ما فعله محمود المليجي بفارس الدين أقطاي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
هل يمكن لاختيار ممثل في عمل درامي، أن يغيّر في حقيقة شخصية تاريخية، هل يمكن أن يتحول فارس غدره سلطانه إلى شرير كان الخلاص منه واجبًا، هل يمكن أن تتحول سيرته إلى سيرة أخرى مختلقة؟ الإجابة ببساطة نعم، وحدث كثيرًا ولعل أبرزها هو ما حدث لفارس الدين أقطاي الجمدار القائد العسكري الذي قاد المماليك للنصر في معركة المنصورة ضد حملة لويس التاسع، الرجل الذي تغيرت سيرته لمجرد أن محمود المليجي هو من قام بدوره، في فيلم وا إسلاماه.
اقرأ أيضًا
السينما النظيفة.. وهل كانت أفلام زمان “وسخة”!!
فارس الدين أقطاي الجمدار، هو أحد كبار قادة المماليك البحرية في عهد الصالح نجم الدين أيوب، كان هو وعز الدين أيبك أقوى أمراء المماليك بعد أتابك “قائد الجيش” فخر الدين يوسف أبن شيخ الشيوخ، والذي قتل في معسكر جديلة بالقرب من المنصورة، ليتولى أقطاي قيادة الجيش والتخطيط والتدبير لمعركة المنصورة والتي أسر فيها لويس التاسع ملك فرنسا.
هذا الرجل الذي لم تختاره شجر الدر ليكون زوجًا لها وسلطانًا على مصر لأنه كان صاحب الشخصية الأقوى بينما فضلت أيبك عليه، طمعًا في أن تحكم هي من خلف الستار، وقد يظن البعض أن أيبك تخلص من أقطاي فور توليه الحكم، ولكن الحقيقة أن أقطاي قاد الجيش في عدد من المعارك تحت لواء المعز عز الدين أيبك سلطان مصر وقتها، بل وهزم أخر سلاطين بني أيوب في الشام وهو الناصر يوسف ملك دمشق في أكثر من معركة، وساهم في القضاء على التمرد الذي قادة حصن الدين ابن ثعلب في الصعيد، وكانت الإسكندرية مكافأة له لتنضم إلى أملاكه.
ولكن انقلب أيبك على قائده فدبر لاغتياله داخل القلعة وأوكل المهمة لنائبه سيف الدين قطز والذي تجمع مع عدد من المماليك التابعين لأيبك وقتلوا أقطاي لينفرد أيبك بالحكم حتى مقتله، وقد اختلفت المصادر حول وصف فارس الدين أقطاي فبين العديد من المصادر التي كانت تصف شجاعته ونبله وكرمه، ستجد أنه لم يذكر بسوء سوى في الحافظ الذهبي لشمس الدين الذهبي، الذي يمكن أن نلخص وصفه لأقطاي بأن أقطاي لم يكن سوى قاطع طريق وضيع في ثوب أمير، مصدر وحيد أمام عدد من المصادر الكثيرة التي أرخت للدولة الأيوبية والمملوكية.
الغريب أن رواية الذهبي هي ما استند عليها الكاتب اليمني الجنسية الإندونيسي المولد على أحمد باكثير في روايته وا إسلاماه، تلك التي تحولت بعد ذلك إلى فيلم بنفس الاسم من للمخرج الأمريكي أندرو مارتون وسيناريو روبرت أندروز وحوار يوسف السباعي، ليقرر السيناريو تبنى رواية باكثير حول أقطاي تلك الرواية المأخوذة من رواية الذهبي عنه كما أسلفنا.
وهنا تتدخل الدراما لتكون هي صاحبة القرا، ويتنحى التاريخ جانبًا، ولأن الدراما تقول أن البطل هو قطز، فلن يقتل أقطاي، بل علينا أن نجعل من أقطاي شريرًا كي لا يتعاطف أحد معه فبتبعيه قد تظهر هناك نقيصة في الثوب الدرامي ناصع البياض الذي ألبسه صناع الفيلم لشخصية بطلهم الدرامي.
ومن هنا جاء اختيار الوجه الأشهر للشر في السينما المصرية وقتها، محمود المليجي، الذي تعامل كأي ممثل محترف قدم الشخصية كما هي مكتوبة، ودون أن يدري أنه لا يقدم شخصية في فيلم، بل يطمس ويغيّر سيرة الشخصية الحقيقية تمامًا وربما للأبد، ولكن هل أخطأ المليجي؟ هل أخطأ صناع وا إسلاماه؟
الحقيقة أن الخطأ الحقيقي يقع على من استسهل الأمر وجزم بأن ما يراه على شاشة السينما وما يقرأه في رواية باكثير هو الحقيقة الكاملة، أو ما حدث بالفعل، والحقيقة أن ما قدم في الفيلم أو الرواية ما هو إلى عمل خيالي مستند على أحداث تاريخية وشخصيات تاريخية، فمثلما لم يكن في التاريخ “جهاد أو سلامة” لم يكن أقطاي ذاك الوضيع الذي قدم.
ولكن البحث عن سيرة قائد عسكري مثل أقطاي بن عبدالله الجمدار، لم يحكم، ولم يكن سلطانًا، بل قتله عدوه والذي حرص على طمس أي معلم تركه، بل إنه أدخل ما تبقى من مماليك أقطاي وأتباعه في مصر إلى خدمته وألحقهم بما سمي وقتها المماليك المعزية نسبة لعز الدين أيبك، ولأن هذا العهد كان عهد صراعات وحروب وخلافات وتقلب فيه السلاطين على عرش مصر واحدًا بعد الأخر في الوقت الذي اقترب فيه المغول من مصر، لم يلتفت أحد للتدقيق في سيرته أو إحياء ذكراه.
ولم يبقى من فارس الدين أقطاي الجمدار، قائد الجيش سوى رواية الذهبي التي نقلها باكثير في وا إسلاماه، ووجه محمود المليجي ونظراته الحادة.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال