من وحي الحوار الوطني 03) الخلافة وشرعنة الحكم القبلي

الحوار عن الهوية من أكتر الحوارات الكاشفة للمرجعية الفكرية لأي إنسان، إن لم يكن أكترها، كاشف كمان لمنطلقات كل مرجعية فكرية.. وللتقاطعات بين المرجعيات المختلفة، بالتالي نقدر عن طريق متابعته نكتشف مدى التباعد أو التقارب بين المرجعيات الفكرية المتنوعة.

أهلًا بيكم في الحلقة التالتة من سلسلة من وحي الحوار الوطني، في الحلقة الأولانية استعرضنا فكرة السلسلة وأسباب كتابتها، ثم دخلنا فرصد تماهي التيارين العروبي والإسلامي، وانفقنا على رصد ده عن طريق الإجابة عن سؤالين، سؤالين يقدروا يوضحوا العلاقة بين العروبة والإسلام:

• هل “العروبة” كقومية يمكن أن تقوم لها قائمة في معزل عن الإسلام؟
• هل “الإسلام” أسس لدولة عالمية أم لفاشية عروبية… مقدسة؟

السؤال الأولاني جاوبنا عليه في الحلقة التانية، والحلقة دي هندور سوا على إجابة السؤال التاني.

الشرعية القرشية

الصبغة العروبية “للدولة الإسلامية” أصيلة، بحكم مرجعيته المتمثلة في “دولة الخلافة”.. المتفق فقهيًا على إنفراد العرب -تحديدًا القرشيين- بحق الولاية فيها (الولاية بمعنى تولي السلطة).

وده كلام مدعوم بأحاديث وأفعال منسوبة للنبي نفسه، صحة الروايات التراثية دي من عدمه مايهمنيش.. إنما يهمني إن القاعدة دي المسلمين أمنوا بيها وطبقوها عبر تاريخ دولتهم، عشان كده دول كبرى زي المماليك والسلاجقة والأيوبيين وغيرهم كتير، كلهم كانوا بيحكموا من الباطن، بمعنى إنهم مستقلين فعليًا عن دولة الخلافة وبيعملوا كل حاجة بنفسهم وبمزاجهم.. بس يفضلوا “رسميًا” بيحكموا باسم الخليفة العباسي أو حتى الفاطمي، المهم إنه مُنَسَب لقريش.

حاجة كده زي كتير من دول العالم التالت فيها دساتير وانتخابات ومؤسسات بس كلها صورية والعالم كله عارف، بس العقد الاجتماعي هو قاعدة المجتمع الدولي النهارده.. وقتها كان الأصل القُرشي هو مصدر الشرعية.

لدرجة إن بعد اجتياح التتار/المغول لبغداد، معقل الخلافة العباسية، وإسقاطها فعليًا؛ المماليك في مصر.. ورغم كونهم الحكام الفعليين لمنطقة نفوذهم وأول جيش يهزم التتار/المغول، إلا إنهم بعد قتل الخليفة العباسي، أبو أحمد عبدالله المُستعصم بِالله، بأيد التتار/المغول، وسقوط دولة الخلافة فعليًا، ماستغلوش الموقف وأعلنوا قيام دولة جديدة تخصهم.

نَايْبِّة إعادة الإحياء

المماليك، زي ما واضح من الأسم، مُستَرَقين، ويبدو إنهم ماقدروش سياسيًا أو مجتمعيًا أو نفسيًا.. يتجاوزوا النقطة دي، بالتالي احتاجوا يجيبوا شخص يقولوا عليه إنه “الوريث الشرعي” للخلافة.. عشان يلعب دور البرفان لدولتهم.

هنا تتجلى أهمية دور الأسطورة أو السردية الدينية، فالمماليك قدروا ينتصروا ع التتار/المغول.. بس ماقدروش يتجاوزوا قاعدة “الحكم في قريش”. خصوصًا إنهم حشدوا لحربهم باسم الإسلام والجهاد، فعشان يظبطوا “المشهد الإسلامي” احتاجوا لحاكم عربي.. قرشي.

بحر الأحاديث واسع

قاعدة مانكسرتش غير على أيد العثمانيين، التُرك، خصوصًا بعد احتلالهم مصر وقتل حاكمها الفعلي طومان باي والقضاء على أخر برفان عباسي، وهنا ظهرت أزمة الشرعية، أتحلت برضك عن طريق الأحاديث المنسوبة للنبي.

طب دي كانت النهاية، أزاي كانت بداية تأسيس القاعدة دي؟.. تعالوا نشوف.

ملحوظة هامة:

العرب أهتموا بالتدوين متأخر شويتين، ودى خلا الأحداث من البعثة المحمدية وحتى خروج دولة العرب/الإسلام بره حدود شبه الجزيرة.. يمكن أعتبارها حصلت “ما قبل التاريخ” المكتوب بالعربية.

وكل كتب السيرة والأحاديث تم تجميعها وكتابتها بأثر رجعي، وده أحد أهم أسباب تعدد الروايات في غالبية الأحداث، ونادرًا ما نلاقي إتفاق تام حول أي رواية أو حدث، عشان كده هعتمد على التقريب بين مختلف الروايات الواردة في كتب التراث المعتمدة عند أهل السنة والجماعة.

في البدء كانت السقيفة

تم اعتماد اختيار الخليفة على أساس قبلي بشكل رئيسي وعلني منذ بداية تأسيس دولة الخلافة، ذلك حسبما يصلنا من التاريخ الإسلامي فيما يعرف بواقعة السقيفة.

في صيف 632م مات النبي محمد، وفي بيت عائشة دارت عملية تجهيز الجسد الشريف للدفن، حيث وقف ابن عمه علي بن أبي طالب يُغَّسِلُه، وأسامة بن زيد وشقران -مولى النبي- كانوا بيصبوا المية، والعباس بن عبد المطلب “عم النبي” وولداه قُثَم والفضل يُقَلّْبُون الجسد.

على صعيد متصل كانت مجموعة من الأنصار بقيادة سعد بن عبادة وبشير بن سعد والحباب بن المنذر مجتمعين في سقيفة بني ساعدة بيطرحوا سؤال سياسي مهم: مين هيحكم بعد محمد بن عبد الله؟

عمر بن الخطاب عرف بأمر الاجتماع فبسرعة راح جاب أبو بكر الصديق وأبو عبيدة بن الجراح وطلع بيهم ع الاجتماع، اللي نفهم من مختلف الروايات إنه كان بيدور بدون علم القرشيين مهاجرين.

وفد المهاجرين لحق وصل والأنصار على وشك الأتفاق على مبايعة سعد بن عبادة، كبير الخزرج، خليفة للنبي في قيادة المسلمين، إلا أن وصول القرشيين غير الموازين إلى الأبد.

إقرأ أيضا

حتّى البسّة .. مأساة الحيوانات في حرب غزة

تقريش العرش

يُنسب لأبو بكر إنه خلال اجتماع السقيفة قال للأنصار: قد علمتم أن رسول الله قال: “لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَ الأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ.” وما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، وإنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا. لَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا.

وإنه كمان فكر الحضور بقول النبي: “قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُ النَّاسِ تَبَعٌ لَفَاجِرِهِمْ”.

وبالفعل تمت مبايعة الصديق كأول خليفة للنبي، وتم التأسيس لقاعدة “الحكم في قريش”.

زي ما وضحت قبل كده، أنا ماقدرش أجزم هل الأحاديث دي صحيحة ولا لأ.. ولا أصلًا الرواية دي كلها سليمة ولا لأ، بس هو ده المكتوب في أمهات الكتب المعتمدة عند أهل السُنة والجماعة، أمثال البخاري وابن هشام.

بناء على كل ما سبق نخلص إن السردية الإسلامية حصرت السلطة في قريش، والطريق الوحيد قصاد أي مسلم غير قرشي إنه يحكم هو العنف، فيبقى مُتَغَلِب. بالتالي من يرى الإسلام دين ودولة.. هو يرى بشكل تلقائي الدولة دي عروبية بل وقبلية.

خاتمة

وإنا لنأخذ من هذه العلاقة الخاصة ما يوفر لنا الحق في أن نقول أن “الأمة العربية”، دون الأمم جميعًا، هي “أمة الإسلام”. لا نعني بهذا التعبير أن الإسلام دين الأمة العربية خاصة، بل نعني أن الأمة العربية هي الأمة التي أوجدها الإسلام ولم تكن موجودة قبله، وإنها تتميز بذلك عن بقية الأمم وإن كانت أممًا مسلمة.

عصمت سيف الدولة – عن العروبة والإسلام