الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة .. كيف يرى السياسيين في السودان لقاء البرهان والحلو وتوقيع إعلان المبادئ (الحلقة الأخيرة)
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة هي جلسات حوارية تخيلية بين أطراف الموضوع محل النقاش، حوار صحفي ليس الغرض منه التواصل بين المتحاورين قدر توفير فرصة للجمهور أن يرى رأي/رؤية كل طرف بشكل مجرد من أي مؤثرات إضافية، ولا يتم نشر كلمة أي من المشاركين إلا بعد الحصول على موافقته على الصياغة النهائية، فلا يمسسها تعديل بعد ذلك بأي شكل من الأشكال.
طريقة تعطل الأمور بعض الشئ، فيستحيل الإلحاق بالتريند.. لكنه أمر لا استهدفه أصلًا، فالبشرية تركض بسرعة أكبر من قدرتها على التوازن بكثير، ومن الواضح أن هذا الإيقاع لا يناسبنا، الحكم لا يحتاج أكثر من نظرة بسيطة على الأوضاع في العالم ككل وقارتنا بالأخص.
أحد الموضوعات الهامة التي تعيشها قارتنا الآن هو الوضع في السودان، فالساحة السياسة السودانية – شديدة الحساسية والتعقيد- تشهد في مرحلة ما بعد “الكيزان”، نظام الإنقاذ، الكثير من التحركات. ونحن عبر الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة نسعى لمعرفة كيف يرى السياسيين في السودان لقاء البرهان والحلو وتوقيع إعلان المبادئ، ولذلك حاورنا كل من:
أ. أسامة عبد الرحمن – مدير مركز أبحاث الحكم الراشد ورفع القدرات.
أ. أمال الزين – محامية حقوقية وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.
أ. عبد العزيز ابوعاقلة – إعلامي في الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيس تحرير صحيفة سودانفويس الإلكترونية.
محمود إبراهيم – رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “مكتب القاهرة” (الجبهة الثورية)
(صورة كل مصدر وتحتها أو جنبها التعريف به)
خلال الأيام القليلة السابقة تم نشر الحلقات الأولى والثانية والثالثة.. من سلسلة الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة وإليكم الآن الحلقة الرابعة والأخيرة من الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة :
العلمانية مصطلح سياسي بحت.. يعني إلزام الدولة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها مهما كان أنتمائهم العقائدي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الجندري أو العرقي.. إلخ، مع العمل على تحرير المجال العام من سطوة ثقافة الأغلبية، أمر سياسي اجتماعي لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالخيالات أو التفضيلات الجنسية لبعض رجال الدين.
ويمكن أن نعرفه بشكل مبسط عبر شرح الراحل د. جون قرنق.
معروف أيضًا أن العمل المسلح في منطقتنا حِكر على اليمين الديني، لكن السودان وحده شهد حركة كفاح مسلح تقاتل من أجل العلمانية.. ونجحت في فرض قبولها على النظام السياسي كشرط للتفاوض معها على إحلال السلام الداخلي.. فترى كيف سيكون تأثير ذلك على المحيط السوداني؟.
بوصفك مطلع/ة على سياسة المنطقة بشكل عام.. كيف ترى/ين تأثير مثل هذه الخطوة نحو العلمانية في الشرق الأوسط، خاصة وإنها تمت عن طريق تنظيم مسلح؟
في هذا الصدد قالت أ. أمال الزين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي:
لا شك أن طرح العلمانية والإصرار عليها كشرط للجلوس للتفاوض من قبل الحركة الشعبية جناح القائد عبد العزيز الحلو كان نتاج معرفة حقيقية بواقع البلاد متعددة الأعراق والديانات والثقافات وأيضًا كنتيجة طبيعية لتجربة بلادنا المريرة تحت حكم الإسلام السياسي والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وما نتج عنها من حروب وغبائن ومظالم وما أغترفته من فساد ونهب وما أججته من فتن.
وأعتقد جازمة أن بلادنا لن تعود بعد ثورة ديسمبر العظيمة للحكم الديني أو العسكري أبدًا، وأن هذه التجربة باستخلاصاتها المختلفة سيكون لها تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وعلى شعوبها وإنها فتحت ثقبًا في جدار الاستسلام والعزلة المضروبة حول هذه الشعوب كما كانت وستكون سببًا مباشرًا وقويًا لتكالب المحاور علينا.. لكننا سنمضى في هذا الطريق الذي دفع شعبنا كلفته دمًا عزيزًا وما زال.
يرى مدير مركز أبحاث الحكم الرشيد، أ. أسامة عبد الرحمن أن العلمانية متحققة بالفعل في المنطقة وأوضح ذلك قائلًا:
مسألة أن يكون النظام علماني أو غير علماني هي مسألة متعلقة بالنخب السياسية، سواء داخل السودان أو في منطقة الشرق الأوسط، وأعتقد أن كل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنظمة علمانية بما في ذلك النظام في المملكة العربية السعودية.
لكن هناك صراعات فكرية تحاول تصور العلمانية كمعادية للدين، فالعلمانية أو الدولة المدنية المقصود به أن تكون الدولة محايدة تجاه الأديان.. فالدولة ليس لها دين هي كيان اجتماعي سياسي أنشئه الإنسان/المواطنين من اجل تنظيم حياتهم بما يحقق المصالح للجميع، فلكل دينه ولكل عقائده والدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع.
أعتقد أن المسألة ليست جديدة لكن الذي يثير الغبار حولها هو الصراعات الفكرية بين التوجهات المختلفة وشحن الكلمة من أناس ليس أهل اختصاص ولكن وضعوها كضد للدين وهذا غير صحيح على الأطلاق.
فأرى مطالبة الحركة الشعبية بترسيخ النظام العلماني في السودان هو نتيجة لوعي نخبة داخل الحركة المسلحة، لكن حكومة الخرطوم ليس لها خلاف حول هذه النقطة ومرحبة بها تمامًا والأحزاب المشكلة للائتلاف الحاكم هي أحزاب علمانية في الأصل، فكلهم متفقين على الجوهر والمضمون لكن الحديث دائر حول الصياغة واستخدام المصطلح بما حُمِل من دلالات سلبية كما أسلفت.
ما أتفق معه نسبيًا أ. محمود إبراهيم، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “مكتب القاهرة” (الجبهة الثورية) قال:
أرى أن الشرق الأوسط ليس في معزل عن العلمانية، فقط المنطقة العربية تحديدًا قلب الجزيرة العربية هي المنطقة الوحيدة التي لم تشهد العلمانية، أما كل الدول الإسلامية الموجودة على الخارطة تحكم بالعلمانية.. أندونيسيا.. ماليزيا.. تركيا.. إلخ، فقط منطقة الخليج وبعض المنطقة القريبة منها لم ترفع شعار العلمانية.. ولكن منظومتها تشهد نظام علماني غير واضح، خاصة التحول الحادث في المملكة العربية السعودية من حكم إسلامي وتشريعات إسلامية صريحة إلى الانفتاح على العالم وعدم التركيز على القوانيين التي تقيد المواطن وتقيد الدولة في حد ذاتها في المعاملات الخاصة والعامة.
لذلك أرى أن تطبيق العلمانية الآن في المنطقة شئ مبشر.. فأعتقد لن يأتي أحد بعد ذلك ليفرض معتقده على المجتمع، فالحركات المسلحة تمتلك وعي متقدم “خاصة حركة الحلو” وبناء على ما اكتسبته من تاريخ الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بشكل عام لها تاريخ طويل من تبني الطرح العلماني، وهي أيضًا تضم كوادر مؤهلة ولا يشق لها غبار وأكتسبت خبرة وتجارب سارة في التفاوض ولديها خطة شاملة لحكم السودان في إطار علماني لدفع السودان إلى الأمام.
بناء عن إجابتك أسمح لي أن أسألك: هل كان نظام البشير أيضًا علماني أو علماني غير واضح حسب تعبيرك؟
(سؤال بقى بلا إجابة.. أكثر من أسبوع وأنا أتلقى الوعود بالإجابة بلا طائل)
أما أ. عبد العزيز أبو عقلة، عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، رفض بحسم الحديث عن أمور خارج الحدود رآى إنها قد تؤدي لمشاكل مع دول الجوار.. مفضلًا التركيز على الداخل السوداني:
“ما تشربكنا مع الشرق الأوسط.. خلينا في سودانا ده ذاته”، إحنا عندنا أشكالية في السودان تتمثل في تديين السياسة، الإخوان والسلفيين “أتخبوا” ورا الدين وفتحوا الباب لناس الدين يفتوا في السياسة، السودان كان حتى بداية الثمانينيات تحكمه قوانيين شبه علمانية حتى أعلن الجنرال جعفر النميري ما أسمها تطبيق الشريعة.. وهو ما شريعة إحنا سميناها “قوانيين سبتمبر”، في الواقع كان النميري في هذا الوقت يريد قمع الناس فتدثر بالدين وتحالف مع الإخوان المسلمين ومن لحظتها بدأت حالة السقوط الحر للدولة السودانية.
بالتالي ففصل الدين عن السياسة أمر شديد الأهمية لإنه معني بالأساس باحترام الهويات المتنوعة للمجتمع خاصة في بلد مثل السودان شديد التنوع الثقافي والديني والأثني، الناس يسموها علمانية يسموها أي شئ ما يهمنا.. لأن نحن نريد تحقيق تجربة سودانية نابعة من ثقافتنا السودانية وليس استنساخ لأي كتالوج جاهز من أوروبا أو أمريكا أو أيًا ما يكون.. فكل مجتمع أدرى بأوضاعه وبما يناسبه. بالتالي لا يهمنا المسميات إنما يهمنا أن تكون المواطنة حقيقية وكل مواطن يرى نفسه في الدولة.
إلى هنا انتهى الحوار مع الأعزاء المحترمين في سلسلة الـمـائـدة الـمـسـتـديـرة
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال