أقلهن مهرًا أكثرهن بركة “نظرة إسلامية لمواصفات الزواج اقتصاديًا”
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
حث الإسلام على الزواج ونهى عن التبتل، فيذكر أن الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين فيقول الله في كتابه العزيز : ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ” [ الرعد : 38 ]، والزواج آية من آيات الله لقوله عز وجل : ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “[ الروم21 ].
اقرأ أيضًا
شاهد بالصور : أول حفل زفاف على الطريقة الفرعونية
وفي الحث على الزواج روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”.
الأخلاق أولاً .. لماذا
رغب الشرع الحنيف في تزويج صاحب الخلق والدين وليس المال، قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي.
وقال تعالى : ” وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً ” [ النساء : 4 ] قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: النحلة : المهر . ( تفسير ابن كثير )
إن تيسير المهر مطلب شرعي وهدي نبوي، لما يترتب على تيسير الزواج من مصالح شرعية عظيمة، لكنّ الشرع لم يحدد قدراً معيناً للمهر، فالراجح أنه لا حد لأقله ، والإجماع على أنه لا حدّ لأكثره.
قال ابن قدامة الحنبلي: وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه بإجماع أهل العلم، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً “؛ كما قد روي عن عائشة رضي الله عنها بإسناد حسن لا إشكال فيه ، بلفظ : إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا.
نماذج من السلف في مسألة عدم مغالاة المهور
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف، وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق ويقول ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم ، ولو كانت المغالاة بمهور النساء مطلوبة لسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم.
وهذا سعيد بن المسيب رحمه الله وهو أحد كبار التابعين لم تفُته تكبيرة الإحرام أربعين سنة في مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم و كان يتردد عليه طلبة العلم، ومن ضمن الذين كانوا يترددون عليه تلميذه عبد الله بن أبي وداعة، فافتقده سعيد بن المسيب أيامًا، فدخل عليه بعدها، فقال: أين كنت يا عبد الله؟ قال: لقد توفِّيَت زوجتي فانشغلت بها، قال: ألا آذنتَنا حتى نحضرَها؟! ثم قال له: يا عبد الله هل تزوَّجْتَ غيرها؟ قال: يرحمك الله يا إمام ومن يزوجني ولا أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟! قال: أنا أزوجك، قال: أوتفعل؟! قال: نعم، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وزوَّج تلميذه بدرهمين، قال عبدالله: فخرَجْتُ وأنا مهموم، من أين أستدِين؟! ومن أين أوفر الصداق؟! ومن أين آتي بالمال؟! فبينما كنت في منزلي بعد صلاة المغرب، وكنت صائمًا وقد قربت فطوري وكان خبزًا وزيتًا، قال: فإذا بالباب يطرق، فقلت: من؟ قال: سعيد، قال: فحضرني كلُّ من اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب؛ لأنه لم يغادر بيته إلا إلى مسجده منذ أربعين عامًا، قال: ففتحت الباب فإذا سعيد بن المسيب، إمام أهل المدينة ، قال: قلتُ: يرحمك الله لو أرسلتَ إليَّ لأتيتك، قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إني تذكَّرت أنك رجل كنت ذا زوجة، وأنك تبيت عزبًا هذه الليلة، فخشيت أن تبيت وحدَك وهذه زوجتك، قال: فدفعها إليَّ وأغلق الباب، قال: فوجدتها من أحفَظ النساء لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجمل ما رأت عيناي، وكانت ابنة سعيد بن المسيب هذه قد خطبها عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين لابنه ولي عهد المسلمين الوليد بن عبد الملك، فأبى أن يزوِّجَه إياها.
فعلى الآباء وأولياء الأمور ألا يغالوا في المهر حتى يستطيع الشباب الزواج وتحصين أنفسهم وإحياء سنة الزواج والقضاء على ظاهرة العنوسة بين الفتيات التي أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمعات كلها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال