
الفتنة.. مقتل عثمان مش هو البداية

-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
جرت العادة تقديم “الفتنة الكبرى” كحقبة مُظلمة بدأت بحدث “مقتل عثمان”، بس رغم ما جرت عليه العادة فيه فريق من المتخصصين (مؤرخين – باحثين – كُتاب) أتكلم عن ضرورة البحث في فترة حكم عثمان بن عفان واسماء من ولاهم على البلاد والعباد بالإضافة لسلوك الولاة بشكل عام في عهده.
في السطور القادمة هنغوص أبعد شوية في البحث عن جذور الفتنة وهنتكلم عن تفاصيل أحداث أتفق -ضمنيا- المشايخ وصناع الدراما وأصحاب مناهج التاريخ الإسلامي في المدارس أن يمروا عليها مرور الكرام.
بيعة الصديق والتأسيس القبلي
أول سقطة في ضمان اصطفاف التركيبة الداخلية للإمبراطورية العربي/الإسلامية الصاعدة كان بعد وفاة النبي قبل دفنه؛ تحديدًا نتاج الحدث المعروف تاريخيا باسم “حديث السقيفة” واللي فيها تم تسمية أبو بكر الصديق كخليفة للنبي وأول قائد للمسلمين من بعده؛ وحصل في الجلسة دي واقعتين مُهمين ومؤسسين للحرب الداخلية المعروفة بالفتنة.
الأولى هي احتكار السلطة في قريش دون غيرها من العرب بما فيهم الأنصار اللي احتضنوا النبي والرسالة والكام مسلم المكي الهربانيين مع النبي من بطش قريش.
والتانية هي المبايعة بالإكراه؛ فحسب تاريخ الطبري “حوادث السنة الحادية عشر“: علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ماحضروش البيعة “فَبَايَعَ النَّاسُ وَاسْتَثْبَتُوا لِلْبَيْعَةِ، وَتَخَلَّفَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ“.. ولما عرفوا بيها رفضوا؛ لدرجة إن الزبير سحب سيفه وقال: “لا أَغْمِدُهُ حَتَّى يُبَايَعَ عَلِيٌّ“، فلما كلامهم وصل عمر بن الخطاب وأبو بكر قام عُمر راحلهم.. ولما وصل قال لهم: “لَتُبَايِعَانِ وَأَنْتُمَا طَائِعَانِ، أَوْ لَتُبَايِعَانِ وَأَنْتُمَا كَارِهَانِ!” فبايعوا أبو بكر، وتقول روايات إن بيعة علي تأخرت سِت أشهر؛ ولم يبايع إلا بعد وفاة زوجته فاطمة بنت النبي.

إغتيال الفاروق
رابع حلقات الجزء التالت (تحريم الرق) من سلسلة الثوابت الوهمية حكيت قصة اغتيال عمر بن الخطاب على أيد المُسترق الفارسي “فيروز” الشهير بـ”أبو لؤلؤة”؛ قصة نفهم منها مدى تأثير الاسترقاق على الإنسان.
ونفهم كمان نسبية العدالة مقارنة بالعدل كقيمة مطلقة؛ فالاسترقاق النهارده مُصنف كجريمة ضد الإنسانية.. لكن في زمن صدر الإسلام كان وضع اجتماعي مستقر وفيه أعراف وقوانيين بتنظمه “بعضها ديني”.
مفهومين لخصِتهُم الجُملة المنسوبة لقاتل الفاروق: “وَسِعَ كُلهُم عدلُه غيري“، فالقاتل كان يحلم بالعدل كقيمة مُطلقة بينما المقتول كان ملتزم بالعدالة كقواعد نسبية محدودة بحدود الزمان والمكان.

مقتل الهرمزان
بعد هجوم أبو لؤلؤة على الفاروق طعن نفسه بنفس ذات الخنجر المسموم ومات فورًا، في حين استمر عمر بن الخطاب يعاني كام يوم لحد ما هو كمان مات.
خلال الفترة دي سِمِع عُبيد الله بن عمر بن الخطاب إن كان فيه شخصين ساعدوا أو حرضوا القاتل على جريمته.. واحد اسمه “الهرمزان” والتاني اسمه “جُفينة”. فسحب سيفه وهجم على بيت أبو لؤلؤة وقتل بنته الصغيرة، يقال إنها كانت مسلمة، ثم قتل “الهرمزان” وكان قائد من الفرس تم اسره ودخل الإسلام على أيد عُمر، بعدها قتل “جُفينة”.
عمر بن الخطاب لما عرف باللي حصل (وهو على فراش الموت) أمر بسجن ابنه لغاية ما يتم اختيار الخليفة اللي بعده.. وهو يبقى يحاكمه بمعرفته.
وفعلا بعد تولي عثمان السلطة كانت قضية عبيد الله أول حاجة ينظر فيها، وبعد الاستشارات والآراء المختلفة بين قتله لإنه قتل رجل مسلم بغير حق وبين الرأفة بيه لإنه ابن أمير المؤمنين اللي لسه ميت أمبارح، وصل عثمان لحل وسط.. الإقرار بذنب عبيد الله وإنه قاتل بس بدل القصاص منه يدفع الدية.
ولإن “الهرمزان” مالوش أهل في المدينة فكان عثمان -بوصفه ولي أمر المسلمين- هو ولي دم المجني عليه.. فقِبِل بالدية بدل القصاص، وبوصفه صاحب أبو القاتل.. تطوع بدفع الدية من ماله الخاص، ثم ولإن الضحية مالهوش أهل.. فالمسلمين أهله؛ بالتالي الدية دخلت بيت مال المسلمين.. وأتلمت الليلة على كده.
فيه ناس شافوا إن الحكم أسبابه سياسية وناس تانية شافوا إنها أسباب قبلية وناس تالتة شافوها أسباب قومية، وأيًا كان تأويل كل فريق.. بس ماحدش فيهم اختلف على عدم تطبيق العدالة بحذافيرها، فكانت دي تاني خطوة في طريق “الفتنة”؛ لإنها كانت سابقة في عدم تطبيق القانون أو التلاعب بقواعده حسب مقتضيات الأمر؛ باختصار الواقعة دي ضربت مفك في قاعدة إن “المسلمين سواسية”.. وبهذا المفك بدء حُكم عثمان بن عفان.

أزمة الولاة
بعد كده ولما حافظ على الولاة الأمويين اللي عينهم عُمر (زي معاوية في الشام) وعين جُداد في أماكن تانية (زي عبد الله بن أبي السرح في مصر)، بدء يزيد الفارق الطبقي بين الأمويين وباقي العرب.. كنتيجة مش بس للسلطة في ذاتها وإنما لقاعدة “الخُمس” اللي بمقتضاها بيكون للوالي الحق في خُمس خُمس غنيمة الحرب يتصرف فيها كما يشاء.
في عهد النبوة كان خُمس الخُمس ده بيروح للنبي.. بالتالي كان الأمر مقبول بين المسلمين، لكن بعد وفاة النبي وحصول الولاة على النسبة دي الأمر اختلف، النبي كان الجميع متفق على الثقة فيه من ناحية وإنه في منزلة أعلى منهم من ناحية تانية.. لكن الولاة أي كان اسماءهم مستحيل يصلوا لنفس الدرجة من الإجماع عليهم.
بالتالي بدء بعض العرب اللي استوطنوا خارج موطنهم الأصلي -في شبه الجزيرة- يتضايقوا.

الخطاب السري ودم عثمان
زي ما ممكن نشوف أو نقرا -في أي مصدر من المصادر المبسطة للتاريخ- فالخليفة عثمان بن عفان وافق على مطالب المحتجين وأصدر أوامر بعزل الولاة اللي مش عاجبينهم وتولية أخرين عاجبينهم؛ نموذجًا عزل ابن أبي السرح من مصر وتولية محمد ابن أبي بكر مكانه، والناس انبسطت ومشيوا على مكان ما جُم.
في الطريق قفشوا مرسال من طرف الخليفة راكب جمل من جمال الخليفة ومعاه رسالة موجهة لعبد الله أبي السرح ومخنومة بخاتم الخليفة؛ بيصدر فيها أوامر له بإنه لما الناس دي توصل عنده ماينفذش الكلام اللي معاهم ويقبض على قياداتهم ويقتل منهم مجموعة.
الناس دي رجعت تاني ع المدينة وواجهوا الخليفة باللي حصل وهو أنكر إنه يعرف أي حاجة عن الجواب ده، وهنا المحتجين صعدوا وطالبوه بخلع نفسه لإنه مش مسيطر على ديوان الحكم، والمرة دي انتهى الأمر بكارثة قتل عثمان.
الحلقة أتناشر من مسلسل معاوية قدمت الحكاية دي، وقدمت كمان اجتماع معاوية بكبار بني أمية؛ المُلفت في المسلسل إنهم أظهروا إن إبن عثمان نفسه كان رافض لفكرة الثأر منعًا للفتنة.. ولما قام عشان يتكلم في الاجتماع أسكته مروان بن الحكم وقاد رأي المجموعة إلى توكيل معاوية بمهمة المطالبة بدم عثمان.
وللمفارقة فإن مروان بن الحكم في عهد عثمان كانت شغلته كتابة رسايل وأوامر الخليفة للولاة، وهو نفسه اللي كان بيبعت أخبار المدينة لمعاوية، فهل يقصد صناع المسلسل إنه هو صاحب الرسالة السرية اللي تسببت في رجوع المحتجين للمدينة؟
في الختام، بعيدًا عن سؤال من كتب الرسالة؟ أو حتى سؤال من قتل عثمان؟ لإن السؤالين تاريخيا مافيش إجابة قاطعة عليهم، فخلينا نطرح على السؤال الأهم.. بعد كل ما جرى في أحداث الفتنة من محاربة معاوية للخليفة الراشد علي بن أبي طالب تحت شعار “المطالبة بدم عثمان”؛ هل اقتص معاوية -بعد توليه الخلافة- من قتلة عثمان؟
سؤال يجيب عليه الشيخ عثمان الخميس باقتضاب في الفيديو التالي
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ما هو انطباعك؟







