هل توقف الطواف حول الكعبة 40 مرة “أخطاء تغطية المواقع لأخبار كورونا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أعلنت السلطات السعودية رسميًا توقف الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة كإجراء احترازي لمواجهة عدوى فيروس كورونا، لحين انتهاء عمليات التعقيم.
اقرأ أيضًا
كورونا في مصر وخبر تأشيرة الكويت الكاذب “السخرية لا تقتل الفيروس أحيانًا”
بمجرد نشر الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لبيان توقف الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، بادرت المواقع الإخبارية المصرية والعربية بعمل تقارير وأخبار عن تاريخ تعطل المناسك، ووقعت أغلب هذه المواقع في أخطاء تاريخية فجة.
سؤال قبل سرد الأخطاء .. منذ متى وهناك حج في شهر رجب ؟
اسطمبة واحد جمعت عناوين المواقع وهي اسطمبة “توقف الحج”، فأغلب المواقع كانت عناوينها “مواسم تعطل فيها الحج قبل فيروس كورونا”، وهو شيء غير مفهوم، فالحج ليس له صلة بشهر رجب، وحتى على فرض أنهم يستبقون الأحداث بتوقع تعطل موسم الحج هذا العام بسبب كورونا، فهذا توقع ليس في محله لأن الحج سيكون بعد 5 أشهر، ولم تعلن السعودية من قريبٍ أو بعيدٍ أي شيء عن الحج وإنما أعلنت عن تعقيم ليس له صلة بالحج أصلاً.
أربعينية توقف الطواف حول الكعبة “الكوبي بيست يورط المواقع”
اتفقت كل المواقع المصرية والعربية على شيءٍ واحد وهو أن توقف الطواف حول الكعبة حدث 40 مرة على مدار التاريخ في ظروفٍ متشابهة مع حدث كورونا 2020، وسردت المواقع أحداثٍ تاريخية، الصحيح منها واقعة واحدة والباقي خاطئ في الاستدلال، بل وهناك أيضًا أحداث لم تذكرها المواقع أصلاً.
سبب خلط المواقع والخطأ الذي وقع فيه الصحفيين، أنهم لم يفرقوا بين نوعين من التوقف، أحدهما هو الكُلِّي ومعناه أن جميع المسلمين من كل دول الإسلام ممنوعين من الطواف، أما الآخر فهو التوقف الجزئي الذي يسري على مسلمي دولة بعينها دون دول أخرى وهو ما لا يتوائم مع ظروف كورونا.
تاريخيًا فإن التوقف الكلي للطواف الذي نجم عن سبب قهري كـ فيروس كورونا لم يحدث إلا 3 مرات فقط على مدار التاريخ لظروف سياسية وليس 40 مرة كما قالت المواقع الإعلامية المختلفة.
التوقف الكُلِّي الأول كان لبضعة أيام حين قام الحجاج بن يوسف الثقفي بضرب الكعبة لإزاحة دولة عبدالله بن الزبير التي تناطح دول عبدالملك بن مروان الأموية في السلطة، وكان هذا عام 693 م.
التوقف الكُلِّي الثاني فكان زمن الدولة العباسية وهو الأطول من حيث المدة إذ استغرق نحو 9 سنوات بدءًا من عام 930 م، وذلك بسبب القرامطة الذين قتلوا 30 ألف حاج مسلم وسرقوا الحجر الأسود لمدة 22 سنة.
أما التوقف الكلي الثالث والأخير فكان عام 1979 م واستغرق 15 يوم حيث قامت جماعة جهيمان العتيبي بالاستيلاء على الحرم المكي لإعلان المهدي المنتظر وفشلت الدولة السعودية في السيطرة حتى استعانت بقوة أجنبية وحررت الحرم المكي بقوة السلاح وقُتِل في تلك الفترة مالا يقل عن 5 آلاف شخص وفق تقرير بول باريل قائد القوة الفرنسية التي حررت الحرم.
بينما المرات التي توقف فيها الطواف حول الكعبة جزئيًا فوصل عددها إلى 97 مرة لأسباب لا تتشابه مع فيروس كورونا وإنما لأسباب تتعلق بأمن الطرق والأمطار، ولم تشمل كل مسلمي العالم وإنما شملت مسلمي دول معينة، وبل وطالت في بعض الأحيان مسلمي شبه الجزيرة، مثل قرار شريف مكة الذي قضى بمنع وهابية نجد من الحج عام 1749 م.
داء الماشري .. هل هو توأم كورونا ؟
تكلمت كل المواقع الإخبارية عن مرض الماشري الذي تفشى سنة 337 هـ الموافق 967 م، ومنع المسلمين من الحج، وأشارت المواقع إلى أنه وباء يشبه وباء كورونا، واستدلت بما ذكره بن كثير في البداية والنهاية حيث قال «فيها (يعني 337) عرض للناس داء الماشري فمات به خلق كثير، وفيها: مات أكثر جمال الحجيج في الطريق من العطش، ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج».
أخطأت المواقع في الاستدلال بما قاله بن كثير، إذ أن تفشي مرض الماشري لم يؤثر على موسم الحج ولم يشير بن كثير إلى ذلك أصلاً وإنما قال أن الماشري تفشى في الناس، أما موت الجمال فكان بسبب العطش وليس الداء، والدليل على ذلك أنه نص على الحج في آخر سطر إذ قال «مات أكثر من وصل منهم بعد الحج» أي أن هناك حج قد جرى.
دليل آخر ينص على أن الماشري لم يمنع المسلمين من الطواف كفيروس كورونا، وهو موجود في كتاب «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» لـ أبي الطيب المكي حيث قال «وفيها (يعني 337 هـ) لم يحج أحد من الشام ومصر»، أي أن دولاً معينة لم تحج بسبب داء الماشري، وليس كما قالت المواقع.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال