همتك نعدل الكفة
8٬690   مشاهدة  

تاريخ “المستريحين” في بر مصر .. رزق النصاب على الطماع

المستريحين في 200 سنة
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة

  • كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بعيدًا عن الفاصل الكوميدي الذي يقدمه على السوشيال ميديا السيد أشرف السعد أحد أشهر “المستريحين” في تاريخ مصر، لن ينسى أحدنا الفنان الراحل الكبير زكي رستم عندما فقد كل مكافأة نهاية خدمته بعدما قدمها لأحد المستريحين في فيلم أنا وبناتي الشهير بأغنية “بيت العز” والذي عرض في أبريل عام ١٩٦١ وصولا إلى مسلسل الكبير الجزء 6 والدور الذي لعبه الفنان حمدي الميرغني كمستريح المزاريطة مرورا بتقديم الدراما مسلسلا كاملا عن حياة الحاج أحمد الريان أحد نجوم المستريحين في منتصف الثمانينات.

YouTube player

الجشع والطمع للفقر أصدقاء

هيا بنا نعرف تاريخ المستريحين في بر مصر الجميل

لم تكن «المستريحية» مجرد ظاهرة عابرة، بل كانت متلازمة من متلازمات تاريخ مصر الاقتصادي منذ العام 1822 م ووضع نواة قانون الاعتداء على الأموال عام 1829 م كأحد بنود قانون السياستنامة الأول.

طيلة قرنين إلا قليلاً أخذت «المستريحية» أشكالاً مختلفة وأسماءًا متنوعة، وكذلك أسماء ضحايا المستريحين، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو السذاجة.

ظاهرة الغدارين في عهد الباشا 

محمد علي باشا
محمد علي باشا

بدأت أولى ظواهر شكل المستريح خلال عهد محمد علي باشا بمرحلة يمكن أن نسميها بـ الغدارين، ولم يكن الجناة من الفلاحين والقرويين بسبب سياسة الاحتكار الذي انتهجها محمد علي باشا، وإنما كان الجناة هم الموظفين بينما الضحايا هم الفلاحين.

وسُمِّي هؤلاء بـ الغدارين نسبةً لـ قانون الغدر والذي كان ينص على تجريم قيام أحد موظفي الميري من المحافظين أو المأمورين بأخذ أي شيء من الأهالي سواءًا كان غلال أو بهائم أو أموال لأجل التجارة.

رسمة ترويجية للعلم - فلاح أمي والباشا يعطيه إصدار من مطبعة بولاق
رسمة ترويجية للعلم – فلاح أمي والباشا يعطيه إصدار من مطبعة بولاق

أول مرة تظهر فيها جرائم النصب على الأهالي بسبب جهلهم كان في فبراير سنة 1822 م بقرية فرسيس مركز زفتى محافظة الغربية، حيث قام مجموعة من الصيارفة بأخذ ضرائب من الأهالي ولم يقوموا بتسجيلها في الدفاتر، بل بصموا على أوراق غير رسمية، ثم قامت مجموعة أخرى من الصيارفة بأخذ ضريبة مماثلة منهم لأنهم طبقًا للسجلات الرسمية لم يدفعوا.

قرية مصرية زمن محمد علي باشا
قرية مصرية زمن محمد علي باشا

واستمر النصب على الأهالي اعتمادًا على جهلهم بأن أخذ الصيارفة حصص الفلاحين المكونة من البذور والمخزنة في الشون الحكومية لأنفسهم بغرض التجارة قبل توريدها للقلعة وتقسيم الأرباح مع الفلاحين وهو مالم يحدث لكون الفلاحين بصموا على أوراق غير رسمية.

طلب محمد علي باشا لمدير الأمور الإفرنجية للنظر في أحوال الموظفين وترقيتهم
طلب محمد علي باشا لمدير الأمور الإفرنجية للنظر في أحوال الموظفين وترقيتهم

كانت العقوبة على مثل تلك الجرائم قاسية ولم يسلم منها الجاني والمجني عليه، فالمجني عليهم تعرضوا للضرب بعد رد أموالهم لهم تأديبًا لهم، بينما الجناة كانت عقوبتهم حسب وضعهم الوظيفي، فإذا كان الجاني من كبار الموظفين فإنه يوضع تحت الإقامة الجبرية في بيته لمدة 6 أشهر دون معاش، ثم يعود للعمل فإن كررها يتم نفيه إلى أبي قير لمدة سنة وبعدها يعود للعمل وإن كررها في الثالثة يتم فصله ولا يعمل في الحكومة بقية حياته.

أما إن كان الغدار من صغار الموظفين فإنه يعمل لمدة 6 أشهر بدون معاش وبعدها إن كررها للمرة الثانية يتم توظيفه في مهنة عامل بالميناء لمدة سنة، وبعد انقضاء المدة يعود لعمله الأول فإن كررها ثالثةً يتم فصله من مهنته ولا يتم تعيينه في الحكومة حتى الموت.

للجحيم ثلاث بوابات، الجشع والطمع والشهوة

ظاهرة القرويين السذج

سكك حديد مصر في القرن العشرين
سكك حديد مصر في القرن العشرين

كانت السكة الحديد هي المفرخ الآمن للمستريحين الذين اكتسبوا في مرحلة القرن العشرين لقب (المحتالين)، فبمجرد أن ينزل شخص يرتدي جلبابًا ويظهر عليه أنه من قرى الدلتا أو الصعيد وبه علامات السذاجة فهو واقع لا محالة في فخ الاحتيال.

تاريخ المستريحين
رمضان أبو زيد العبد – العتبة الخضراء وأحد علامات تاريخ المستريحين

تؤرخ السينما المصرية لتلك الظاهرة عبر فيلم العتبة الخضراء والمأخوذ عن قصة حقيقية أطرافها رمضان أبو زيد العبد وحفظ الله سليمان حيث قام الأخير بشراء التروماي من الأول.

لم تكن تلك الحادثة هي واقعة النصب الأولى على القرويين السذج، فهناك أيضًا قصة غيرها طرفها المحتال اسمه إسماعيل محمد أحمد، واشتهر باسم الشيخ المظبوط، وله في السجلات القانونية 18 سابقة، وعُرِفَت طريقته باسم الطريقة الأمريكية، والتي تقوم على وجود «الشيخ المظبوط (رئيس العصابة)، والصياد (رسول رئيس العصابة)، والكشاف (معاون الصياد)، والصيد (ضحية الثلاثة)».

خبر القبض على المظبوط
خبر القبض على المظبوط

يحكي المظبوط لجريدة البلاغ في عدد 29 أغسطس 1949 عن الطريقة الأمريكية للنصب فيقول «هي ضربة حظ وبُعْد نظر، فأنا أنتظر الصيد من بين الركاب الذين يأتون للقاهرة في القطارات أو السيارات القادمة من الوجه البحري والقبلي وأرسل له رجلاً يعمل عندي اسمه الصياد ويكون متحدث لبق وحاضر البديهة وسريع النكتة، ويذهب الصياد للضحية ويوهمه بأنه بلدياته ويسأله عن المكان الذي يقصده في القاهرة ثم يدعي أنه سيذهب لنفس المكان».

الربع جنيه والخمسين جنيه في الأربعينيات
الربع جنيه والخمسين جنيه في الأربعينيات

في الطريق إلى نفس المكان يقوم الشخص المسمى بـ الكشاف بإلقاء ظرف في الطريق به ورقة مالية من فئة الـ 25 قرش والتي تشبه ورقة الـ 50 جنيه، ويقوم الصياد بالتقاط الظرف ويلفت نظر الصيد له ويقول أنه عثر على غنيمة وسيقسمها معه بعد قليل، ليأتي الشخص الذي ألقى الظرف ويدعي ضياع ماله، فيسمح الصياد له بتفتيشه ثم يقدم له حافظة النقود، ويرفض الضحية بأن يتم تفتيشه إلى أن يظهر رئيس العصابة الشيخ المظبوط وهو يرتدي عمامة أزهرية ويمسك سبحة في يده ويحاول التدخل ليقنع الضحية بقبول التفتيش ويقوم الشيخ بتفتيشه بعد أن يرتاح له الضحية، ثم يقوم الضحية بإخراج المحفظة ويعطيها للشيخ المظبوط وفي لمح البصر وبخفة يد يستولي الشيخ على المال من المحفظة ويضع بدلاً منه أوراق الياناصيب حتى لا يخفي انتفاخ المحفظة، وبعدها يفترقوا جميعًا ليكتشف الرجل أنه وقع ضحية الاحتيال لكن القانون لا يحمي المغفلين.

تاريخ المستريحين
من معسكرات الإنجليز في الهرم زمن الحرب العالمية الثانية

ألقت الحرب العالمية الثانية بظلالها على ظاهرة المستريحين في الأربعينيات، ولعل أبرز من استغل ذلك هو محمد فتح الله رفعت الشهير بـ رفعت الهوا، حيث تمكن من جمع 1500 جنيه من صاحب متجر كبير إذ ذهب إليه بملابس ضابط بريطاني واشترى من التاجر تحفة بـ 15 جنيه، ثم تكلم معه وأخبره بأنه ضابط تموين في أحد المعسكرات الإنجليزية وأنه على استعداد ليبيع له نصف محتويات المعسكر من المواد التموينية، وأخذ منه 1500 جنيه وأعطاه إيصال بذلك.

خبر وفاة رفعت الهوا
خبر وفاة رفعت الهوا

بلغ رفعت الهوا شهرة كبيرة لدرجة أنه عند خبر وفاته قالت الصحافة أن رجال البوليس تنفسوا الصعداء لموته فقد كان وجوده على قد الحياة سببًا لمتاعب لهم لا تنتهي.

تاريخ المستريحين
جريدة المقطم 7 يوليو 1948 في تاريخ المستريحين

نموذج التاجر الذي اشترى اللاشيء بكل هذه البساطة من رفعت الهوا، يضاهيه في السذاجة نماذج أخرى من التجار، فجريدة المقطم في 7 يوليو 1948 ترسد قصة محتال استقر في فندق كبير وزعم أنه من الوجهاء وطلب من تاجر مجوهرات أن يرسل له عبر أحد عماله بعض المجوهرات ليشتريها وبمجرد أن استلمها قام بالفرار واتضح أنه قام بذلك مع غيره من الجواهرجية.

ما نبتت أغصان الذل إلا على بذر الطمع والجشع

ظاهرة بيع الأوهام لأصحاب الأحلام

شعار النسر في مقر الحكومة المصرية بعد قيام النظام الجمهوري
شعار النسر في مقر الحكومة المصرية بعد قيام النظام الجمهوري

يتبنى أغلب الشعب المصري مثلاً يقول «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه»، وهو يعطي مدى إحساس المصريين بالأمان مع الوعود والوظائف الحكومية والتي تكاد تكون حلمًا بالنسبة لهم، وهو الأمر الذي لم يفوت على المستريحين.

صحيفة البلاغ يوم 29 يونيو 1946 م
صحيفة البلاغ يوم 29 يونيو 1946 م

كانت أولى مظاهر العبث بالأحلام في الوظيفة الميري متمثلة في عام 1946 م عندما ألقي القبض على محتال أقنع طالبي الوظائف بأنه في استطاعته تعيينهم في الحكومة، وبعد الاستيلاء على أموالهم يعطيه خطابات حكومية مزورة.

تاريخ المستريحين
من متابعة الصحف لنصاب المريوطية من تاريخ المستريحين

ومثلما تكون الوظيفة الحكومية حلمًا، يكون العثور على سكن هو أيضًا حلم ولم يتأخر النصابين عن الاستفادة منه فهناك محتال اسمه نصاب المريوطية سنة 2007 م تمكن من جمع 3 مليون جنيه للراغبين في مشروع سكني بمنطقة المريوطية أطلق عليه اسم بالمزبلازا بعد نشره إعلانًا في الصحف القومية.

مستريح نصب على الحكومة .. المرة الوحيدة حتى الآن

خبر القبض على عزت عبده
خبر القبض على عزت عبده

جميع ما سبق من حكايات كان ضحاياها من المواطنين والجناة أيضًا مواطنين، لكن لم يشهد تاريخ المستريحين واقعة نصب على الحكومة إلا مرة واحدة عام 1984 م وكان بطلها عزت عبده، ونجح عزت عبده من جمع 15 ألف جنيه خلال 3 سنوات بحيلة انتحال صفات شخصيات متعددة منهم رئيس الوزراء مصطفى خليل، ومشهور أحمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس، ومصطفى السعيد وزير الاقتصاد، وعبدالمنعم عمارة محافظ الإسماعيلية، وعفاف يحيى والدة تامر أمين؛ وقمنا بنشر تفاصيل القضية هـــــنـــــا.

جيفة واحدة تكفي لجمع الغربان

 

كانت نكسة أو هزيمة ٦٧ هي الضربة التي تسببت في ظهور بذرة الطبقة التي تلهث وراء الثراء ولو جاءت على جناحي الفساد والإفساد والتي لم يكن عبد الناصر ليسمح بظهورها لولا انكساره، إلا أن نمو هذه الطبقة وازدهارها جاء في عصر السادات الذي كان يميل ويوافق تطلعاتها وطموحها الجامح وكانت سياسة الانفتاح هي البيئة الملائمة لتمكينها، حيث فتح الاسواق المصرية  امام  المستثمرين والإفراج عن الاخوان المسلمين وعودة الكثير منهم بمدخراتهم من بلاد الخليج ، وذهاب اكثر من مليون مصري للعمل في الخليج محققين مدخرات تلقفتها سماسرة تحويل العملة.

 

في كتاب جلال أمين “ماذا حدث للثورة المصرية” يقول لقد ورث حسني مبارك عن سلفه السادات طبقة مدهشة في تسلطها الاقتصادي، وفي تطلعاتها وتصميمها على تحقيق المزيد من الثراء والقوة واستعدادها لممارسة الفساد والإفساد لتحقيق مكاسبها الاقتصادية، وتعد هذه الطبقة حديثة نسبيا في التاريخ المصري، ليست لها جذور قوية تربطها بالطبقة التي سيطرت اقتصاديا في عهد الملكية)

 

في عهد مبارك تم تذليل كل صعب قد يقف عائقًا أمام هذه الطبقة الشرهة اقتصاديا ويحول دون تحقيقها أهدافها، فكانت كل التسهيلات ممكنة لإعمال الفساد ونصرته، وكانت النتائج بداية من تكوين شركات توظيف الأموال إلى الحصول على قروض خيالية من البنوك والهرب بها إلى الخارج مرورًا بالاستيلاء على أراضي الدولة إلى التحايل على القوانين والتزوير وغيرها.

 

ولطالما اعتقدت أنه إذا كان القانون لا يطبق على الجميع فسيحاول الجميع مخالفة القانون ما استطاعوا، وهو النهج الذي ساد في زمن مبارك وهو الذي يعادل تعريف الدولة الرخوة في نظرية عالم الاقتصاد والاجتماع السويدي جونار ميردال، والذي اعتبرها سر البلاء الأعظم، وسببا رئيسا من أسباب استمرار الفقر والتخلف وهنا اقتبس تعريف ميردال للدولة الرخوة حيث قال: يقصد ميردال بالدولة الرخوة تلك الدولة التي تضع القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأن لا أحد يحترم القانون. الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يكفي ليحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه. ورخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها فسادا. والفساد ينتشر في السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى يصل إلى القضاء والجامعات، ويصبح الفساد في ظل (الدولة الرخوة) أسلوب حياة.

“ولاد العفاريت جننوا الأمريكان”

مبارك عن مؤسسي شركات توظيف الأموال والتي قدمت نفسها باعتبارها الاقتصاد الإسلامي الآمن من شبهة الربا المرتبطة بفوائد البنوك والتي ظهرت تزامنًا مع البنوك الإسلامية.

البداية والقدوة كان عبد اللطيف الشريف المنتمي لجماعة الإخوان والذي هاجر إلى السعودية في الستينيات هربًا من ملاحقة عبد الناصر، وعاد في السبعينيات بعد اتفاق السادات والتلمساني، وكان يدير مع والده وأعمامه شركات تجارة البلاستيك، وفي عام ١٩٧٨ نشر إعلانا في الصحف ليجمع مدخرات المواطنين، وفي خلال شهر واحد كان يمنح من يودع المال قسطًا شهريًا من الأرباح ما شجع الألاف على الإيداع ثم افتتح مكاتب لتلقي الأموال، وأصبح الشريف بنجاحه نموذجا يحتذي به، وتتابع إنشاء الشركات، بمخالفة قانوني الاستثمار رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ ورقم ٥٩ لسنة ١٩٧٥والذي يسمح بإنشاء شركات مساهمة تطرح أسهمها للاكتتاب العام دون السماح لها بالقيام بوظيفة البنوك من جمع أموال وصرف فائدة بدون موافقة الاستثمار لكل مشروع بذاته، وهو ما خالفته شركات توظيف الأموال بالرشاوي، وهكذا كانت بدر للاستثمار عام ١٩٨٠ وتلتها شركة الريان في عام ١٩٨٢، ثم الهدى والسعد عام ١٩٨٥ والهلال عام ١٩٨٦

 

أحمد الريان

الامبراطور الذي بدأ من الصفر واختار التداول في الفضة بعيدًا عن الذهب والبترول ملعب الأمريكان، ورغم تحذير خبراء الاقتصاد من تأثيره وغيره على البنوك حيث كان يمنح عملاءه فائدة تتجاوز ٢٥٪ بينما لا تتجاوز أرباح البنوك ٩٪، إلا أن الحكومة لم تقوى على مقاومة الأرباح السريعة وضعفت أمام المليارات الوافدة من الخارج، وعندما قررت الحكومة نهايته كانت أموال المودعين قد تحولت إلى سراب، فقد أعلن المدعى العام الاشتراكي، بتحويله نحو ٣ مليارات و٢٨٠ مليون جنيه، بينما أكدت تحقيقات النيابة تورط مسؤولين ورجال دين وإعلاميين مع الريان في تهريب الأموال مقابل حصولهم على ما عرف بكشوف البركة.

تاريخ المستريحين

امبراطورية الريان لم تكن لتجذب أموال الغلابة والشقيانين إلا بالدعم الذي حصلت عليه عبر النفاذ الي شخصيات سياسية ودينية واقتصادية مهمة، وبعد أن وجدت دعما حكوميًا من وزراء عملوا مستشارين قانونيين لديها بمبالغ باهظة، إلى جانب الفتاوي التي حللت وباركت شركات توظيف الأموال من مشايخ لهم مكانتهم وتأثيرهم مثل الشيخ الشعراوي الذي كان يساند اصحاب الشركات ويحضر افتتاح مشروعاتهم مثل الهدى وبدر للاستثمار وغيرها

ووصل الدعم مداه حتى قامت هذه الشركات بحملات إعلانية واسعة في الصحف والتليفزيون ووقعت اتفاق العمالقة كما أسموه فجر أحد الأيام بين أحمد وفتحي الريان وأشرف السعد لدمج الشركتين وتكوين كيان عملاق في يستحوذ على أموال المودعين في إحدى الصحف الكبرى والتي ذكر الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب أن هذا الاتفاق قد تم توقيعه في صحيفة الأهرام خلال لقاء ببرنامج رأي عام عبر فضائية تن وأشار شهيب إلى أنه كان هناك أيضا مجموعة من المحافظين والوزراء يظهرون مع أصحاب شركات التوظيف في إعلانات.

YouTube player

لا يمكن أن نغفل الرائد الثاني في ملف توظيف الأموال وهو توفيق عبد الحي الذي كان قياديًا بالتنظيم الطليعي وعضو الحزب الوطني الديمقراطي وكان مقربا من عثمان أحمد عثمان صهر الرئيس السادات لذلك لقب بفتى التنمية الشعبية المدلل وربما لا يعرفه القارئ باسمه على القدر الذي يعرفونه بشهرته “تاجر الفراخ الفاسدة”، استطاع عبد الحي العودة إلى البزنيس عبر وجوه مقبولة مجتمعيا والمشاركة في توظيف الأموال التي وجد فيها فرصة يجب اغتنامها، كان توفيق بارعًا في تطويع الإعلام لصالحه حتى قبل أن يترأس ثلاث صحف الجماهير، ،صوت الطلاب والحقائق، والاخيرة اصدرها في اليونان، وهاجم من خلالها الحكومات العربية.

وفي حوار أجرته صحيفة الشرق الأوسط مع توفيق بعد الحي من قصره المنيف في بلجيكا عام ٢٠٠١ عن ديونه أجاب بأنه وفق حكم محكمة أمن الدولة العليا ليس مدينا لأحد.، حيث جاءت ديونه بواقع المستندات الموقعة من المدعي الاشتراكي نفسه، عند خروجه من مصر هي ١٤ مليون جنيه، بينما الأصول والممتلكات بالمستندات نفسها فقد تخطت الـ ٢٥ مليون جنيه مصري،

أشرف السعد

هو الاسم الأكثر حضورًا ربما بسبب صراحته أو ظرفه الذي مكنه من البوح بكثير من الأسرار، اتخذ السعد من الريان مثالًا وقدوة واستطاع أن يحقق ثروة بالدعم نفسه الذي تجاوز حتى فتاوى الشيوخ إلى مشاركة نجوم المجتمع ولاعبي كرة القدم أمثال محمود الخطيب في حملاته الإعلانية وغير ذلك من الوزراء والمسؤولين الكبار، مثل يوسف والي، علي لطفي، صوفي أبوطالب، ورئيس الوزراء الأسبق الفريق كمال حسن علي.

ولم يُسدل الستار عن السعد إلا بعد إجهاض اتفاقه العملاق مع الريان كما ذكرت سابقًا وعرضه شراء هيئة النقل العام ما اعتبرته الحكومة وقتها محاولة للتحكم في مفاصل الدولة باعتبار النقل العام أمن قومي.

تاريخ المستريحين

 عدة النصب

إقرأ أيضا
منتخب الجامعات

اتخذ أصحاب شركات توظيف الأموال إلى جانب سطوة التحريم والترويج للفائدة الحلال، المظهر البدوي الإسلامي بهوية وهابية حتى في التسمية

فكانت أسماء شركاتهم معرفة بالألف واللام، الشريف، الريان، السعد، والهدى اقتداء بـ المبارك، الفيصل والأحمد وغيرهم وأطلقوا اللحى وحفوا الشوارب ولبسوا الجلابيب البيضاء الخليجي، وعطشوا الجيم وتحدثوا بلسان ليس كلسان حالنا وبالمال الوفير حصلوا على تأييد الكبار وغواية الصغار الباحثين عن لقمة عيش زيادة، طمعًا أحيانًا وقلة حيلة أحيانًا أخرى وفي الأحوال كافة كانوا مصدقين لحرمانية البنوك واصفينها بالربوية.

انكشاف (الملعوب)

تاريخ المستريحين

كان تأييد الحزب الوطني والحكومة وكبار المسئولين لشركات توظيف وتسخير وسائل الإعلام والصحف للدعاية والإعلان ناهيك عن دعم كبار رجال الدين، مبررًا منطقيًا لعدم الالتفات لتحذير أهل الاختصاص من الاقتصاد أو أقلام المفكرين كانت سطوة المليارات جارفة والنفوس ضعيفة والأفق ضيق، وقتها وصف المستشار جابر ريحان المدعي العام الاشتراكي شركات توظيف الأموال بأنها عبارة عن عملية نصب كبرى وأنه كان هناك تراخ من جهات عديدة حيال هذه الشركات، وأشار أمام اللجنة التشريعية بمجلس الشعب انه تبين لهم ان الـثمانية والثلاثين شركة التي كانت لدى المدعي العام الاشتراكي لم تحقق أي منها أرباحا تزيد على ٢ في المائة، ما جعله

يتساءل كيف يتأتى لهذه الشركات أن كانت تحقق وتسدد أرباحًا ما بين٢٠و٢٤ في المائة للمودعين إلا إذا كانت تأخذ أموالًا من هنا وتضعها هناك على طريقة بونزي.

في كتاب نصر حامد ابو زيد (نقد الخطاب الديني) ومعارضته سلطة النص المطلقة، تساءل أبو زيد لماذا يجب ان نحلل الخطاب الديني تحليلا نقديا و أشار إلى قضية توظيف الأموال والفضيحة التي ألمت بالمجتمع المصري والتي تم ترسيخها بفتوى من رجال الدين ومن السياسيين اللذين تشاركوا في الإعلان عن هذه الشركات وحمل هذا الخطاب المسئولية فقام الداعية عبد الصبور شاهين الأستاذ الجامعي مع اخرين بتكفيره حتى تم الحكم علية بالخروج من الملة وتفريقه عن زوجته والتي عرفت بالحسبة.

تاريخ المستريحين

 

وكان المفكر فرج فودة قد أصدر كتابه “الملعوب” في أكتوبر عام ١٩٨٨ ناقش فيه الأسباب التي مهدت لوقوع المصريين في فخ نصب شركات التوظيف وجاء على ذكر فتوى تحريم الربا وقال نقلًا عن الدكتور عبد الصبور مرزوق الذي عمل مديرًا لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة نقلًا عن أعلى هيئة إسلامية عالمية في المملكة العربية السعودية، وكيف تنازلت في إحدى السنوات عن فوائد بنكية بلغت خمسمائة مليون دولار في البنوك الأمريكية، فتم تحويلها إلى مجلس الكنائس العالمي، يكمل فودة واصفًا إحساسه بالغضب بل بالقهر مما يفعله بنا أغبيائنا لا أغنيائنا، حين يتنازل الغبي منهم عن عدد من الملايين لأنها فوئد نجسة ويرسل خطابًا مباركًا بهذا التنازل للبنك السويسري، ألم يكن أفضل أن يحصل فقراء المسلمين الذين يعانون من المجاعة في السودان أو الصومال، أريتريا أو بنجلادش، لا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى الملعوب – صورة الكتاب

تاريخ المستريحين

من يذهب إلى المحكمة يكسب قطة ويخسر بقرة

ظاهرة حيتان البنوك

تاريخ المستريحين
من أخبار روز اليوسف حول النصب على البنوك – 26 فبراير 1996

مع بدء ظاهرة شركات توظيف الأموال عن طريق الريان وأشرف السعد في ثمانينيات القرن الماضي، نمت ظاهرة مماثلة لكن لم تأخذ الشكل الديني وهي ظاهرة النصب على المواطنين والبنوك في آنٍ واحد.

تاريخ المستريحين
هدى عبدالمنعم

كان النموذج الأكثر فجاجةً على تلك الظاهرة هو نموذج هدى عبدالمنعم صاحبة شركة الهدى مصر للمقاولات عام 1986 م والتي جمعت 45 مليون جنيه كقروض من البنوك وأموال من الراغبين في ضمان شقة بمشروعاتها، وحققت ذلك بتسهيلات من كبار المسؤولين في البنوك المصرية، وبضمانات غير موثقة، لتهرب إلى اليونان وتأخذ أحكامًا قضائية وصلت إلى 60 سنة غيابيًا ومكثت في اليونان حتى 28 أغسطس 2009 عندما ألقي القبض عليها عند عودتها من اليونان وأخذت حكمًا بالسجن 5 سنوات لسقوط القضايا السابقة بالتقادم !.

كذلك قضية أخرى شهدتها مصر في التسعينيات وهي قضية علية عيسى العيوطي زوجة محمود عزام عضو مجلس الشعب والتي كانت تعمل عضوًا منتدبًا في بنك النيل وأدارت صفقات بالملايين من أموال الموادعين من خلال استخراج خطابات الضمان الوهمية للشركات الوهمية، ومع قرب المحاكمة سمح النائب العام رجاء العربي بسفر علية العيوطي إلى فرنسا للعلاج وظلت بها حتى الآن، في واقعة لم يتم كشف أسرارها حتى اليوم.

علية العيوطي
علية العيوطي

وبعيدا عن التسعينيات في منتصف العقد الماضي وتحديدا عام ٢٠١٦ خرجت امرأة أخرى في أحد مراكز المنوفية الشهيرة بصحبتها سكرتير لا يغادرها، المرأة لها سمت الهوانم لا تتحدث إلا قليلا : ميرسي.. بونجور

بينما يدير سكرتيرها كل أمور جمع الأموال من الناس في شركة الاستثمار التي شرح فكرتها للناس في المركز، الذي اعتمد أهله على سمعة السيدة التي تنتمي لأحد العائلات العريقة في المركز وتقيم في بيتهم الذي هجروه لعدة سنوات، وبعد جمع ٢٠٠ مليون جنيه في أسبوع واحد اختفى السكرتير وبقيت السيدة التي اكتشفوا بعد الهجوم عليها واقتيادها إلى مركز الشرطة أنها مصابة بمرض عقلي وغير قابلة للمساءلة القانونية وأن السكرتير خدعهم وهرب بالأموال وحده وتركها لهم خالصة مخلصة ولا عزاء للمغفلين.

صدق من قال ” رزق النصاب على الطماع”.

الكاتب

  • تاريخ المستريحين رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة

  • تاريخ المستريحين أسامة الشاذلي

    كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • تاريخ المستريحين وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
8
أعجبني
8
أغضبني
1
هاهاها
1
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (1)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان