تونس .. 6 سيناريوهات تنتظر التعقيدات فهل يحدث الحوار الوطني ؟
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
زاد التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشى في 16 يناير 2021 من مأساوية الوضع داخل تونس حيث تتراكم الأزمات سياسيا بين القوى المختلفة على المستوى البرلماني وكذلك بين رؤساء المؤسسات في تونس (الجمهورية والبرلمان والحكومة).
الأمر الذي يطرح عددًا من التساؤلات حول رؤى ومصالح القوى المختلفة داخل تونس، وكيف تؤثر هذه المصالح المتضاربة على وضع الدولة الوطنية، وإلى أين تسير الأمور داخل تونس في ظل تأزم وتعقد المشهد؟
مشهد معقد
ذكر تقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الخلاف تفاقم بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي بعد التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشى والذى شمل 11 وزارة. وتتشكل الحكومة من 26 حقيبة وزارية، وقد سبق هذا التعديل إقالة عدد من الوزراء منهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين، ووفقًا لما هو معلن أن السبب وراء ذلك هو قيامه بتعديلات داخل المؤسسة الأمنية طالت عددًا من القيادات دون أخذ رأى رئيس الحكومة.
ويعد شرف الدين من الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد، وقد تم اختيار وليد الذهبي بدلًا منه، وكان هناك اعتراض وغضب في الشارع التونسي حوله؛ نظرًا لتورطه في قضايا فساد ومساندة جمعيات تدعم الإرهاب، بجانب أنه مقرب من تيار الإخوان في تونس.
ويتضح من جلسة التصويت التي عقدت في البرلمان في 26 يناير2021 دعم التيارات الإخوانية والمتحالفة معها للتحوير الوزاري، لاسيما النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة. ورفض المعارضة مثل الحزب الدستوري الحر والكتلة الديمقراطية، وهو ما أدى إلى منح الثقة بأغلبية معقولة من قبل هذه الكتل، ويوضح الشكل التالي دعم الكتل للوزير الذي أثير حوله جدل كبير.
وقد أثار التعديل الوزاري جدلًا دستوريًا وأزمة سياسية مع رئيس الدولة؛ إذ رفض الرئيس قيس سعيد التعديل الوزاري، مؤكدًا مرة ثانية خلال لقائه بنور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي في 3 فبراير 2021 موقفه الثابت فيما يتعلق بالتحوير الوزاري والقائم على احترام الدستور، قائلا ” هذه المرة يريدون أن يضربون ضربة يدخلون بها إلى باردو أو القصبة”، وهي إشارة ضمنية إلى النهضة.
وقد سبق وأكد سعيد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي في 25 يناير2021 وبحضور كل من رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ووزراء الدفاع والعدل “إن بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلق بهم قضايا وملفات تضارب مصالح. وأن من تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين، مشيرًا إلى أن أداء اليمين ليس إجراءً شكليًا بل هو إجراء جوهري”.
وتعد هذه الكلمات ردًا على تصريحات الغنوشي الذي قال إن دور الرئيس قيس سعيد رمزي، وأن هناك حاجه إلى نظام برلماني كامل وأن تكون السلطة التنفيذية في يد الحزب الفائز في الانتخابات، وهو الذي يقدم رئيسًا للوزراء. وذلك لأن النهضة هو الحزب الفائز في الانتخابات.
هناك عدد من الدلالات التي تأتى في سياق تصريحات الغنوشي والتي تؤكد رغبة وطموح النهضة في السيطرة على الحكم في تونس، ويدلل ذلك دعمها لرئيس الحكومة في إجراء تعديلات وزارية، إضافة إلى محاولات تحجيم دور الرئيس قيس سعيد في النظام السياسي ورغبة في الإطاحة به، واتضح ذلك في الرسائل البريدية المرسلة إلى قيس سعيد في 25 يناير 2021، والتي تمثلت في ظرف لا يحمل اسم المرسل وعند فتح الظرف من قبل مديرة الديوان الرئاسي، تعكر وضعها الصحي وشعرت بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر، فضلًا عن صداع كبير في الرأس، وبالتالي يؤكد ذلك محاولة التخلص من قيس سعيد.
رسائل قيس سعيد
قام الرئيس في سبيل مواجهة الأزمة الحالية بزيارة في 2 فبراير 2021 إلى وزارة الداخلية بحضور وزير الداخلية بالنيابة ورئيس الحكومة السيد هشام المشيشي ومدير عام الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني ومدير عام وحدات التدخل وكاتب عام الوزارة، رئيس الديوان بالنيابة، مؤكدًا خلال هذه الزيارة أن الدولة موجودة والحريات مضمونة وليس هناك علاقة عداء بين الأمنيين والمواطنين، مشددًا على أنه لن يقبل أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية، ولا يقبل بضرب الحريات، فلا نظام بلا حريات ولا دولة بلا أمن.
وفى إشارات إلى رغبة البعض ومنها النهضة إلى توظيف المؤسسة الأمنية واستغلال الأوضاع الحالية لفائدتها، أكد سعيد ثقته في وعى الشعب التونسي، وضرورة توحيد العمل النقابي من خلال إنشاء اتحاد عام لقوات الأمن الداخلي تكون له هياكل ممثلة عن طريق الانتخاب، وهو المقترح الذي كان تقدم به رئيس الدولة منذ 2012.
6 سيناريوهات مستقبلية
يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوهات في إطار المشهد المعقد داخل تونس
الأول سيناريو عدم استقرار الدولة وانجرافها إلى وضع يشبه الوضع في دول ليبيا واليمن وهو السيناريو الكارثي في ظل وضع مأزوم في المنطقة. وهو محتمل بشكل كبير في ظل تزايد الاحتجاجات وعدم استقرار الوضع الاقتصادي والصحي بعد الثورة التونسية واستمرار الصراع السياسي في الدولة.
الثاني حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ويدعم ذلك حاله الاحتقان في الشارع التونسي من سياسات رئيس البرلمان وحزبه النهضة الذي تراجعت شعبيته، وهذا السيناريو تتخوف منه النهضة، وهو قابل للتحقق.
الثالث إلغاء التعديل الوزاري نظرًا لأن التعديل المطروح يخالف الدستور، وأن السلطة التنفيذية موزعة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة وهناك اعتراض من قبل الرئيس، وبالتالي يؤدى ذلك إلى عرقلة إدارة أمور الدولة.
أو سيناريو سحب الثقة من حكومة المشيشي لكن يتطلب ذلك ووفقا للمادة 97 من الدستور، موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفس التصويت ويتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة.
إلا أن ذلك السيناريو ضعيف التحقق نظرًا لأن المشيشي يحظى بدعم من قبل النهضة (53 نائبًا) وقلب تونس (29 نائبًا) وائتلاف الكرامة (18 نائبًا) وبالتالي لن يتم سحب الثقة منه في ضوء هذه الأغلبية، إلا في حالة تشكل أغلبية معارضة داخل البرلمان تطيح بالحكومة.
أما في حال استقالة هشام المشيشى رئيس الحكومة، فإن المادة 100 من الدستور تنص على “يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الحاكم بتكوين حكومة خلال شهر وعند تجاوز المدة دون تكوين الحكومة أو عدم حصولها على الثقة يكلف الرئيس الشخصية الأقدر لتولى الحكومة، وتحصل على الثقة من مجلس النواب”. سوف يواجه هذا السيناريو تحديات وعرقلة من قبل النهضة، وبالتالي سوف تستمر الأزمة، كما حدث مع الحكومات السابقة.
الرابع إجراء تعديلات دستورية في ظل الدعوات المطروحة لتغيير شكل نظام الحكم في تونس، والثغرات التي يعاني منها الدستور والذي يمنح سلطات واسعة لرئيس البرلمان في حين أن هناك سلطات محدودة لرئيس الدولة، يحق لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر، وفقا للمادة 143 من الدستور.
لكن سوف يواجه ذلك عائق غياب المحكمة الدستورية، ووفقًا لنص المادة 144 من الدستور كل مبادرة لتعديل الدستور يجب عرضها من قبل رئيس مجلس النواب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي بها وينظر المجلس في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة.
الخامس تغيير نظام الحكم في تونس ووصول الغنوشي إلى رئاسة الدولة هناك طموح من قبل النهضة لتغيير النظام إلى نظام برلماني وقد سبق ودعم مجلس شورى النهضة في 2012 فكرة النموذج البرلماني ثم دعمت بعد ذلك فكرة النظام المختلط والذي تكون فيه صلاحيات السلطة التنفيذية محدودة. فضلًا عن أن هذا النظام يضمن لها نفوذ في الدولة، وتمثل النهضة أغلبية داخل مجلس النواب ويترأس الغنوشي زعيم حركة النهضة رئاسة البرلمان.
وفى ضوء الأزمة الحالية تعمل النهضة وحلفاؤها قلب تونس وائتلاف الكرامة على تكرار سيناريو سابق أثناء التعديل الوزاري في حكومة يوسف الشاهد ورفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لذلك التعديل، وبالتالي يرتب ذلك تصاعد الخلاف بين رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس الحكومة المشيشي، ومن ثم يكون المشيشى أداة النهضة لتنفيذ مخططها في تونس
السادس عزل الرئيس قيس سعيد هو السيناريو الأقل حدوثًا نظرًا لوجود ظهير شعبي للرئيس، واتضح ذلك خلال الجولة التي قام بها سعيد إلى شارع الحبيب بورقيبه في تونس ولقائه بعدد من المواطنين مستمعًا إلى مشاكلهم، وقد عبروا عن ثقتهم ودعمهم للرئيس، وطالبوه بسرعة تحركه لمواجهة الأزمة الحالية، وشدد سعيد على أنه “لن يترك الدولة ولا الشعب التونسي لقمة سائغة للمتربصين بالدولة”. وهناك قوى سياسية داعمة للرئيس لها وزنها في الشارع التونسي منها الاتحاد العام التونسي للشغل وبعض الكتل مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي.
والحالة الوحيدة التي يتم فيها عزل الرئيس هي حالة خرقه للدستور وفقا لنص المادة 88 “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه وفى هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل ولا يعفى ذلك من التبعات الجزائية عند الاقتضاء ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى”. كما يصعب تحقق هذا السيناريو في ظل غياب المحكمة الدستورية.
ختاما؛ يبقى أمام تونس عقد جلسة للحوار الوطني بين مختلف الكتل والمؤسسات حتى تستقر الدولة، ووضع خطة واستراتيجية لمواجهة أزماتها وتنحية الخلافات السياسية لبقاء الدولة الوطنية.
الكاتب
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال