تاريخ المعسل في مصر قبل 200 سنة “هكذا كان يتم تصنيعه وتدخينه”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أطلق الفرنسيين على التبغ اسم nicotina tabacnm واهتموا بدراسته بشكل مفصلٍ زمن الحملة البونابرتية على مصر سواءًا على مستوى الزراعة والصناعة ولم يتركوا حتى تفاصيل الشيشة وصناعتها.
تاريخ المعسل في مصر قبل قرنين من الزمان
كان عالم النبات ألير رافينو دوليل ضمن جنود الحملة الفرنسية وهو في سن ال20 عامًا وأعطى وصفًا ضافيًا لعملية صنع المعسل حينها، وطبقًا لوصف دوليل فإن المصريين زمن الحملة الفرنسية كانوا يستخدمون التبغ المدقوق وليس التبغ المفتت، وكان يتم خلطه بملح النطرون الذي هو مزيج من ملح كربونات الصديوم وبيكرونات الصوديوم وكلوريد الصوديوم وكبريتات الصوديم.[1]
أهمية ملح النطرون يوضحه دوليل فيقول «هذا الملح يجذب الرطوبة من الهواء وليس له تأثير ضار على الإطلاق».[2]
أما الهونات (جمع هون) فقد كانت من الخشب والمدقات المستخدمة بها متنوعة، إذ كان التبغ له مدقان بالغا الطول، ويكون الطرف العلوي من المدق أدق من الطرف الذي يسحق التبغ في الهون، بينما يزيد الطرف العلوي بفعل ثقله الكبير من سحق التبغ؛ وكانت تلك المدقات والهونات في عملية صناعة المعسل غير متشابهة مع المدقات والهونات التي يتم استخدامها في دق البن.
الرسم الفرنسي نيكولا جاك كونتيه كان هو الرسام الوحيد الذي أعطى خلفية لعملية تصنيع المعسل ودقه من خلال اللوحة رقم 52 من لوحات وصف مصر، المجلد الثاني للدولة الحديثة.
رسم نيكولا جاك كونتيه شكلين في تلك اللوحة وكان الشكل رقم 2 هو ما يخص دقاق تبغ المعسل في مصر زمن الحملة الفرنسية، بينما الشكل الأول كان عن الشوبكجي وهو نطق المصريين لصانع قاصب الغلايين.
يحتل بيير سيمون جيرار مهندس الطرق والكباري في الحملة الفرنسية صدارة علماء الحملة الفرنسية في وصف زراعة التبغ في مصر زمن الحملة الفرنسية.
تكلم جيرار عن التبغ كـ زرعة وأرض فقال «تُبْذَر بذور هذا المحصول مباشرةً بعد انحسار مياه الفيضان، وعندئذ لا تكون الأرض في حاجة لأية تجهيزات، وتبذر البذور أحيانًا في الربيع في نفس موسم الذرة، وعندئذ يتطلب الأمر حرث الأرض مرة أو مرتين، وكان الإردب الواحد من القمح يخرج من قيراطين بعد 40 أو 50 يومًا يصبح النبات قويًا».[3]
اقرأ أيضًا
أول شهداء مصر في الحملة الفرنسية “زوجين من العجمي كادا يقتلا نابليون”
أما حصاد التبغ فتحدث بعد ذلك بشهرين ونصف وكان يتم بعد قطع النبات على حشتين، كانت الحشة الأولى تتطلب مدة لا تقل عن 10 أيام ولا تزيد عن 12 يوم وكانت الحشة تنتج 20 حزمة من الورق المجفف بوزن 40 رطل، بينما تُنْتِج الحشة الثانية 6 حزم؛ ثم يتم عرض تلك الحِزَم في الشمس لمدة 8 أيام وبعد أن تجف الأوراق يتم حفظها داخل حُصُر (جمع حصيرة) ثم تتشكل حزم اسطوانية الشكل يتم تداولها في التجارة.
أداة تدخين المعسل في مصر زمن الحملة الفرنسية وتفاصيلها
غير معروف هل كان اسم الشيشة زمن الفرنسيين هو نارجيلة أو ناركيلة أو جُوُزَة، لكن الثابت أن صناعتها كانت فنًا شديد التعقيد بكل مكوناتها، وعالم الآثار الفرنسي ورسام الخرائط المهندسي آدم فرانسوا جومار أعطى جانبًا لشكل عملية صناعة الشيشة بتفاصيلها.[4]
كانت أداة النفخ هي من الخشب بأنواعه المختلفة فهناك خشب جوز وكريز ولليلك وياسمين، لكن الأكثر شيوعًا في زمن الحملة الفرنسية كان قصب الغاب، وأطلق عليه المصريين اسم بوص الدخان وكان طوله 19 سم، أما العامل الذي كان يقوم بثقب قصب الغلايين فكان اسمه الشوبكجي.
ماكينة ثقب الغيلان كانت على شكل قاعدة أو دولاب ويثبتها العامل بقدمه، ومزودة بسلك من النحاس الأصفر اسمها المثقاب، ويقوم العامل بإدخال السلك عن طريق مثقب في القصب الذي يمسك به هو في وضع رأسي بيده اليسرى، ثم يتوغل المثقب في القصب شيئًا فشيئًا حتى يبلغ طرفه، ثم يتم تفريغ القصب من تلقاء نفسه دون أن يضيع العامل وقته في تنظيفه، حتى أن هذه العملية تتم في دقيقة أو دقيقتين.
وكان العامل يستخدم قالب حجر يصوب عليه القصب بعد إتمام ثقبه، ثم يزدان القصب المصنوع من الخشب بحرير وفي القاعدة خيوط من فضة وحرير مجدولة ومتداخلة، وتتفاوت درجة البذخ بحسب حال مقتنيه وفى بعض الأحيان يتم صنعه من جزئين، حتى يصبح حمله أكثر يسرًا، وحين يراد التدخين، يوصل الجزءان عن طريق لولب.
الشيء الذي لفت نظر جومار هو أن العمال كانوا حفاة أثناء عملهم، إذ قال «تعود المصريين على استخدام أقدامهم، وتكاد تكون هذه العادة وخاصة بكل عامل، ويمكننا أن نعزوها إلى أن الناس من أهل البلاد، هم في معظم الأحيان حفاة، ومن هنا تواتيهم فرص عديدة لاستخدام أقدامهم في أغراض متنوعة، فحيث تكون أصابع القدم حرة، معرضة دوما للهواء، ونظيفة على الدوام، ومغسولة جيدًا، فإنها تحتفظ بمرونتها وحركتها الطبيعيتين، كما تكتسب القوة بفعل الممارسة الدائمة، وهو نفس ما يحدث لكل الأعضاء التي تتلقى تدريبها دائمًا، وتبلغ مهارة بعض العمال حد أنهم يمسكون بأقدامهم أدواتهم، ليحفظوها في مكان ما، بل يذهبون بها إلى المكان المطلوب، ويضيف المصريون إلى هذه الميزة، ميزة أخرى هي أنهم يبقون أقدامهم وأظافرهم على شكل طيب».
[1] محرر، ما هو ملح النطرون، شبكة الشفاء العالمية، 19 سبتمبر 2020م.
[2] علماء الحملة الفرنسية، لوحات وصف مصر، ترجمة:- زهير الشايب، ط/3، دار الشايب للنشر، القاهرة، 1415هـ / 1994م، ص232.
[3] بيير سيمون جيرارد، وصف مصر، ج4، ترجمة:- زهير الشايب، ط/2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1978م، ص95-96.
[4] علماء الحملة الفرنسية، لوحات وصف مصر، ترجمة:- زهير الشايب، ص232.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال