العراب .. أحمد خالد توفيق

“يحمي الدكتاتور حقيقة ليس حراسه ولا جهاز أمنه ولا المدرعات التي تحيط بقصره، بل هي طبقة المنافقين والمنتفعين وترزية القوانين من حوله. هذه الطبقة السميكة تدافع عن وجودها نفسه وعن ثرائها ونفوذها ومستقبل أولادها، لذا تفديه بالروح والدم فعلًا وهو هناك في القلب. هذه الطبقة صادقة جدًا عندما تهتف باسمك .. لا أحد لا يفدي ثروته وثروة عياله بالدم. عندما يكون دخلك بالملايين وتضمن لذريتك أفضل الأماكن في البلد، وعندما يكون ملف فسادك ذا رائحة نتنة يخفيه الزعيم في خزانته، ثم يأتي شاب مخبول يحمل علم ويطالبك بأن تسقط الزعيم وتتقاضى عُشر راتبك ويصير ابنك مواطنًا عاديًا كأي شاب آخر، ثم تلوح بهذا العلم من أجل الحرية.. أول شيء ستفعله هو أن تدس سارية هذا العلم في مؤخرة الفتى المخبول. لا شك في هذا”.. كلمات من كتاب” مثل إيكاروس” لأحمد خالد توفيق

العراب، كاتب الشباب، وألقاب أخرى حملها الكاتب المصري ” أحمد خالد توفيق ” هذه الألقاب نبعت من جماهيريته الشديدة بين طبقة الشباب، وجرأته في الكتابة الأبية، فلم يكن ” العراب” منافق يومًا ما، بل كان يكتب بلا تزيف أو طمس لحقيقة لذلك استحق كل الألقاب التي منحها الجمهور لشخصه.

نشأته وأدبيته
ينتمي ” أحمد خالد توفيق ” إلى الطبقة المتوسطة، فقد ولد بمدينة طنطا التابعة محافظة الغربية في العاشر من يونيو/ حزيران عام 1962م، عاش في كنف أسرته بمدينة طنطا إلى أن تخرج في كلية الطب عام 1985م ، ثم حصل على الماجستير فالدكتوراه، التي كانت في ” طب المناطق الحارة”. كان ” توفيق” طبيبًا متميزًا كما كان أديبًا متميزًا، فكان عضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في الكلية التي تخرج فيها وهي طب طنطا.

أثرت الطبقة المتوسطة التي كان ينتمي إليها على كتابته، فكما نعلم أن الإنسان ابن بيئته، فاستطاع أن يعبر عن معاناة الطبقة الوسطى ومتمثله في الهرم الاجتماعي المصري فيقول :” الطبقة الوسطى التي تلعب في أي مجتمع دور قضبان الجرافيت في المفاعلات الذرية .. إنها تبطئ التفاعل و لولاها لانفجر المفاعل .. مجتمع بلا طبقة وسطى هو مجتمع قابل للانفجار”.

مارس ” أحمد خالد توفيق ” الطب جنبًا إلى جنب مع الكتابة الأدبية، لكنه عُرف كأديب أكثر وقد زاع صيته بين فئة الشباب بعد كتابة سلسلة ما وراء الطبيعة، تبك السلسلة التي حقت نجاحًا كبيرًا وقتها رُغم كون أدب الرعب لم يكن سائدًا حينها، لكن على أي حال استقبلها الجمهور بحفاوة كبيرة، وهو ما شجعه على استكمال مسيرته الأدبية ، ففي عام 1995م أصدر سلسلة فانتازيا ، ثم سلسلة سفاري عام 1996، و في عام 2006، سلسلة دبليو دبليو دبليو.

ألف ” أحمد خالد توفيق ” رواية يوتيوبيا ” عام 2008 تلك الرواية التي حكى فيها مستقبل المجتمع المصري من حيث سياسات الحكومة، وتعاقب الأنظمة، واختفاء الطبقة الوسطى وحال المواطن العادي الذي أصبح فقيرًا يأكل جلود الفراخ، وغيرها من مظاهر الحياة المتدنية التي وصل إليها لذلك استحق من أجلها لقب العراب كونه تنبأ بمستقبل يحدث بالفعل.

” سيتركون العاصمةَ القديمةَ لتحترق بأهلها وتندثر ظلمًا وفقرًا ومرضًا، وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة حتى لا تتأذَّى أعينُهم بكل ذلك الدمار”

كما ألف رواية ” السنجة” التي صُدرت عام 2012، ورواية مثل إيكاروس عام 2015. ثم رواية في ممر الفئران التي صُدرت عام 2016، والرواية الأخيرة كانت معالجة مستوحاه من قصته “أسطورة الظلام ” إذ استطاع استخدام تقنيات روائية جديدة في عمق العقدة وحبكتها والشخصيات. كما ألف قصاصات قابلة للحرق، وعقل بلا جسد، والآن نفتح الصندوق التي صُدرت على ثلاثة أجزاء.

” سوف تكتشف أن نسيجك الأخلاقي يتكون من عشرات بل مئات من المواقف التي أجتزتها مع والديك أو معلميك، وهذه المواقف تركت لك في كل مرة دينا يجب أن تفي به، كثيرا ما ننسى هذا الدين.. ولا تحسب الأمر سهلا” من كتاب شاي بالنعناع

كتباته الصحفية
اشتهر ” العراب ” بالكتابات الصحفية، كما اشتهر بالكتابات الأدبية، فقد انضم عام 2004 إلي مجلة الشباب التي تصدر عن مؤسسة الأهرام، كما كتب مقالات في عبر التحرير، وموقع إضاءات، وغيرهم من الصحف.

” إنهم قد سُلبوا كل شيء وظلوا صامتين، فماذا يحدثه موت واحد من فارق؟.. لا أظن الثورات تقوم لأسباب كهذه.. بل لا تقوم إلا لأسباب كهذه.. الصخرة تحملت الكثير من الضربات، لكنها تفتتت عند الضربة الخمسين.. لم تكن الضربة الخمسون هي ما فعل ذلك، لكن كل الضربات السابقة..”.

إقرأ أيضا

حيوانات تتصرف كالبشر

عمل ” العراب ” في نشاط في الترجمة، فنشر سلسلة رجفة الخوف، وهي روايات رعب مُترجمة، وكذلك ترجم رواية نادي القتال الشهيرة من تأليف تشاك بولانيك، وكذلك ترجمة رواية ديرمافوريا عام 2010، وترجمة رواية عداء الطائرة الورقية عام 2012، وترجمة تشي جيفارا: سيرة مصورة عام2018.

وفاته :
كتبات ” أحمد خالد توفيق ” كانت كما الرجفة في دماء من يقرأها، كونها تعبر عن دواخله وتمر في أوردته بلا أي عوائق، وهذا الشعور تفسيره الوحيد أن كل كل كلمة يكتبها الكاتب تأخذ من قلبه، لذلك لم يستمر معنا العراب طويلًا، فد رحل عنا في الثاني من إبريل عام 2018، إثر عملية كي للقلب لمعالجة الرجفان الذي كان يعاني منه، فبعد إجراء العملية بساعات قليلة توقف قلبه في مستشمى الدمرداش ومات .

اقرأ أيضا : رسائل أحمد خالد توفيق إلى ألترس أحمد خالد توفيق