تاريخ أوبرا عايدة في مصر “عرضًا بالإيطالية وترجمةً إلى العربية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أدت أوبرا عايدة إلى جَعْل مصر مشارك رئيسي في تأسيس أوبرا عالمية ذات طابع مصري في نسجيها القصصي وموسيقاها أيضًا.
التجهيز لعرض أوبرا عايدة وبصمة أوجيست مارييت
عُرِضَت أوبرا عايدة في مصر والعالم لأول مرة عام 1871م على مسرح دار الأوبرا، وعرضت في أوروبا لأول مرة على مسرح لاسكالا في إيطاليا في فبراير 1872م، لكن التحضير له قصة أخرى حكاها المؤرخ والمترجم عباس أبو غزالة.[1]
كان مؤلف الموسيقى هو جوزيبي فيردي والذي وضعها تنفيذًا لرغبة الخديوي إسماعيل والذي كان يبتغي ابتكار أوبرا مصرية صميمة ليس فقط في قصتها، ولكن أيضًا في إخراجها.
أما اختيار القصة المستمدة من تاريخ مصر القديم وتضاهي ما تقدمه الفرق العالمية فكان من مسؤولية أوجيست مارييت عالم المصريات الفرنسي.
أما ترجمة النص الفرنسي الذي أعده كميل دي لوكل فكان من مسؤولية الشاعر أنطونيو جيزلنزوني، ثم قام مارييت باختيار أعظم صناع الديكور والملابس في باريس لتنفيذ المناظر الفرعونية والأزياء، وكان المسئول عن كل ما يتعلق بإنجاز أول أوبرا استعراضية فخمة لفيردي.
اقرأ أيضًا
مائة وخمسون عاما على العرض الأول لأوبرا عايدة
أما مارييت أراد أن يوضح الصراع بين السلطة الزمنية التي يمثلها الملك فرعون، والسلطة الروحية التي يمثلها رجال الدين أو الكهنة، وساهم عالم المصريات أوجيست مارييت في تنفيذ كل مراحل إعداد هذا العمل الفني، فكتب السيناريو، وقام بتوفير المادة العلمية والأثرية لصانعي الديكور والملابس، وساعده في مهمته “درانيت بك”، مدير المسارح الخديوية؛ ليكون أول عرض على مسرح دار الأوبرا الخديوية في ٢٤ ديسمبر عام 1871م بعدما يقرب من عامين من افتتاحها بمناسبة احتفالات افتتاح قناة السويس.
أهمية أوبرا عايدة بالنسبة لفيردي
لم يحضر فيردي العرض رغم نجاحه في القاهرة، لكنها أصبحت أكثر أوبرات فيردي شعبية، فهي من الأعمال المسرحية الإنسانية التي تناهض الحرب، وتبرز التعارض أحيانًا بين مشاعر الفرد وحكم المجتمع، وتجسد الصراع بين مشاعر الحب والواجب تجاه الوطن.
ولأوبرا عايدة أهمية بالنسبة لفيردي رغم عدم حضوره، فقد حققت له النجاح في عالم الأوبرا الاستعراضية الفخمة، وأعادته إلى المسرح بعد تعثر نجاح “دون كارلو”، وسارع فيردي بتقديم العرض الثاني عام 1872م، واستفاد من عرضها الأول بالقاهرة، وكتب إلى مارييت يطلب رسمًا توضيحيًا للقارب المقدس الذي استعمل في الفصل الثالث لتعبر أمنيريس نهر النيل إلى المعبد، وقام الفنان “لا روز” بعمل الرسم المطلوب بميلانو، وتم عرض أوبرا عايدة على المسرح الإيطالي بباريس عام 1876م، وعلى مسرح دار الأوبرا 11 في عام 1880م، وقاد فيردي الأوركسترا بنفسه.
نال فيردي كل تقدير الخديوي الذي منحه وسام الدولة العثمانية من رتبة “كومنداتور” تكريمًا وتقديرًا لرائعته وقال «إن ما قدمه سمو الخديوي من تضحيات نبيلة من أجل فن الموسيقى لم يضع هباءً، وأن كلّ من ساهم في هذا الإنجاز الرائع له نصيبه في هذا النجاح».
تعريب أوبرا عايدة نصًا ومسرحًا
اهتم المؤرخ سيد علي إسماعيل بترجمة أوبرا عايدة إلى الجمهور المصري والعربي سواءًا على صعيد النص أو على صعيد الفن.[2]
اقرأ أيضًا
“ننشرها كاملةً” رسومات الكاريكاتير التي أغضبت الخديوي إسماعيل وسجنت حامليها
عُرِضَت أوبرا عايدة في مصر لأول مرة باللغة الإيطالية لحنًا وحوارًا، بالتالي لم يشاهد الجمهور العربي أو المصري لذلك، لكن الخديوي إسماعيل لم يكن له أن تفوته تلك المسألة.
قام الأديب المترجم الصحفي أبو السعود أفندي صاحب مجلة وادي النيل بترجمتها إلى العربية، وتمّ توزيع النص المُترجم المطبوع على الجمهور العربي، ليلة الافتتاح، ومن المحتمل أن الكمية المطبوعة نفذت خلال أيام قليلة، فتم نشر طبعة ثانية من الترجمة.
وفي عام 1875م، زار مصر سليم خليل النقاش اللبناني نجل شقيق رائد المسرح العربي مارون النقاش وشاهد أوبرا عايدة بالإيطالية، ولاحظ اهتمام الخديوي إسماعيل بها، فقام بتعريبها، وتعديل بعض خصائصها، من أجل تحويلها إلى مسرحية بدلاً من كونها أوبرا، وعندما عاد إلى لبنان نشرها في المطبعة السورية في العام نفسه 1875م، وأهداها إلى الخديوي إسماعيل، ثم قام النقاش بتعريب مسرحية (ميّ)، وأهداها كذلك إلى الخديوي، وبعض أعيان المصريين، الذين ساندوه وساعدوه فيما يريده من اشتغاله بالتمثيل في مصر، وبسبب هذا النشاط الفني، والإصرار على العمل، وافق الخديوي إسماعيل على قيام سليم خليل النقاش بتكوين فرقة مسرحية لبنانية، والقدوم بها إلى مصر لعرض مسرحيات باللغة العربية لأول مرة.
وبعد مرحلة سليم النقاش قامت عدة فرق مسرحية أخرى في العشرينيات بعرض أوبرا عايدة باللغة العربية بين 1916م و 1920م.
[1] عباس أبو غزالة، عبقرية أوبرا عايدة، مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، عدد:8، أكتوبر 2011م، ص16.
[2] سيد علي إسماعيل، المسرح العربي المجهول، ح1، مسرحية عائدة، مجلة كواليس الإماراتية، عدد:25، فبراير 2011م، ص ص80–89.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال