الشرطة في ثورة 1919 “إعادة فتح الملف المنسي بعيدًا عن الهبد والهوى”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اقتصر معرفة دور الشرطة في ثورة 1919 من خلال المسلسلات التسعيناتية بصورة نمطية ومتشابهة، فالشرطي هو كرباج الإنجليز على ظهور المصريين، ومع الفيس بوك كانت الصور النادرة لتفريق المتظاهرين حاضرةً كدليل على حصر دور الداخلية في القمع، لكن هناك تفاصيل أخرى ظلمتها المسلسلات والسوشيال ميديا، بعضها بطولي والآخر عار.
هل كان هناك شهداء من الشرطة في ثورة 1919 ؟
تجاوز عدد شهداء ثورة 1919 الـ 3 آلاف، كان من ضمنهم ضباط من ذوي الرتب العالية وعلى رأسهم مأمور بندر أسيوط الشهيد محمد كامل، والذي أُعْدِم رميًا بالرصاص من قِبَل قوات الاحتلال البريطاني بتهمة الاشتراك في الثورة.
لم تكن مشاركة محمد كامل عادية، فمن الناحية المدنية كان أهالي أسيوط يوقفون قطارات سكك حديد مصر للقبض على كل ضابط إنجليزي، أما البكباشي محمد كامل فكان يمدهم بالسلاح والدعم اللوجسيتي طيلة 3 أشهر حتى ألقي القبض عليه وأعْدِم في العاشر من يونيو لعام 1919 م.
اقرأ أيضًا
عجائب الوحدة الوطنية في مصر من 101 سنة .. حين تكون بالاغتيال السياسي
قدمت الشرطة في ثورة 1919 شهيدًا آخر وهو مصطفى حمدي، فرغم أنه كان خارج الخدمة بتهمة الاشتراك في خلية سرية تقاوم الاحتلال، لكنه أسس خلية في ثورة 1919 سُمِّيَت بخلية النسف وكانت أخطر ما أساليب العمل المسلح، ثم تولى مهمة تدريب أعضاء الجهاز السري لثورة 1919 م ومن ضمنهم أحمد باشا ماهر ومحمود فهمي النقراشي اللذين توليا رئاسة الوزراء في الأربعينيات.
يحكي الكاتب صبري أبوالمجد في عدد مجلة المصور لعام 1969 نهاية الشهيد مصطفى حمدي قائلاً «يشاء القدر أن يلتقى الضابط مُصطفى حمدى بأحمد ماهر فى الصحراء لتجربة قُنبلة وتنفجر القنبلة بالخطأ في وجه الضابط ليلقى ربه، ويقوم أحمد ماهر بدفنه في الصحراء ثُم يذهب إلى والدته ويخبرها أن ابنها سافر فجأة إلى تركيا بسبب تضييق السلطات البريطانية عليه، ويقوم كل شهر بإرسال مبلغ مالي ثابت إلى والدته، ويُكشف الأمر بعد سقوط قتلة السير لي ستاك واعتراف شفيق منصور المحامى على بعض الفدائيين حيث تكتشف سلطات الاحتلال موقع دفن مصطفى حمدي».
بطولات منسية من الأيام الحمراء
بطولات متعددة قدمتها الشرطة في ثورة 1919 م ولم تقتصر على من في الخدمة وإنما حتى من التحق في كلية البوليس، وبدأ هذا عندما أرادت السلطة الإنجليزية إرسال بعض المفتشين ومعهم مترجمين من المصريين غير الموظفين ودوريات إنجليزية يطوفون على القرى والبلاد لتهدئة الحال.
تكلم عبدالوهاب النجار خلال مذكراته «الأيام الحمراء» حيث قال في يوميات 17 مارس 1919 «تعسر عليهم (الإنجليز) أن يجدوا من يقوم بالترجمة والوساطة فعولوا على ترقية تلاميذ مدرسة البوليس قبل موعد الترقية ليقوموا بهذه المهمة مع المفتشين، فأبى التلاميذ ذلك ورغبوا في أن يظلوا على حالهم إلى أن يحين وقت امتحانهم وترقيتهم، أما الأميرالي جننس برامللي بك فحاول إغراءهم لكنه رأى منهم إعراضًا ونفورًا».
محاكمات ضباط الشرطة في ثورة 1919
انعقدت محاكمات لآلاف المصريين بسبب الاشتراك في ثورة 1919 كان من ضمنهم ضباطًا للشرطة، ففي قضية دير مواس حوكم 3 ضباط بتهمة الهجوم على السكة الحديد وقتل الضباط البريطانيين وهم اليوزباشي أبو المجد أفندي محمد الناظر نائب مأمور مركز ديروط، الملازم أول عبده أفندي إبراهيم ملاحظ بوليس مركز ديروط، وحكم عليهما بالسجن فيما تم إعدام مأمور المركز محمد كامل.
حوكم أيضًا في قضية بلدة شلش التي شهدت الهجوم على باخرة نيلية إنجليزية البكباشي عبدالسلام فهمي وقضت المحكمة عليه بالسجن 10 سنوات، فيما حوكم في قضية مماثلة الملازم محمد حسين أحمد بالسبع بالسجن 4 سنوات.
خضع كذلك كلاً من الباشجاويش محمد عبدالعظيم والصول سيد حجاج للمحاكمة، وقضت المحكمة على الأول بالحبس 8 سنوات بتهمة الإخلال بواجباته العسكرية وخفف الحكم إلى السجن 5 سنوات بينما حكمت على الثاني بالحبس 4 سنوات بتهمة التحريض على الشغب، خفف الحكم إلى السن سنتين، كما حوكم إبراهيم أفندي شاكر ملاحظ بوليس نقطة مطاي بالسجن 15 سنة بتهمة التحريض على تدمير السكة الحديد.
جهاز الشرطة في ثورة 1919 ذكرنا ما له .. فما الذي عليه ؟
مثلما كان هناك أبطال وشهداء من رجال الشرطة كان هناك جانب سيء من ضباط الجهاز مثل الضابط محمد شاهين الذي قتل 23 شخصًا في يوم واحد، وسليم زكي مؤسس القلم السياسي، ومحمود عبد المجيد ومحمد الجزار ومحمد وصفي وإبراهيم إمام.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال