المرتاحين (1) .. عثمان أحمد عثمان وقصة المعزة التي أبقته على قيد الحياة في طفولته الفقيرة
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لكل رجل أعمال قصة كفاح لا تقل عن بطل أوليمبي لا يعرفه سوى والديه واثنين ثلاثة من أقاربه ، جاء من قرية صغيرة في القطب الشمالي ليعرفه الناس من أقصى الأرض لأقصاها .. هكذا رجل الأعمال ، ذلك لأن للمال فلسفة لا يستوعبها إلا رجل الأعمال ، والرجل الثري شئ ورجل الأعمال شئ آخر ، هذا لأن رجل الأعمال عبارة عن كتلة كاملة ، ووحدة وتروس وإدارة وسياسة واقتصاد وبُعد إنساني خاص ونظرة مستقبلية .. ربما يرث المرء من أبيه ملايين ومليارات ، لكننا نتحدث هنا عن الرجل الذي يصنع الملايين والمليارات .. لذلك قرر موقع “الميزان” فتح تلك السيرة والمواقف الصعبة والمنعطفات التي واجهت المشاهير من رجال الأعمال المصريين .. وأول الكلام سوف نتحدث عن رجل الأعمال الراحل عثمان أحمد عثمان .
عثمان أحمد عثمان كان رقمًا صعبًا في مرحلة مهمة من مراحل هذه البلد ، جذور متشعبة في الصناعة والسياسة والقرب من دائرة الحكم ، توفي في عام 1999 وولد في عام 1917 ، أحد أهم تروس عصر الرئيس السادات ، ذلك لترحيبة بسياسات السادات الاقتصادية التي قابلها الكثير من رموز المجتمع بالرفض القاطع بل وصل الأمر للمعارضة الشرسة لغلق باب الانفتاح الذي اعتبره عثمان أحمد عثمان فرصة لنقل الاقتصاد المصري إلى منزلة عُليا .. كما كان عثمان أحد معارضي الخطة الاقتصادية للرئيس الزعيم جمال عبد الناصر ، فقد كان معارضًا للاشتراكية بنفس قدر ترحيبه بالسوق الحرة .. وفي حياة عثمان أحمد عثمان ما يكفي لأيام وشهور من الحكي ، لكن دعنا نُسلسل هذا على عدة أجزاء ونتطرق بدايةً إلى طفولته الصعبة ، التي إن قرأتها دون أن تعرف مصير صاحبها بعد عقود سوف تتأكد من أنك أمام طفولة رجل مشرد بالكاد يقتات طعامه ، لكنه وصل لأن يكون رجل دولة من طراز رفيع بل رجل يشار إليه بالبنان في جميع دول العالم .
عثمان أحمد عثمان وحكاية المعزة التي أنقذته من الجوع
يقول عثمان أحمد عثمان في كتابه “تجربتي” ، وهو كتاب من إصدارات عام 1981 ، أن طفولته كانت قاسية للغاية بعد أن اختار الله والده إلى جواره وهو في الثالثة من عمره ، وتركه ومعه ثلاثة أشقاء وشقيقتين ، وكان أكبر من فيهم لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره ، وتركهم وهم في أشد الحاجة إليه ، حيث كانت أسرته بلا موارد دخل تذكر ، وقررت أمه أن تبدأ طريقًا طويلًا مضنيًا ، حيث التربية ونشأة الأبناء في ظروف تكاد تكون مستحيلة ، وكانت أمه شابة في ربيع العمر ، وكانت حينما يفتح أشقاؤها معها أمر الزواج بحجة أن عمرها هكذا سوف يضيع هدرًا ترد في صرامة : لن أسعد نفسي ، وأشقي أولادي .. !
يقول عثمان : كان أخوالي ميسوري الحال ، بحيث كان في وسع أي واحد منهم أن يعفي أمي من معركة الحياة التي كانت تخوضها من أجلنا ، إلا أم أمي “رحمها الله” فضّلت السير في الطريق الصعب الذي تحفظ به كرامتها وكرامتنا ، دون أن يكون لأحد تأثير علينا إلا ما تفرضه صلة الرحم ، بالرغم من أن اخوالي لم يبخل أحد منهم علينا في شئ .. ومرت الأيام والليالي الصعبة وصارت حالتنا المادية سيئة للغاية .. ومن سئ إلى أسوء!
وكانت أمي تقوم بتربية الطيور ، وتعمل على تسمينها ، حتى توفر لنا طعامنا ، من البيض ، واللحوم ، دون أن ترهق دخلنا المحدود ، وكانت تبيع ما يزيد عن حاجتنا من الطيور والبيض .. لتغطي بعض التزاماتنا الأخرى .. وأذكر .. أنه كانت لدينا “معزة” ، كنا نعاملها وننظر إليها على إنها أحد أفراد أسرتنا الكبيرة ، فقد كنا نطلق عليها اسم (عيدة) .. وكانت هذه المعزة مصدر الغذاء بالنسبة للأسرة ، حيث كانت توفر لنا شراء الكثير منها، وكانت أمي تحتفظ بفضلات الطعام لتقدمه لـ (عيدة) ، وبعض الطيور الأخرى .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال