همتك نعدل الكفة
531   مشاهدة  

كوكب الشرق أم كلثوم..كيف كانت نظرتها لفنها؟ (33)

ام كلثوم


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثالثة والثلاثين من قصة كوكب الشرق ودرة القرن العشرين الآنسة أم كلثوم إبراهيم ونبدأها مع نظرة ام كلثوم لفنها وتعليقها على أغانيها.

كوكب الشرق أم كلثوم وتعليقاتها على أغانيها:

منذ وقت طويل وأنا أطالع سير الفنانين سواء في مجال الغناء أو مجال التمثيل، وكثيرا ما قرأت عن فنانين عظماء في مجال المسرح والسينما والتليفزيون كانوا دائما في حالة تشكك في موهبتهم، على الرغم من نجاحهم الكبير وإقرار الجمهور واعترافه لهم بالنجومية والموهبة، فمثلا الفنان الراحل أحمد ذكي كان دائم التشكك في موهبته، وكان لا يحب أن يشاهد نفسه على شاشة التليفزيون، بل وصل الأمر كما روى لي بعض أصدقائه أنه كسر التليفزيون في أحد الأيام وهو يتابع أحد أعماله، وهذا هو حال الشخص الموهوب، دائما يرى أن هناك شيئا ناقصا، لا ينظر لنفسه على أنه صاحب الكمال المطلق أو أنه الفنان الأول، وهذا كان حال كوكب الشرق أم كلثوم، ولك عزيزي القاريء أن تتخيل أن صوت كصوت أم كلثوم الذي أثبتت الأجهزة الإلكترونية أنه الادق والأعظم على الإطلاق يرى في نفسه قصورا طوال الوقت.

صحيح كانت أم كلثوم تعي جيدا أن صوتها مطرب وكانت تتسلطن وهي تغني وتملأ رأسها بفنها قبل أن تخرجه للناس، إلا أنها دائما ما كانت ترى أن أدائها كان هناك ما هو أفضل منه، وهذا ما قالته بالفعل في كثير من اللقاءات والأحاديث الصحافية، ففي السابع عشر من شهر نوفمبر من العام 1958م، سألتها مجلة الجيل عن حقيقة شعورها حين تستمع لنفسها وهي تغني فقالت: أشعر بالضيق حين أستمع لنفسي وأنا أغني، وسبب شعوري بهذا الضيق أنني عمري ما رضيت عن أدائي لأغنية من أغنياتي رضاء تاما، لم يحصل مرة أن أعتقدت أنني قد نجحت في أداء واحدة من أغنياتي بنسبة مائة في المائة، وفي الوقت الذي قد يكون فيه الناس معجبين بصوتي وأدائي أكون أنا في حالة حساب عسير مع نفسي، ففي كل مرة أستمع فيها إلى نفسي أحس أنه كان يمكنني أن أؤدي الأغنية بطريقة أفضل، وأنا أعتقد أنني ما دمت أستطيع اكتشاف عيوبي الفنية في الأداء فسأظل أتقدم ولن أقف ولن أتأخر.

إقرأ أيضًا…يوم أن جاءت السيدة زينب إلى مصر “قراءة في حب شعب المحروسة لآل البيت

أم كلثوم التي خرجت من طماي الزهايرة “وهي قرية مستترة في أحد مراكز محافظة الدقهلية”، وجاءت للقاهرة لا تحمل سوى موهبتها التي سيدتها على كل مطربي عصرها وجعلتها حديث الناس، ترى أنها دائما مقصرة، أم كلثوم التي تسارع ملحني عصرها على التلحين لها، ورأى كل من عاصرها أن في العمل معها شرف، ترى أنها لم تؤدي أي أغنية من أغنياتها كما ينبغي،ام كلثوم التي رأى أساتذة الموسيقى أنها أسست لفن جديد اسمه الفن الكلثومي ترى أنها لم تؤدي أغنية من أغنياتها بنسبة نجاح مائة في المائة، وهيهات هيهات أن يرى المفن الحقيقي أنه عظيم أو أن موهبته كاملة.
أذكر كل طقطوقة وكل دور وكل مونولوج لأم كلثوم سجلته في فترة العشرينات والثلاثينات، ولا أظن أنني استمعت منها لخطأ واحد في أي تسجيل، في فترة كانت التسجيلات فيها تسجل لمرة واحدة فقط، إما أن تنجح أو تفشل فلا سبيل للإعادة إلا بتغيير الاسطوانة، واذكر قول أحد السميعة لي حين استمع لباكورة تسجيلات أم كلثوم “قصيدة الصب تفضحه عيونه” من كلمات احمد رامي، وهو يتسائل: كيف تغني أم كلثوم بهذه الطريقة، كيف تسترسل في غناء القصائد بهذا الشكل المشيخي دون أن تخطيء أو تتلعثم، ثم كيف ستعيد غنائها ؟؟ لا أعتقد أنها ستؤديها بهذه الطريقة، لابد وأن تبتكر حين تعيد لأن ما تقوله صعب إعادته، والحق أن الأمر أبعد من ذلك، فأم كلثوم كانت تغني تلك القطع التي سجلت على اسطوانات في حفلات حية بحضور جمهور وللأسف لم تسجل تلك الحفلات، وكانت تبدع وتتألق خصوصا في حضرة محبيها الذين كانوا يحيوها ويستعيدوها فتستجيب لرغبتهم، وتخيل عزيزي القاريء أن ام كلثوم قد غنت تلك القصيدة من كلمات رأمي قبل أن تلتقي به، فلما التقت به في مسرح حديقة الأزبكية للمرة الأولى حيته بها واسترسلت في الغناء فأبهرته، وتلك كانت عادة ام كلثوم في الغناء، كانت حين تهيم بين الألحان فإنها تترك نفسها للطرب، وتضرب بكل قوانين المساحات الصوتية عرض الحائط.

 

تقول أم كلثوم في أحد لقاءاتها:

عندما أستمع إلى غنائي أحس بضيق أحيانا، فقد يخيل لي أنني في مقطع معين من الأغنية لم أكن دقيقة بالقدر الكافي، وكان في إمكاني أن أؤديه بطريقة أفضل مما أديته بها، وهذا يسبب لي شيئا من العصبية والضيق، ولكنني في الوقت نفسه أجد أن ذلك مفيدا لي، فأذكر تلك الملاحظات وأهتم بها وأحاول عند إعادة الأغنية أن أتلافي العيب الذي لاحظته فأقدم الأغنية بطريقة أحسن.

وعلى الرغم من نظرة أم كلثوم لنفسها وتعليقها الدائم على أغنياتها بأنها لم تكن في حالة الكمال المطلق إلا أنه قد روي عنها أنها ومع نقدها الدائم والمبالغ فيه أحيانها لاغنياتها فإنها كانت كثيرا ما تعجب بأدائها وغنائها، فكانت تستمع لاسطوانه أو شريط لها وتكون وحدها فتعجبها حركة أو عربة أو نقله أو شيء من هذا القبيل فكانت تصيح مثلها مثل أي سميع معجب وتقول: يا شيخة مش كده، ده جنان، إيه ده؟.

كوكب الشرق أم كلثوم والغناء الموجّه “أم كلثوم تختار بطل أغانيها”:

كانت ام كلثوم مطربة استثنائية لا تؤدي الألحان فقط، كانت تحس وتشعر بكل حرف يخرج من فمها، كانت تغني وتنفعل بما تغنيه، لدرجة تشعر كل مستمع بأنها تغني له وحده، والحق أنني كثيرا ما شعرت بذلك، فحين أتذكر أيامي المواضي وذكرياتي في المنطقة القديمة التي ولدت بها تدور برأسي طقطوقة العجم عشيران البديعة ” يا عشرة الماضي الجميل، يا ريت تعودي” التي غنتها الآنسة عأم 1931م من كلمات المرحوم أحمد رأمي وألحان المرحوم محمد القصبجي، فتنهمر دموعي دون أن أدري، وحين أقف على أعتاب فكري وأنظر لهذه الدنيا وأبحث عن حقيقتها أستمع لصوت أم كلثوم بداخلي يقول: منظر تظمأ النفوس إليه ومتاع يقل فيه النصيب وشقاء تلذ فيه الأماني وأماني تحقيقها تعذيب، وفي لحظات الفراق والحزن أجدها تشعل قلبي برائعة رامي”اذكريني” وهي تقول: قد سقيت الحب ودي، ورعيت العمر عهدي، وبدا لي ما ألاقي من تباريح الفراق، وهذا بالضبط ما ذكره شاعر الشباب رامي في أحد المقابلات حيث قال: أنها فعلا “ودائما” تغني لشخص واحد، ولا يهم أن تعرفه، فهي تختار من الجمهور أي واحد ترتاح إليه وتغني له وحده، وتكلمه وهي تغني، وذات ليلة كانت تغني وأبدعت في غنائها إلى حد بعيد وقد لاحظت أنها تنظر طوال الوقت إلى آخر الصالة وتغني لشخص واحد، وفي الاستراحة ذهبت إليها وسألتها فقالت أنها كانت تغني لشخص ضرير لمحته في المقاعد الأخيرة، فقررت أن يكون غنائها له وحده، وعن تفاعلها مع أغنياتها تقول كوكب الشرق أم كلثوم: عندما أغني أغنية جديدة لأول مرة أشرحها للجمهور، وأفسر معانيها ولحنها لهم، وعندما أتأكد أنها بالفعل قد وصلت إليهم، أبدأ في الحفلات التالية أتصرف فيها وأترنم على راحتي.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان