الموجة الثانية لكورونا .. هل ما زلنا متراخين ومتخبطين؟
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
بدا واضحا أننا على أعتاب موجة ثانية من وباء كورونا، موجة كانت متوقعة في هذا الشتاء منذ شتاء الموجة الأولى.. الوباء تفشى من جديد في أوروبا والأمريكتين وعدة دول، وبدأ سهمه في الارتفاع عندنا، والمشكلة الحقيقية في اعتقادي أننا ما زلنا متراخين، ومتخبطين، والأعجب أننا نبدو كمن فاجأهم النبأ المقبض، مع أنه كان منتظرا كما أشرت آنفا.
في الواقع، مع فتح الأجواء في انخفاض سهم الموجة الأولى، حدث انفلات كبير، وظن كثيرون أن الوباء مضى بلا رجعة؛ فتزيدوا في الإقبال على الحياة، ولم يكن التزيد مقبولا قط، لا سيما وقد خلا من الإجراءات الوقائية، ومن ثم لم تصل معدلات الإصابة ولا الوفاة إلى الرقم الصفري قط، بقيت موجودة على الدوام بنسب أقل، ولم ينتبه أحد إلى خطورة الاعتياد على الركض في الأيام بدون الإحساس بوجود وحش ضار مختبئ في ساعاتها.
فرح الناس بعودة مسابقات الكرة، واستئناف الأسواق والمقاهي والمطاعم لأنشطتها، ورجوع التعليم والدروس الخصوصية، وتوافر المواصلات وقدرتها على السفر والسير في كل الأوقات.. فرحوا بأن الحظر تم رفعه كليا تقريبا بشكل تدريجي، وفرحوا أكثر وأكثر باتساع دور العبادة لهم بعد أن كانوا شعروا بأن السماء جافتهم، وأغلقت أبوابها دونهم.
إقرأ أيضًا…
بالصور.. احتفالات أقباط الصعيد بأمير الشهداء مارجرجس لا تعرفكورونا
لكنني الآن أسأل شقيقي الحريص على ارتداء الكمامة والذهاب للصلاة في المساجد: ما أخبار الناس في الصلاة الجماعية؟ فيقول: خمسة بالكمائم وخمسون من غيرها!.
للأمانة، كانت الحكومة، ممثلة في وزارة الصحة، تؤكد استمرار الوباء وتنصح الناس بالتخفف المحسوب الملتزم بالتعليمات الرشيدة، لا السائب المهلك، إلا أن الشارع الذي كان انقمع طوال شهور الموجة الأولى؛ لم يكن من السهل السيطرة عليه بعد أن مال به هواه إلى هواء الخارج بأواخرها.. لقد كان أشبه بمسجون نال حريته، ومن الصعب إقناعه بالحد من الحركة والاحتكاك ومواصلة الأعمال بصورة طبيعية أو شبه طبيعية.
من جهة أخرى، فإن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها مصانع وشركات ومولات تجارية ومحلات صغيرة وما إلى ذلك؛ دفعت أصحاب هذه المجالات إلىالمبالغة في الإعلان عن نفسها مجددا، وجذب العملاء إليها بكل طريقة؛ لتعوض جزءا من خسائرها الرهيبة في ذروة الوباء الماضية.
تحذر منظمة الصحة العالمية حاليا من قوة الموجة الثانية التي بدأت تضرب العالم، ومن تحور محتمل للفيروس يمكن أن يضاعف من آثاره التدميرية للبشر (قالت مثلا إنه يمكن أن يفقد الملايين حياتهم باستفحال الأمر).. وإن كان تناثر قول عن توفر لقاح أمريكي فعال للفيروس حاليا- لقاح فايزر؛ فإن موعد تعميمه لم يحن بعد، كما توجد “مشكلات فنية” في كيفية تصديره للآخرين بأمان، فضلا عن آراء الذين يقولون: ليس علينا أن نبدي ثقة نهائية في المنتج الطبي الذي تزامن ظهوره مع نتائج الانتخابات الأمريكية، ولم يختبر أحد حتى الساعة مدى إيجابيته على الأرض بعيدا عن التجارب المعملية (حاكم نيويورك، مثلا، ما زال متحفظا بإزاء اللقاح الجديد ولا يبدو متحمسا بل أعلن أن ولا يته ستجري اختباراتها الخاصة على أي لقاح مضاد للفيروس سيتم اعتماده فيدراليا، وقد برر ذلك بسبب المخاوف من التسييس المفرط الذي يحيط بعملية التحقق من اللقاح).
الواجب على الفور أن نقول: لماذا نبدو متأخرين في الاحتياط من الشيء المزعج القادم الذي تبدت ملامحه وسُمِع وقع أقدامه؟إن علينا أن نبدأ أيامنا الحاضرة بما كنا انتهينا إليه، من الحذر، في أوج ما فات حتى لا نقاسي أهوالا نحن في غنى عنها. ولدي اقتراحات عاجلة أرجو أن تكون محل اعتبار من بيدهم القرار.
– إغلاق دور العبادة سريعا.
– تعقيم المدارس، ومراقبتها صحيا بجدية تامة، ورفع الغياب.
– إيقاف المباريات، باستثناء الضرورية كنهائي الدوري الإفريقي مثلا، بكل ما يتطلبه الأمر من الاحتراز.
– التحكم في أماكن التجمعات عموما.
– حث الناس على النظافة، وإلزامهم، في بروزهم للخارج بالذات، بارتداء الكمائم واستخدام الكحول والحفاظ على المسافات الآمنة.
– فرض حظر تجوال تتغير مواقيته تبعا للأحوال.
– الاهتمام البالغ بالمستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية وتوخي الشفافية واحتواء الوافدين المعتلين.
– وضع أجهزة حديثة فاحصة بمداخل الأماكن الحيوية.
– تحفيز الناس إلى الإبلاغ الصحي عن الحالات القطعية، وإفادتهم بما عليهم فعله لو تم عزل المصابين منزليا.
– شرح ما على الناس فعله في حالة الوفاة بالمرض الفيروسي (لا قدر الله).
– إنشاء غرف عمليات تتابع ما يجري، بتركيز ودقة، وتتصل بالمعنين مباشرة.
..
سبق ومررنا بمثل ذلك، لكن الذاكرة البشرية المندمجة في المعارك المعيشية، تنساه ولا تذكره، والصحيح تذكيرها، والأصح إخضاعها لنظام عام صارم.
أعلم أن الظروف الاقتصادية لا تحتمل تعطيلا آخر، لكنني أثق في تفهم الجميع للموقف الرهيب، وأسأل: ما جدوى انتعاش الاقتصاد بينما المنتفع طريح الفراش أو في المقبرة؟!
العار كله يكمن في أن نجلب مصائب إضافية لأنفسنا، وأن نرهق بلادنا المنهكة.
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد