية من جامعة مصرية.
الدكتوراة الفخرية في أروقة القصر الرئاسي
كافة رؤساء مصر أخذوا دكتوراة فخرية باستثناء اللواء محمد نجيب، أما أكثر الرؤساء فكان محمد حسني مبارك حيث نالها 5 مرات وتعادل الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الرئيس جمال عبدالناصر بمرتين لكليهما، فيما مُنِحَت الدكتوراة مرة واحدة للرئيسين محمد أنور السادات ومحمد مرسي.
نال جمال ناصر الدكتوراة الفخرية مرتين في أقل من شهر كانت الأولى في 4 إبريل 1960 من جامعة عليكره الإسلامية في الهند، والثانية يوم 13 إبريل من نفس العام عبر جامعة دكا في باكستان.
أما الرئيس عبدالفتاح السيسي فقد تساوى مع عبدالناصر حيث نالها للمرة الأولى من جامعة كورفينوس بالمجر عام 2015م، ونالها من جامعة بوخارست سنة 2019 م.
أما محمد حسني مبارك فكان أكثر الرؤساء نيلاً لها حيث 5 مرات، إذ مُنِحت له الدكتوراة الفخرية الأولى عام 1991 من المجلس الأكاديمي المكسيكي للقانون الدولي، والثانية سنة 1998 من بلغاريا وكانت دكتوراة شرفية، بينما الثالثة كانت عام 1999 من جامعة جورج واشنطن، والرابعة من جامعة سانت جونس، والخامسة من جامعة بكين.
بينما تساوى «محمد أنور السادات، ومحمد مرسي» حيث مُنِحَت الدكتوراة لكليهما مرة، إذ نالها السادات من جامعة جور جتاون الكاثوليكية بواشنطن عام 1981 م.
بينما نالها مرسي من الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في باكستان، كانت الدكتوراة الفخرية للرؤساء سببًا في الجدل، تارةً بسببهم وتارةً بسبب الزوجات، فحين نال مرسي الدكتوراة تعرض لانتقادات وسخرية.
أما من حيث الزوجات فقد نال السادات سخطًا كبيرًا بسبب قرينته جيهان السادات والتي أخذت الدكتوراة الفخرية 20 مرة في أقل من 10 سنوات عن طريق 12 جامعة ومؤسسات غير معروفة.
بينما نالت سوزان مبارك الدكتوراة الفخرية 4 مرات كانت الأولى من جامعة وست منستر الأمريكية سنة 1996 والثانية من جامعة آداب بنها سنة 1999 م، والثالثة من الجامعة الأمريكية عام 2000 م والرابعة من جامعة القاهرة سنة 2008 م وقد ثارت الاعتراضات على دكتوراة جامعة القاهرة إذ اعترض 50 جامعيًا على منحها معتبرين أن في ذلك نوعا من الإستغلال السياسي للجامعة والتزلق للسلطة، وقد سُحِبَت منها في إبريل عام 2011 م.
الدكتوراة الفخرية برعاية الحكام للحكام
لا يمكن إغفال شيء هام في صلة حكام مصر بالدكتوراة الفخرية وهو أن كافة الأنظمة المتعاقبة على مصر منذ القرن العشرين كانت تجامل من خلال جامعة القاهرة والأزهر ملوك ورؤساء العالم إما لأهدافٍ سياسية أو لتقدير مواقفهم.
فمثلاً طوال عهد أسرة محمد علي باشا منحت جامعة القاهرة الدكتوراة الفخرية لـ 3 هم «الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في 8 مارس 1910 م، وفيكتور إيمانويل الثالث في 12 فبراير 1933 م ومحمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني في 21 نوفمبر 1951 م».
واتجه جمال عبدالناصر لنفس السياسة خلال دعمه للشأن الإفريقي والعربي فمنحت جامعة القاهرة الدكتوراة الفخرية إلى 12 من الحكام الأفارقة والعرب والأجانب وهم «كوامي نكروما رئيس غانا في 19 يونيو 1958 م، والأمير نورودوم سيهانوك ملك كامبوديا في 21 يونيو 1959 م، والرئيس إبراهيم عبود في 23 ديسمبر 1959 م، والملك محمد الخامس ملك المغرب في 13 يناير 1960 م، والملك محمد ظاهر شاه ملك أفغانستان في 29 أكتوبر 1960 م، والمارشال محمد أيوب خان رئيس باكستان في 9 نوفمبر 1960 م، وذاكر حسين نائب رئيس الهند في 1 إبريل 1963 م، والحبيب بورقيبة رئيس تونس في 17 فبراير 1965، والملك الحسن الثاني ملك المغرب في 14 مارس 1965 م، والرئيس شارل الحلو رئيس لبنان في 4 مايو 1965 م، وليوبولد سيدار سنجور رئيس السنغال في 16 فبراير 1967 والرئيس نيريري رئيس تنزانيا في 10 إبريل 1967».
أما في عصر السادات فلم تعطي جامعة القاهرة الدكتوراة الفخرية لحاكم إلا للرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان في 10 ديسمبر 1975 م.
وفي عهد الرئيس الأسبق مبارك تم منح الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة لـ 4 هم «جعفر نميري في 22 فبراير 1982 م، والرئيس كينيث ديفيد كاوندا رئيس زامبيا في 11 فبراير 1985 م والرئيس ساندرو برتيني رئيس إيطاليا في 17 فبراير 1985 م، والرئيس عبدو ضيوف رئيس السنغال في 4 مارس 1985 م»، فيما منحت جامعة الأزهر الدكتواره الفخرية للأمير تشارلز.
أما في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي فقد تم منح الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة للأمير سلطان بن محمد القاسمي في مايو 2015 م والملك سلمان في إبريل 2016 م، كذلك تم منح الدكتوراة الفخرية للملك عبدالله بن عبدالعزيز من جامعة الأزهر مرتين الأولى في 16 في 16 يوليو 2014 والثانية في 20 أغسطس من نفس العام.
الأزهر وقنبلة الأمير تشارلز
لم يكن أمير ويلز تشارلز مع زوجته الأميرة ديانا أثناء زيارتها للأزهر في مايو عام 1992 م، لكن زار تشارلز الأزهر عام 2006 بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
قرر حينها شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي في 23 مارس عام 2006 منح الدكتوراة الفخرية للأمير تشارلز تقديرًا لموقفه من الإسلام ومعارضته للرسوم المسيئة.
أيد قرار شيخ الأزهر كلاً من الدكتور أحمد الطيب حين كان رئيسًا للجامعة ومعه الدكتور أحمد عمر هاشم عندما كان رئيسًا للجنة الدينية في مجلس الشعب ومعه عمر الديب وكيل الأزهر ورئيس لجنة الحوار.
أما المعترض فكان عبدالعظيم المطعني أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حيث قاد حملةً لرفض منح الدكتوراة الفخرية، وكان السبب أن موقف الأمير تشارلز ليس فيه خدمة للإسلام واتهم الأزهر بأنه تعرض للضغط السياسي خاصةً وأن زيارة تشارلز لم تكن للأزهر وإنما للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
الدكتوراة الفخرية في البلاتوه .. سنوات من الهدوء حتى جاءت عاصفة محمد رمضان
دخل الفنانون بقائمة الدكتوراة الفخرية في تاريخ مصر المعاصر فقد نالتها فاتن حمامة مرتين من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2009 والجامعة الأمريكية في بيروت سنة 2013 م، وتساوى معها الفنان يحيى الفخراني حيث نالها من جامعة ويلز وجامعة كيب بريتون، وانضم أيضًا للتساوي الموسيقار عمر خيرت والذي نالها مرتين هو الآخر من جامعة ويلز وجامعة كيب تاون.
أما الفنانون الذين نالوها مرة فكان على رأسهم الموسيقار محمد عبدالوهاب والفنانة شادية من أكاديمية الفنون، والفنان نور الشريف والذي نالها من جامعة ويلز، والفنان محمد صبحي الذي نالها من الكلية الأمريكية للتنمية البشرية، والفنان محمد منير من جامعة ويلز، والمخرج يوسف شاهين من جامعة باريس، وأخيرًا محمد رمضان من المركز الثقافي الألماني في لبنان.
طيلة سنوات الدكتوراة الفخرية مصر المعاصر مع الفنانين لم يحدث الجدل تجاه أحد سوى محمد رمضان، فبعيدًا عن الاختلاف في التأثير بينه وبين السالف ذكرهم، لكن جميعًا تم منحهم الدكتوراة الفخرية من جامعات لها ثقل في التاريخ الأكاديمي محليًا وعالميًا، فضلاً عن أنها جامعات مُعْتَرَف بها بالإضافة إلى أنها لا تمنحها بالأموال.
بعكس محمد رمضان إذ أن المركز الثقافي الألماني في لبنان غير معترف به في العالم الأكاديمي فضلاً عن أن الجهة المانحة ليست جامعة وإنما مجرد مركز في التنمية البشرية، فيما كشف صميدة الفيومي أنه تواصل مع مدير المركز وذكر أن الشهادات تُمْنَح بالأموال وأن محمد رمضان دفع 1600 جنيه لينال الدكتوراة الفخرية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال