المائدة المستديرة (1) كيف يرى السياسيون في السودان لقاء البرهان والحلو وتوقيع إعلان المبادئ (الحلقة الثانية)
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
المائدة المستديرة هي محاولة لخلق جلسات حوارية تخيلية بين أطراف كل موضوع مسار للنقاش، حوار ليس الغرض منه بالأساس التواصل بين المتحاورين قدر ما تسعى لأن تجعل جمهور الحضور يرى رأي/رؤية كل طرف بشكل مجرد من أي مؤثرات إضافية، ولا يتم نشر كلمة أي من المشاركين إلا بعد الحصول على موافقته على الصياغة النهائية، فلا يمسسها تعديل بعد ذلك بأي شكل من الأشكال.
لا شك أن هذه الطريقة تعطل الأمور بعض الشئ، فيستحيل الإلحاق بالتريند.. لكنه أمر لا استهدفه أصلًا، فأنا مؤمن أن البشرية صارت تركض بسرعة أكبر من قدرتها على التوازن بكثير، فمن الواضح أن هذا الإيقاع لا يناسبنا، الحكم لا يحتاج أكثر من نظرة بسيطة على الأوضاع في العالم ككل وقارتنا بالأخص.
أحد الموضوعات الهامة التي تعيشها قارتنا الآن هو الوضع في السودان، فالساحة السياسة السودانية -شديدة الحساسية والتعقيد- تشهد الكثير من التحركات خلال مرحلة ما بعد “الكيزان”، نظام الإنقاذ. ونحن عبر المائدة المستديرة نسعى لمعرفة كيف يرى السياسيين في السودان لقاء البرهان والحلو وتوقيع إعلان المبادئ، ولذلك حاورنا كل من:
أ. أسامة عبد الرحمن – مدير مركز أبحاث الحكم الراشد ورفع القدرات.
أ. أمال الزين – محامية حقوقية وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.
أ. عبد العزيز ابوعاقلة – إعلامي في الحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيس تحرير صحيفة سودانفويس الإلكترونية.
محمود إبراهيم – رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “مكتب القاهرة” (الجبهة الثورية)
الحلقة الأولى من الحوار نُشِرَت منذ أيام.. وإليكم الآن الحلقة الثانية:
هذه ليست أول مرة يوقع فيها أتفاق مبادئ بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، ففي سبتمبر من العام الماضي ألتقى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك برئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.. ووقعا هناك إعلان مبادئ ينص على إلتزام الخرطوم بمبدء فصل الدين عن الدولة أو إعطاء (المناطق المحررة) حق تقرير المصير. لكن سرعان ما تراجعت الخرطوم عن اتفاقها من خلال تصريحات الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة، الذي وصف الإتفاق المبدئي بأنه: عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
إذا لا جديد الآن إلا أن ممثل الدولة في الأتفاق هو الفريق عبد الفتاح البرهان، فهل يشكل هذا فارق كبير؟ وما هو هذا الفارق أصلًا؟.. بحثًا عن الإجابة وجهت لضيوفي سؤال واحد حاولت أن يكون واضح ومباشر:
ما دلالة أن يكون التوقيع من طرف البرهان وليس حمدوك؟
عبد العزيز أبو عقلة عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال أعاد الأمر لوجود صراع داخلي في السلطة.. حل حد وصفه:
لمن لا يعلم حدث أن وقع القائد عبد العزيز الحلو إعلان مبادئ مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك منذ فترة، لكن خرج علينا الجنرال شمس الدين الكباشي وقال أن ليس من حق رئيس الوزراء توقيع مثل هذا الإتفاق، ما يعكس صراعات داخلية بين المكون العسكري والمكون المدني داخل المجلس السيادي نحن لا علاقة لنا بها.
أيضًا تطرق مدير مركز أبحاث الحكم الرشيد، أ. أسامة عبد الرحمن للتقسيم النوعي داخل السلطة السودانية، لكنه لم يرى في الأمر “صراع”:
من المعروف أن حكومة الفترة الأنتقالية يقودها جناحان، الجانب المدني بقيادة حمدوك والجانب العسكري بقيادة البرهان. الخطوة الأولى التي تمت في أديس أبابا بتوقيع أتفاق مبادئ بين حمدوك والحلو ربما أثارت حفيظة المسؤولين عن ملف السلام (المشرفين على مفاوضات جوبا) وأعتبروا هذا الأمر كأنه فيه تجاوز للمشرفين على مفاوضات جوبا تحديدًا. لذلك كانت المعالجة بنقاش نفس المسألة مع البرهان حتى يكون هناك أتفاق بكامل أجنحة الحكومة على المضي قدمًا في هذا الاتفاق.
وأنا تفحصت المذكرتين ولم أجد أي خلاف في مضمونهما، ففي رأيي أن هذه مسائل شكلية لا تستحق التوقف عندها كثيرًا. إنما نمضي قدمًا في مسألة المفاوضات والوصول لسلام نهائي.
أ. محمود إبراهيم، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “مكتب القاهرة” (الجبهة الثورية) اختلف مع مسألة عدم وجود خلاف بين المذكرتين حين قال:
التوقيع الذي تم أولًا منح الحركة مكاسب تتجاوز السقف الذي يراه المكون العسكري، لكن نحن نتفهم أن تكتيك التفاوض عادة ما يحدث فيه تعلية للمطالب قبل البداية كي تكون الحلول الوسطى لا تبتعد كثيرًا عن المأمول.
توقيع البرهان له دلالة هامة ومزدوجة فالرفيقين عبد العزيز لحلو وعبد الواحد محمد نور سبق وأعلنا رفضهما الاعتراف بالمكون العسكري وبالتالي التعامل معه، لذا يعد هذا التوقيع اعتراف من الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو بالمكون العسكري كشريك في السلطة وركن أساسي في عملية السلام والمرحلة الانتقالية ككل، وهو أمر مهم -بالنسبة لهم- قبل بداية المفاوضات.
أماأمال الزين، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، فذهبت إلى حيث لم يذهب غيرها من المتحدثين:
ليس خاف على أحد دور الرجل في الحرب ومسئوليته عن بعض جرائمها لذا فهو وغيره من جنرالات السلطة يحاولون الآن التطهر مما حدث في العهد البائد.. خصوصًا وقد أدخلوا في وثيقة الانتقال نصوصًا تستثنيهم من حظر الترشح فى الانتخابات القادمة.
تراجع الخرطوم عن ألتزامها باتفاق إعلان المبادئ “الأول” الذي وقعه حمدوك ليس الأول من نوعه، فتاريخ العلاقة بين الحكومة المركزية في الخرطوم وبين حركات الكفاح المسلح في الهامش ملأى بالمواقف المشابهة، فترى هل ستلتزم الخرطوم هذه المرة بالاتفاق؟
أسهب رئيس مكتب الجبهة الثورية للحركة في القاهرة، محمود إبراهيم.. ليتطرق لاتفاق الخرطوم مع الحركة التي يمثلها:
نتمنى وندعم ونضغط في اتجاه أن تلتزم الخرطوم بتنفذ اتفاق السلام بكل شروطه، وأيضًا الالتزام بمصفوفة أتفاق جوبا بكل مكوناتها، فنحن في الحركة الشعبية جناح مالك عقار ندعم كل حركة تنضم لعملية السلام ولا نريد أن يتخلف أحد عن هذه التباشير المبشرة.
ألتزام الخرطوم يرجع إلى بعض المكونات وبعض المنتفعين وبعض الانتهازيين وبعض الأحزاب الهُلامية التي لها مصالح أخرى إقليمية ودولية تصب في إطار تعطيل المصفوفة وتنفيذ الاتفاق حسب الجدول المبرمج بالتالي لا تريد أن يستقر السودان. لكن هناك أيضًا ضغوط دولية وأقليمية متعدد على الخرطوم من الدول الضامنة لإعلان المبادئ الموقع مؤخرا أو المصفوفة الموقعة في جوبا أو الدول المانحة، مثل مصر وأثيوبيا وجنوب السودان وعدد من دول الخليج هذا بخلاف القوى الدولية والعالمية.
فهناك برنامج عبر المصفوفة من المفترض أن يتم.. لكن للآسف حتى الآن ننتظر لنا قرابة 6 أشهر للبدء في تنفيذ المصفوفة الموقع عليها في اتفاقية جوبا، من إعادة هيكلة القوات المسلحة.. دفع التعويضات.. حل مجلس الولاة وتعيين ولاة جدد.. انتخاب البرلمان.. هيكلة الدولة بشكل عام لتجهيزها للحكم الفدرالي عبر تقسيم رقعة البلاد إداريًا لخمسة أقاليم كبرى.. بالإضافة لوجود استحقاقات للمناطق الأكثر سخونة (النيل الأزرق وجنوب كردفان.. بالإضافة لمنطقة غرب كردفان. هذه مكونات المصفوفة التي ننتظر تحققها ونضغط من اجل ذلك.
ونرى أن انضمام جناح الحركة التابع للرفيق عبد العزيز الحلو وعن قريب حركة عبد الواحد محمد نور سيقوي هذا الضغط.. فعندما نتوحد نكون أقوى.
أما أسامة عبد الرحمن فكان أكثر تحديدًا وتفاؤلًا: ألتزام الخرطوم بهذا الاتفاق مسألة منتهية.. لا أعتقد أن هناك نقاش كبير فيها، فما تم الاتفاق عليه في الإعلان مطبق في السودان بحذافيره وهو مشروع وبرنامج القوى السياسية الحاكمة، لذا لا أعتقد أن هناك تكتيك أو مناورة من جهة ما في الخرطوم، فالأتفاق يمثل الحركة الشعبية كما يمثل الائتلاف الذي يمثل حكومة الفترة الانتقالية.
من جانبها ترى أمال الزين أنه ليس أمام الخرطوم بُد من الألتزام: السلطة الحاكمة في الخرطوم بشقيها المدني والعسكري وقعت الأتفاق وقت ما لم يكن هناك مناص من توقيعه وستواجه بعقبات عديدة داخلها وخارجها حيث يحتاج الأمر بالإضافة للإرادة السياسية لإصلاح التشريعات والقوانيين والسياسات كما يحتاج إلى إصلاح في هياكل السلطة الأمر الذي سيتعارض بلا شك مع مصالح مكوناتها، لذا سيتوقف على ترجيح موازين القوة داخلها بالإضافة للضغط الخارجي ومدى نجاح قوى التغيير على تحويل السلام لفعل شعبي والضغط لتنفيذه كما أشرت سابقًا.
بينما رد أبو عقلة قائلًا: “ده سؤال توديه ليهم هناك ما لينا”، إن التزموا سيحدث تحول ديمقراطي وتربح الثورة ويربح الشعب السوداني، ما التزموا بيخسروا هم وبتخسر الدولة وبنرجع لورا وبنرجع لمربع أسوء من مربع الحرب ذاته. للآسف عودتنا الدولة المركزية على نقض العهود والمواثيق.. لكن نتمنى هذه المرة أن الجنرال عبد الفتاح البرهان ما يتأثر بتخويفات من الإسلاميين وما يسوقوه من فزاعات تعطل تقدم السودان منذ عقود.
للموضوع جوانب أخرى تم تغطيتها عبر المزيد من الأسئلة أوصلتنا للكثير من الإجابات.. فإلى الحلقة القادمة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال