اللواء أحمد رجائي عطية .. عفريتة وأخبار صحفية في طفولته جعلوه ضابطًا أذل إسرائيل
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قَدَّر الإله ممات اللواء أحمد رجائي عطية يوم 5 مارس سنة 2021 م بعدما شهد فصول الصراع العربي الإسرائيلي عسكريًا وكان عنصرًا فاعلاً ومؤسسًا ومؤثرًا في كل سنوات الحرب وعصور السِلْم.
الشيبة .. قصة العفريتة التي جعلته بطلاً
بمركز أبو كبير في محافظة الشرقية ولد أحمد رجائي عطية عام 1938 م لأسرة متدينة وعسكرية ومتعلمة، فأبيه من خريجي الفرير وفجده لوالدته كان أميرلايًا (عميدًا) في نظارة الحربية وتولى إدارة معسكرات اعتقالات الأجانب، وأجداده كانوا ضمن كتيبة الفدائيين ضد الاحتلال البريطاني لمصر.
تلقى اللواء أحمد رجائي عطية تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في القاهرة وتحديدًا بين بولاق والناصرية والعباسية ومصر الجديدة وكان محل إقامته صغيرًا في بولاق، وكان يذهب لمسقط رأسه (أبو كبير) في الأجازات، وهذا التنوع الجغرافي أثر على شخصيته كما يقول في مذكراته «قامت والدتي (بحكم أن أبيها مدير معسكرات اعتقال الأجانب) بدور كبير في المساعدة للحصول على تصاريح لزيارة أقارب المعتقلين داخل هذه المعسكرات مما جعل علاقة حميمة بيننا وبين الإيطاليين واليونانيين، وفي الحقيقة أن هذا التنوع الثقافي في القاهرة جعل ارتباطي شديدًا بأحياء القاهرة الشعبية والتاريخية، ومنحني حبًا متزايدًا للتجول عبر شوارعها وحواريها، وإلى جانب حبي الشديد لشارع فؤاد وشارع الأزهر، ورغم صغر سني في تلك الفترة من 8 إلى 10 سنوات إلا إنني أحببت اكتشاف الكثير من الأحياء المصرية ومعرفة هذه الأماكن التي لم أكن أعلم عنها شيء سوى أسمائها، إنني أدين لهذه الثقافات المتعددة بين عبق الأحياء القديمة للقاهرة وفكر الأجانب المقيمين بجانبنا وأصالة الريف وطبيعتها البكر في تشكيل وجداني وثقافتي».
أول مواجهة بطولية خاضها الطفل أحمد كانت مع الشيبة وهو اسم عفريتة اشْتُهِرت بها قريته وأخافت الصغار والكبار، حيث سرت شائعة أنها تظهر ليلاً وتخطف الناس وتقتلهم، فقرر أن يذهب لآخر الترعة التي يشاع أنها تظهر بها ليواجهها وهو متيقن أنه لن يجدها، فربى هذا بداخله روح المواجهة.
اقرأ أيضًا
تجهيزات فيلم الرسالة “الجيش المصري يحل مشكلة تمثيل الكومبارس”
وقعت فلسطين في الاحتلال الصهيوني وكان عمر أحمد رجائي 10 سنوات، وعرف الأخبار دون أن يفهمها جيدًا، ووقتها كان يقيم في الزيتون ويكمل تعليمه الثانوي في مصر الجديدة ولم يكن بعد قرر أي كلية سيدخل فيها بعد إتمام دراسته الثانوية.
الأخبار الصحفية الذي غيرت مجرى حياته
مع مطلع الخمسينيات قرر أحمد رجائي عطية أن يدخل كلية الهندسة بعد أن يُتِّم مرحلته الثانوية وظل على قناعته حتى جاءت أجواء يناير سنة 1952 م، كانت والدة أحمد رجائي عطية مطالعة جيدة للجرائد، وفي أيام 14 و 15 و 16 يناير عام 1952 تابعت عن كثب أخبار المعارك التي يقوم بها الفدائيين الشباب ضد الإنجليز في التل الكبير.
استرعاها خبر استشهاد أحمد المنيسي وعمر شاهين اللذين من بلدها في الشرقية، وحزنت عليهم وفرحت لهم وقالت «يا سلام يا ولاد .. فعلاً هم دول الشباب صحيح اللي يطلع علشان يستشهد من أجل بلده ويدافع عنها»؛ سأل أحمد رجائي عطية عن المنيسي وشاهين فعرف أنهما من طلاب الجامعة اللذين ذهبا مع الفدائيين لمقاومة الاحتلال وأعجب بقصتهما جدًا.
انبهر أحمد رجائي أيضًا بقصة البطل الطيار المصري أحمد عصمت الذي قرر أن يقتل البريجادير ستيل قائد مذبحة التل الكبير فأصابه إصابات خطيرة وقتل حارسه الخاص قبل أن ينال الشهادة.
تابع من والدته أيضًا وقائع تشييع جنازة أحمد عصمت التي كانت مهيبة، وعرف من يومها معنى الدفاع عن الوطن حيث قال «إن هذا اليوم غير حياتي»، وقرر أحمد رجائي أن يلتحق كمتطوع في وزارة الحربية ورغم رفضه لصغر سنه لكنه أصر وتم قبوله كمتطوع.
مع العام الدراسي 1955/ 1956 كان أحمد رجائي في آخر سنة بالمرحلة الثانوية في قسم رياضة وكان يخطط لدخول كلية الهندسة بسبب عشقه للرياضيات أولاً ولحبه لخاله المهندس ثانيًا، وسألته والدته «هتدخل كلية إيه ؟» فأجابها “الهندسة زي خالي” فقالت «أومال مين اللي هيطلع اليهود من فلسطين»، فغير ما كان يخطط له والتحق بالكلية الحربية.
سنوات المجد الحالم
كانت الدفعة التي التحقت بها أحمد رجائي عطية هي الدفعة رقم 38 وأكمل بها عام ونصف وتخرج منها سنة 1958 وتم توزيعه على سلاح المدفعية ثم التحق بالفرقة رقم 13 داخـل مدرسة الصاعقة وكان معه 84 ضابط والباقي 20 صف ضابط، والفرقة كانت 3 شهور.
خدم أحمد رجائي عامين ونصف في الصاعقة ثم سافر إلى الجزائر ووضع نواة الصاعقة الجزائرية مع 4 ضباط و 9 صف ضباط وقال عن هذه التجربة «لقد أعطتني هذه البعثة ثقة كبيرة في نفسي حيث كنت لم أتجاوز الرابعة والعشرين، وقد قضيت بعثة تعليمية لأصعب أنواع التدريب وهي فرق وتشكيلات الصاعقة أعتقد أنني قمت بها مع زملائى على أكمل وجه، فإننا لم نخرج من القاهرة ومعنا أي وثائق للتدريب أو على استعداد لذلك، ومع هذا أكملناها على أكمل وجه، لقد أضافت هذه البعثة لي الكثير، وخاصة بعد خروجي للحياة المدنية واختياري للحياة التعليمية وإنشاء المدارس، وذلك بعد حوالي خمسة عشر عامًا من هذه الأحداث».
بعد عودته من الجزائر وبالتحديد وفي أغسطس عام 1965 سافر إلى اليمن كقائد سرية فى كتيبـة الصاعقـة الموجـودة فى منطقـة صعدا وكان قائد الكتيبـة الرائد جمال فهمي وقائـد المنطقة اللواء نبيه السرسي، وأبلى في تلك المرحلة جهدًا كبيرًا.
سنوات المآسي والبطولات
وقعت نكسة يونيو 1967 م وبدأ كل شيء في مصر يتغير وبالطبع كان أحمد رجائي عطية يتغير، لم ينجرف في خلافات الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر وصراع الأخير، ولم يشغل باله إلا بالتخلص من دنس العار.
كانت أولى المهام التي أوكلت للواء أحمد رجائي عطية عملية استطلاع منطقة رأس نصراني في أغسطس عام 1968 م ومهدت هذه العملية له أن يكون ضلعًا أساسيًا في مجموعة الشهيد إبراهيم الرفاعي، ووصف أحمد رجائي عطية مشاعره في سنوات حرب الاستنزاف بقوله «كانت معظم هذه المعارك بشكل رسمي ما بين 1969 إلى منتصف عام 1970 حيث تم إيقاف النيران بناء على طلب إسرائيل والتي وصلت في بعض الأشهر بعشرات المعـارك، حقيقة واحدة كنت أعيشها، وهي أني كنت أتمنى الشهادة في سبيل الله والوطن».
نفذ اللواء أحمد رجائي مع مجموعة إبراهيم الرفاعي 42 عملية من أصل 72 عملية أبرزها عملية لسان التمساح الأولى يوم 19 إبريل سنة 1969 م وعملية لسان التمساح الثانية يوم 7 يوليو 1969 م، وعملة جبل مريم، عملية الكرنتينه، عملية شرق البحيرات المرة، كما كان أحد مؤسسي منظمة سيناء العربية.
سنوات السادات .. أخلاقيات وبطولات اللواء رجائي
مات عبدالناصر قبل أن يرى تحرير سيناء وتولى محمد أنور السادات دفة الأمور التي كانت تتغير هي الأخرى على مستوى الجيش المصري، فقد عزل الأب الروحي لإعادة بناء القوات المسلحة الفريق محمد فوزي في 15 مايو 1971 واختلف مع الفريق صادق فعزله وتولى بدلاً منه المشير أحمد إسماعيل.
مفتتح السبعينيات على اللواء رجائي بدأت في مكتب مكتب مخابرات الغردقة حيث عمل فيه عام 1971 م ونفذ 24 عملية خلف خطوط العدو كما صدرت أوامر مباشرة بأن يتولى قيادة كافة العمليات الخاصة المقرر تنفيذها في جنوب سيناء ونجح فيها؛ كانت سنوات السادات زاهية على العسكرية المصرية بفضل حرب أكتوبر 1973 م.
فضلاً عن أنه هو أول من عبر هضبة الجلف الكبير المعروفة باسم بحر الرمال الأعظم الواقع على الحدود المصرية الليبية السودانية وسُجِّل طريق عبوره باسم طريق رجائي.
دخلت العنترية الساداتية في الأمر مع منتصف السبعينيات وكادت السياسة أن تلوث أحمد رجائي عطية حينما اختاره السادات بأن يتولى عملية ضرب ليبيا أثناء خلافه مع القذافي، وهو الأمر الذي لم يستجب له رجائي وكان رصيده يسمح بذلك، وللحيلولة دون إبداء شكل من أشكال التمرد قام اللواء رجائي بعمل ما يشبه استعراض عسكري فوق ليبيا دون أن يضرب المدنيين أو حتى العسكريين، وهو الشيء الذي قبله السادات وأراح رجائي الذي قال «أحمد الله أني لم أتسبب في ضرب ليبي».
عملية لارنكا والطريق إلى تشكيل الفرقة 777
مثلت عملية مطار لارنكا في 18 فبراير 1978 م فضيحة سياسية للسادات كادت أن تطيح بسمعة الجيش المصري وقوات الصاعقة التي كانت قبل 5 سنوات أذلت إسرائيل.
أراد السادات أن يفرد عضلاته بالثأر للوزير يوسف السباعي الذي اغتالته جماعة أبو نضال في قبرص واحتجزت الرهائن، فأرسل السادات 61 مقاتلاً من الصاعقة إلى قبرص لتنفيذ عملية عسكرية، وحطت الطائرة التي قالت أن بها وفدًا رئاسيًا جاء لتناول الأمر وكانت الحقيقة أن الطائرة تضم مقاتلين.
كذبت الأهرام فقالت أن قوات الصاعقة المصرية اقتحمت الطائرة في قبرص وأنقذت الرهائن واعتقلت الإرهابيين في عملية اقتحام ناجحة استمرت 45 دقيقة.
وكذبت الأهرام مرة أخرى فكتبت أن أفراد الصاعقة عادوا بكامل أسلحتهم مع الرهائين بينما كانت الحقيقة غير هذا، نزل أفراد الصاعقة دون تنسيق من السلطات القبرصية لتحرير طائرة الرهائن في مطار لارنكا وقوبل الصاعقة بإطلاق نار من الجانب القبرصي التي ظنت أنها احتلال، وأسفرت العملية عن مقتل 15 عضو من الصاعقة وإصابة 15 وتدمير طائرتهم.
شُيِّعَت الجثامين وأعلن السادات اعتكافه بسبب نزلة برد، وبعد أشهر ونتيجة لتلك الكارثة تشكلت فرقة الـ 777 لمكافحة الإرهاب في إبريل 1978 م وأدرك السادات ضرورة أن لا يتدخل بعنتريته فيها، فكلف اللواء أحمد رجائي عطية بالإشراف الكامل عليها، وصارت الـ 777 إحدى أقوى عناصر القوات المسلحة المصرية.
الناصية الثامنة ورحلة الحياة المدنية مع التعليم والأدب والرحيل الهادئ
جاء ديسمبر 1980 ليعلن خروج اللواء أحمد رجائي عطية من الحياة العسكرية بعد أن خدم فيها 24 عامًا نال فيها أوسمة من الرئيسين جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات ودخل الحياة المدنية فأنشأ معهدًا مصريًا للغات وكان أول من استعان بأشرطة فيديو تعليمية وطور صناعة معامل اللغات لتكون سمعي وبصري، كما أدخل تدريس الشهادة البريطانية GCE في التعليم وأسس مدرسة متكاملة للغات، ثم أنشأ المدرسة الفرنسية سنة 1999 وأسس قسم التنمية الفكرية وصعوبات التعليم في نفس ذات العام.
يصف اللواء أحمد رجائي تلك المرحلة بقوله «حياتي المدنية الناصية الثامنة في عمري، فما سبق أن قمت به من رسالة في سبيل الله والوطن كان هو الذخيرة التي لي عند الله، بقدر اعتزازي بالحياة العسكرية والتي أمضيتها كما تخيلتها تمامًا كمقاتل يدافع عن وطنه، فإني أعتز بحياتي المدنية».
اقرأ من هنا
الأعمال الأدبية والشعرية للواء أحمد رجائي عطية
وخلال الفترة من سنة 1998 وحتى رحيله كان للواء رجائي إسهامات أدبية رباعيات شعرية وزجيلة فضلاً عن خواطر بعنوان إنسانيات إلى جانب ديوان شعري، مع رواية اسمها السرجة، كما ساهم في عدد من اللقاءات التلفزيونية في التحليل السياسي والأمني خلال الفترة من 2011 وحتى رحيله يوم 5 مارس سنة 2021 م
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال