المصري أفندي الأرمني
-
هند مختار
كاتب نجم جديد
السخرية هي النقد اللاذع، وغرض الساخر هو النقد أولا والضحك بعد ذلك، ولذلك هي عكس النكتة والتي الغرض منها هو الإضحاك في المقام الأول.. على هذا الأساس بني فن الكاريكاتير، والذي يعتمد على رسم الأشخاص والأشياء بصورة مبالغ فيها لإيصال فكرة..
دخلت المطبعة مصر مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر، ومعها عرف المصريون الحافة، والتي تطورت مع الوقت.. فن الكاريكاتير في مصر يدين للصحافة بذيوعه وانتشاره، فرسمة كاريكاتير واحدة متقنة قد تغني عن ألف مقال، وكان الكاريكاتير السياسي هوالأكثر ذيوعا وانتشارا في مصر، فبسببه تم مصادرة العديد من الصحف والمجلات في فترات الإضطراب السياسي، وفترات الاستعمار، بل أن رسامي الكاريكاتير قد تعرضوا للملاحقات الأمنية في تلك الفترة وسجن بعضهم لفترة ..
مجلة روزا اليوسف والتي أصدرتها فنانة المسرح روزا اليوسف أو فاطمة اليوسف بالتعاون مع الصحفي محمد التابعي سنة 1925 وكانت في البداية مجلة تهتم بالأدب والفن ثم تغير اتجاهها للاهتمام بالسياسة والصراعات السياسية وقتها، دورا كبيرا في اكتشاف العديد من المواهب في عالم الصحافة والأدب، والكاريكاتير بالطبع، فكانت مجلو روزا اليوسف هي البوابة الملكية التي من خلالها قدم محمد التابعي إلكسندر صاروخان فنان الكاريكاتير الأرمني في الصحافة المصريةـ والي يعتبر هو من أدخل الكاريكاتير إلى مصر بمفهومه الحديث ..
صاروخان والذي ابتكر مع محمد التابعي وبتوجيهاته شخصية المصري أفندي أشهر شخصية كاريكاتيرية مصرية كان لا يجيد اللغة العربية، فهو أرمني الجنسية وتنقل بين تركيا وبلجيكا وفيينا حيث درس فن الرسم هناك، وتسوقه أقداره ليأتي للقاهرة يقيم بمصر ويحصل على الجنسية المصرية فيما بعد سنة 1955 ..
مصر عير تاريخها الطويل كانت ملاذا للفارين من سطوة القهر، أو الباحثين عن فرصة جديدة والمغامرين، وقد فتحت مصر ذراعيها للأرمن الهاربين من حملات التطهير العرقي التي مارستها تركيا عليهم، ولقد ساهم الأرمن من خلال تواجدهم في مصر ف العديد من المجالات والأنشطة الفنية والاسياس والاقتصادية..
إلى كل فنان كوميدي .. إليك دليل علي الكسار لإضحاك الناس
مجيء صاروخان لمصر كان بصورة مختلفة فهو كان مقيم في فيينا بعد أن ساءت الأحوال في تركيا ويدرس في هناك بمعد الفنون الجرافيكية،وقابل هناك شاب مصري يدعى عبد القادر الشناوي والذي كان يدرس فنون الطباعة في فيينا واستطاع إقناع صاروخان بالمجيء إلى مصر والعمل معه..
بالفعل يأتي صاروخان إلى مصر وفي الإسكدندرية في أغسطس سنة 1924لا يجد عبد القادر في انتظاره، يذهب إلى القاهرة وهناك يجد عبد القادر ويعمل معه..
صاروخان عمل في بداية حياته مترجما لم يقلع عن الرسم طوال حياته، فحينما كان طالبا في المدرسة المختارية في تركيا كان يصدر صحيفة مع أخيه يزينها برسوماته الكاريكاتيرية، ثم بعد أن أنهى تعليمة عمل بالترجمة عمل في العديد من الصحف الأرمينية الصادرة في أسطنبول حتى سنة 1922 وبعدها سافر إلى عمه ببلجيكا هربا من الأوضاع المضطربةفي تركيا جراء الحرب العالمية الأولى ومنها إلى فيينا..
بعدما عثر على عبد القادر الشناوي في مصر أصدرا سويا مجلة اسمها المصور، والتي صدر منها عددين فقط ولم يكتب لها الاستمرار..
ولقد عمل لفترة بالمدرسة الأرمينية بالقاهرة حتى يعبر أزمته المادية، وظل بها حتى سنة 1927..
في تلك الفترة تعرف صاروخان على العديد من الأرمن المقيمين في القاهرة وكان أبرزهم (بربريان) الذي كان يعمل في الزنكوغراف، وكانت ورشته في عابدين ملتقى للفنانين والتشكيليين والصحافيين وأصحاب دور النشر..
من خلالها تعرفوا على موهبة صاروخان في الرسم، وقد اشترك في رسم مجلة السينما الأرمينية في مصر، وظل يرسم بشكل يومي حتى استطاع أن يقيم معرضين في القاهرة والإسكندرية ويلاقيان نجاحا ملحوظا..
الفترة المفصلية في حياته حينما قابل محمد التابعي سنة 1927 وأخذه للعمل معه في روزا اليوسف..
روزا اليوسف كان بها رساما هو سانتس، الذي كانت مشكلته مع التابعي أنه رسام مجلة الكشكول الأساسي، والتي كانت ضد الوفد، وروزا كانت منحازة للوفد ضد السرايا، فوجد ضالته في صاروخان..
يتعاون اروخان مع التابعي واستطاعا سويا ابتكار شخية المصري أفندي والت تعبر عن المزاج الشعبي المصري، وهي مأخوذة من شخصية كاريكاتيرية إنجليزية للفنان ستريب، وقد ساهمت توجيهات التابعي في تطويرها، فاستعاض عن القبعة بالطربوش، وعن المظلة بالسبحة، واشتهرت شخصية المصري أفندي، بعد أن ذهب م التابعي لآخر ساع أخذا الشخصية إلى هناك واستمرت حتى بعد أن اضمت آخر ساعة لمؤسسة أخبار اليوم، ثم انضم لأخبار اليوم..
من الشخصيات التي ابتكرها أيضا صاروخان شخصية العم سام، كممثلة عن أمريكا، وشخصيتي (مخضوض باشا الفزعنجي) و(إشاعة هانم) في فترة الحرب العالمية الثانية وانتهوا بنهايته الحرب..
اللافت في رسوم صاروخان أنها حتى الآن صالحة لمواجهة بعض ما يحدث على الساحة المصرية والعالمية والسياسية، فهناك الكاريكاتير الخاص بأحد مباريت الكرة والذي فيه اللاعبون يتشاجرون مع الجمهور، واسماه مصر ضد مصر، وهو يصلح مثلا على أحداث مبارة الأهلي في بورسعيد، وكاريكاتيره عن ليبيا بعد اكتشاف أو بئر للبترول وأطماع الدول الغربية فيها والكثير من الرسومات..
قبل ثورة 1952 تعرض صاروخان للقبض عليه أكثر من مره ولكنه لم يسجن، فقد انفق معه التابعي أن يقول أنه لا يفهم العربية وأنه ينفذمايطلب منه فقط، وكانت تلك الحيلة التي جعلته مطلق السراح..
آمن صاروخان بثورة يوليو وبالمباديء التي أتت بها، ودافع عنها وهذا ما جعل الرئيس عبد الناصر يمنحه الجنسية المصرية سنة 1955..
من المؤسف أن نعرف أنه لم يتم تكريم فنان كصاروخان في أي محفل فني أو صحفي حتى وفاته، على الرغم من وجود أكثر من عشرين ألف رسمه له، وعلى الرغم من مصريته الاختيارية وذوبانه في المجتمع المصري.. والتكريم الوحيدالذي ناله كان من أمريكا من الدولة التي سخر منها في صورة العام سام ..
ترك صاروخان العديد من الكتب منها العام السياسي سنة 1939 وهذه الحرب ويتناول الحرب العالمية الثانية بالكاريكاتير وصدرسنة 1945 وأيضا المتسولون الشرفاء وأنظر لكلامك..
تتميز أعمال المصري أفندي صارخان على الرغم من بساطتها في الخطوط بالحركة حتى كأنك تشاهدها متحركة..
على الرغم من ها التاريخ الطويل والثري لصاروخان لا يوجد متحف يضم أعماله، والمهددة بالفق أو البيع خارج مصر..
توفي المصري أفندي صاروخان في 1 يناير سنة 1977.
الكاتب
-
هند مختار
كاتب نجم جديد