العدل في الإسلام بمفهومه الشامل “تعدى مرحلة أن يكون بين المسلمين”
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أرسل الله سبحانه وتعالى أنبيائه ورسله وأنزل كتبه السماوية ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل و قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة للدين في شيء.
ماهية العدل
و العدل لغةً هو ضد الظلم ، وهو ما استقام في النفوس، عَدَل يعدلُ فهو عادل، ويقال عدل في القضية فهو عادل، وفي الاصطلاح تعني جعل الأُمور في مواضعها ووفقا لأوقاتها ومقاديرها ووجوهها، من غير تقديم ولا تأخير.
اقرأ أيضًا
هل من معجزات النبي أنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه ؟ “نقد الانتقادات الموجهة للصوفية”
والعدل اسم من أسماء الله الحسنى ويعني المعتدل ، الذي يضع كل شيء في موضعه، وهو العدل الذي يعطى كل ذي حق حقه، لا يصدر عنه إلا العدل، وحظ العبد من اسم العدل أن يكون وسطا بين طرفى الإفراط والتفريط.
العدل بين القرآن والسنة
وهناك الكثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن العدل منها قوله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ” . [ النساء : 58 ]
وقوله عز وجل : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ” . [ النساء : 135]، وقوله عز من قائل : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” [ النحل : 90 ].
أما في السنة الشريفة فقد ورد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالعدل أين كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم.
كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه : إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.
وجاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سَرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ». فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال : أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . (رواه البخاري)
العدل بين الأولاد وضرورته
والعدل بين الأولاد بينته السنة المطهرة فقد جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أعطاه غلاماً فقالت أمه: لا أرضى حتى يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب بشير بن سعد إلى النبي وأخبره بما فعل فقال: أكل ولدك أعطيته مثل ما أعطيت النعمان فقال: لا، فقال الرسول: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.
العدل مع غير المسلمين
وروى عن سهل بن أبي حَثْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خيبر، فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، وَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلاً، وَقَالُوا لِلَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ: قَدْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا ، قَالُوا: مَا قَتَلْنَا وَلا عَلِمْنَا قَاتِلًا. فَانْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلاً. فَقَالَ: «الْكُبْرَ الْكُبْرَ ” . فَقَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ ؟” قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ!! قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ». قَالُوا: لا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ .
وهذه معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين بالعدل في القصة التي رواها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلَّم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” هل مع أحدٍ منكم طعام ؟ “، فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ، فعُجِن، ثم جاء رجل مشرك مُشعان طويل بغنمٍ يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيعٌ أم عطيَّة ؟ ، قال: لا بل بيعٌ، فاشترى منه شاة ، فصُنِعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يُشوَى، وايْمُ الله ، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حزَّ النبي صلى الله عليه وسلم له حُزَّة من سواد بطنها ، إن كان شاهدًا أعطاها إيَّاه، وإن كان غائبًا خَبَأ له، فجَعَل منها قَصعتين، فأكلوا أجمعون، وشَبِعنا، ففضَلت القصعتان، فحمَلناه على البعير”؛ أي أن العدل في الإسلام تعدى مرحلة العدل بين أهله إلى العدل مع غير أهله .
فقد كان من عدل النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أتْباعه بالتعامل بالحسنى مع غير المسلمين، ونهاهم عن ضدِّه ، فقال صلى الله عليه وسلم: ” مَن قتَل قتيلاً من أهل الذِّمة ، لَم يجد ريح الجنة، وإن ريحَها ليُوجَد من مسيرة أربعين عامًا ” .
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال