تاريخ حقيقي أظهرته الحلقة 9 من الحشاشين “خلاف نظام الملك وملكشاه ومراسلة الباطنية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تصاعدت أحداث الحلقة 9 من الحشاشين حيث أظهر المسلسل الذي تذيعه قنوات الشركة المتحدة ويبث على منصة Watchit خلاف نظام الملك وملكشاه واحتدام التوتر بينهما، جنبًا إلى جنب مع تنامي قوة الباطنية ووقوع الصدام بينهم وبين السلاجقة؛ وخلال أحداث المسلسل ظهرت مجموعة من الأحداث التاريخية وصل عددها إلى 4 وقائع تاريخية.
تقليد نظام الملك من مضحك السلطان .. تاريخ مأساوي
خلال أحداث الحلقة 9 من الحشاشين ظهر السلطان ملكشاه وهو يطلب من مُضْحكه أن يقوم بتقليد نظام الملك، في شكلٍ يُظْهِر أجواء التوتر بين نظام الملك والسلطان ملكشاه؛ هذا المشهد مستوحى من حدث تاريخي حقيقي ومأساوي، فقد تم تقليد نظام الملك بالفعل وانتهى الأمر بقتل ابنه جمال المُلْك في نوفمبر 1082م / رجب 475هـ.
يحكي بن الأثير في تاريخه[1]، أن مَسَخَرَة (مُهَرِّج = مُضْحِك) السلطان ملكشاه كان اسمه جعفرِك ويقوم بتقليد نظام الملك في خلواته مع السلطان، ووصل الأمر إلى جمال الملك حاكم مدينة بَلْخ، فترك دار حكمه وذهب إلى والده والسلطان في أصبهان، وكان في استقباله أخويه فخر الملك ومؤيد الملك، وحدثت مشادة بينه وبينهما بسبب تغاضيهما عن ما يفعله جعفرِك، ثم ذهب إلى البلاط ووجد السلطان وعلى يساره مضحكه، فقال للمهرج: مثلك يقف هذه الموقف وينبسط بحضرة السلطان في هذا الجمع؛ ولما خرج المهرج من القصر أمر جمال الملك بالقبض عليه وإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات.
لم يفوت السلطان ملكشاه ما حدث وكان الرد هو قتل جمال الملك، ففي يوم ذهب جمال الملك مع أبيه والسلطان ملكشاه إلى خراسان وأقاموا في نيسابور ثم لما أرادوا العودة إلى أصبهان سبقهم نظام الملك لهناك، وأحضر السلطان حاكم خرسان وسأله: أيهما أحب لك ؟ رأسك أم رأس جمال الملك، فقال: رأسي، فرد عليه ملكشاه: لئن لم تفعل في قتله لأقتلنك، فاجتمع عميد خرسان مع خادم لجمال الملك وطلب منه تسميمه، وهو ما حدث، فلما مات جمال الملك أسرع ملكشاه إلى نظام الملك وأعلمه بموت ابنه وعزه قائلاً: أنا ابنك، وأنت أولى من صبر واحتسب.
خلاف نظام الملك وملكشاه
وعلى ذكر توتر العلاقة بين نظام الملك وملكشاه التي أظهرتها الحلقة 9 من الحشاشين فإن المسلسل وإن لم يتطرق تفصيلاً لذلك التوتر، لكنه مستوحى من التاريخ الحقيقي لما حدث.
ففي الأساس كان ملكشاه ينفر من نظام الملك خصوصًا في الفترة الأخيرة من حياة الأخير، فقد وصل نظام الملك إلى سن السابعة والسبعين، ولكبر سنه استعان بأبنائه وأقاربه في إدارة أقاليم الدولة السلجوقية، وقاموا بإساءة استخدام مناصبهم فطغوا وابتعدوا عن جادة العدل، وكانت تلك فرصة سانحة لمنافسي نظام الملك وحساده ليدسوا بينه وبين السلطان؛ ويضاف إلى ذلك السبب سبب آخر لتوتر العلاقة وهو أن والي مرو اشتكى للسلطان ملكشاه من عثمان بن جمال الملك حفيد نظام الملك والذي دار خلاف بينه وبين عثمان فحبسه عثمان ليشتكيه للسلطان، وعزم الأخير على عزله لكنه خشية من نفوذ نظام الملك أرسله له خطابًا شديد اللهجة مع اثنين من أعداءه هما تاج الملك الشيرازي ومجد الملك القمي.[2]
كانت الرسالة بين الاثنين قوية وعنيفة، فالسلطان قال له: «إن كنت شريكي في الملك، ويدك مع يدي في السلطنة، فلذلك حكم، وإن كنت نائبي، وبحكمي، فيجب أن تلزم حد التبعية والنيابة؛ ليرد عليه نظام الملك بقوله: قولوا للسلطان إن كنت ما علمت أني شريكك في الملك فاعلم، فإنك ما نلت هذا الأمر إلا بتدبيري ورأيي».[3]
وبمناسبة الحلقة 9 من الحشاشين فإن مشهد حب السلطان ملكشاه للصيد حقيقي ومستوحى من وقائع تاريخية، فقد كان ملكشاه يعشق الصيد لدرجة أنه لما لم يُطِق الحزن على وفاة ابنه داود سنة 1081م / 474هـ خرج للصيد في نفس الوقت الذي أمر بالنياحة عليه في البلد.[4]
خلاف ملكشاه مع الخليفة العباسي بسبب ابنته
من أوجه توتر العلاقات بين نظام الملك وملكشاه في الحلقة التاسعة من الحشاشين هو سخط ملكشاه على الخليفة العباسي بسبب توتر العلاقات بينه وبين زوجته التي هي بنت ملكشاه.
اقرأ أيضًا
قصة زواج الخليفة العباسي وبنت ملكشاه “زيجة بائسة وملعونة أشار لها مسلسل الحشاشين”
الصدام بين ملكشاه والخليفة العباسي لذلك السبب حقيقيًا وحكاه بن بن الجوزي في تاريخه أن المقتدي كان يهجر زوجته ويُعْرِضُ عنها، وانتهى الأمر بالفراق بينهما سنة 1089هـ / 482هـ[5]، وبعد أن غادرت منزل زوجها ماتت بالجدري، وقد فسر ملكشاه ذلك بأن بنته ماتت كمدًا فأراد الانتقام من المقتدي وكاد أن يعزله عن الخلافة العباسية بعدها لولا وفاته المفاجئة في صفقة سياسية يطول شرحها وواردة في كتب التاريخ المشهورة مثل البداية والنهاية.[6]
الحروب السلجوقية الجورجية في عهد ملكشاه
من الأحداث التي ظهرت في الحلقة 9 من مسلسل الحشاشين حروب السلطان ملكشاه مع جورجيا، ويحسب للمسلسل إظهاره شيء مغمور في تاريخ السلاجقة العسكري زمن ملكشاه.
فمن الحملات التي شنتها الدولة السلجوقية على جورجيا، حملة أحمد بن الدانشمند لغزو جورجيا بأمر ملكشاه عام 1080م / 473هـ، وحقق انتصار كبير عليهم واستولى على مدينة قرص بعد أن هزم الملك جورج الثاني وأجبره على الفرار لأحد الجبال، وأدت هذه المعركة إلى ردع أطماع القوى الأخرى فالتزم الجورجيون الهدوء وعدم الإغارة على الأراضي الإسلامية خشية من بطش ملكشاه.[7]
المراسلات بين السلطان وحسن الصباح
سياسة ملك شاه تجاه حسن الصباح تقوم على المهادنة في أحيان والمقاومة في أحيان؛ فمثلاً بعد استيلاء الحشاشين على قلعة ألموت بدأ بمناظرتهم عن طريق الفقيه أبو يوسف يعقوب بن سليمان، ثم كانت بين ملك شاه وحسن الصباح رسائل، ولما لم تحقق هذه المناظرة أهدافها بدأت المواجهات العسكرية.
كانت رسالة السلطان التي ظهرت بنصها في مسلسل الحشاشين مستلهمة من النص الحقيقي الذي يقول «أنت حسن صباح قد أظهرت ديناً وملة جديدة فأغريت الناس وخرجت على ولي عصرك، فجمعت حولك بعض سكان الجبال ثم أغويتهم بكلامك حتى حملتهم على قتل الناس وطعنت في الخلفاء العباسيين الذين هم خلفاء الإسلام وبهم استحكم قوام الملك والملّة ونظام الدين والدولة، فعليك أن ترجع عن هذه الضلالة وتكون مسلماً وإلا فقد عينت لك جيوشاً وأرجأت توجهها حتى تجيء إلينا أنت وجوابك، وحذار حذار على نفسك ونفوس تابعيك فارحمها ولا تلقها في ورطة الهلاك، ولا تغتر باستحكام قلاعك ولتعتقد حقيقة أن قلعة (ألموت) المستحكمة لو كانت برجاً من بروج السماء لجعلتها أرضاً يبابا ولساويتها مع التراب بعناية الله تعالى»[8]، ورد حسن الصباح برسالة طويلة شرح فيها مبادئه وطلب من السلطان عدم المواجهة وعدم الإنصات إلى نظام الملك.[9]
ويحكي بن الجوزي في تاريخه ردًا آخر بعث به حسن الصباح لملكشاه فقال أن «ملك شاه بعث برسالة إلى بن الصباح يطلب منه التوقف عن قتل العلماء والأمراء ويدعوه للطاعة، فقال حسن الصباح للرسول: الجواب ما ترى، ثم قال لجماعة وقوف بين يديه: أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: اقتل نفسك، فجذب سكينه وضرب بها غلصمته (اللحم بين الرأس والعنق) فخر ميتا، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة، فألقى نفسه فتمزق، ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي، وهذا هو الجواب».[10]
[1] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، ج8، ط/1، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1997م، ص ص281–282.
[2] عبدالنعيم حسنين، سلاجقة إيران والعراق، ط/1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ـ مصر، 1959م، ص ص75–77.
[3] ابن العبري، تاريخ مختصر الدول، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1418هـ / 1997م، ص168.
[4] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج8، ص280.
[5] جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج16، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412هـ / 1992م، ص281.
[6] ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ج16، ط/1، دار هجر للطباعة، القاهرة، 1418هـ / 1997م، ص123.
[7] فتحي سالم اللهيبي، مملكة جورجيا في العصور الوسطى .. دراسة في نشأتها وعلاقاتها الخارجية، ط/1، دار غيداء للنشر والتوزيع، 1436هـ / 2015م، ص ص160–161.
[8] علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، ط/1، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة ـ مصر، 1427هـ / 2006م، ص ص111.
[9] المرجع السابق، ص ص112–115.
[10] ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج17، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1412هـ / 1992م، ص64.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال