همتك نعدل الكفة
228   مشاهدة  

جعلوني سياسيًا.. نشأة عمرو موسى من وحي ذاكرته

السياسي والدبلوماسي عمرو موسى


إذا ما سألتك يومًا “من يمكنه الحديث عنك وإطلاعي على بعضٍ من حياتك والتجارب والخبرات التي مررت بها، فحتمًا سيكون جوابك “أنا، فليس ثمةً أحد يطلع على كل تفاصيل حياتي”، لذا حين قررت التعرف عن كثب على الرجل السياسي والدبلوماسي بامتياز “عمرو موسى” صاحب الحجج الدامغة والمواقف الصارمة التي ظل فيها مقاتًلا مغورًا كمواجهته سياسة الاستيطان الإسرائيلي في شتى المناصب التي تقلدها.

آخر هذه المواقف كانت الكلمة التي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني

من أيامٍ قلائل بحضور رئيس مجلس الوزراء وعدد من السفراء وقرابة 2000 مواطن من شتى المحافظات والانتماءات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وطرح فيها بعض التساؤلات التي تؤرق المواطنين في الآونة الأخيرة بكل ثبات، ما أثارت حالة من الجدل وتبادل الآراء هزت مواقع التواصل الاجتماعي، فلم أجد بُد إلا أن اتمحص في مذكراته “كتابيه” التي دونها من وحي ذاكرته، لاقتبس منها مقتطفات عن نشأته التي كانت سببًا رئيسًا في مسيرة حياته الحافلة بالإنجازات.

 

 

 

مذكرات عمرو موسى.. الجزء الأول
مذكرات عمرو موسى.. الجزء الأول

 

نوستالجيا “عمرو موسى”

استفتح “عمرو موسى” الجزء الأول من مذكراته، بحنينه للماضي بعد إخطاره من قِبل “زكريا عزمي” رئيس ديوان الجمهورية، في 15 مايو 2001م بتعيين وزير خارجية جديد بديلًا عنه، حيث مرت أمامه مسيرة حياته كشريط سينمائي على حد تعبيره قائلًا “ولدت في الثالث من أكتوبر من سنة 1936م، في حي منیل الروضة بالقاهرة، وكان من الأحیاء الهادئة، التي تُقبل على السُكنى فیها الطبقة المتوسطة في ثلاثینیات وأربعینیات القرن الماضي”، مُعدِدًا مناظر هذا الحي التي باتت ذكرياتها عالقة في مخيلته من أشجار وارفة الظلال، الشوارع الواسعة، الشعور بالأمان، والنيل الذي لطالما اصطحبته والدته للتنزه على ضفافه.

 

نشأة معجونة بالحياة السياسية

نشأ “موسى” في أجواءٍ يرجع لها الفضل في تنشئة هذا العقل السياسي الموزون، حيث كان منذ نعومة أظافره لديه شغف كبير بالسياسة والسياسيين ومتابعًا للشأن السياسي، ويفسر ذلك قوله “والدي وجدي وبعض أخوالي وأزواج خالاتي، وأقاربي من جهة والدي ووالدتي، كانوا إما نوابًا وإما نوابًا سابقین في البرلمان، وإما نشطاء في الحیاة السیاسیة الحزبیة والمجتمعیة في مصر خلال هذه الفترة”، وكان والده الدكتور محمود أبو زید موسى، الذي دخل مجال السیاسة بعد عودته من فرنسا وتخرجه في جامعة لیون وانتخب نائبًا في مجلس النواب عن حزب الوفد في أواخر العشرینیات وأوائل ثلاثینیات القرن الماضي، وكان مقربًا من زعیم الوفد التاریخي مصطفى النحاس باشا، بالإضافة إلى تراود أشهر أعضاء الحزب على منزلهم، كما أن جده الأكبر البرلماني العتید “عثمان الهرمیل” ، وهو عضو في “مجلس شورى القوانین”، الذي تَّم تشكیله سنة 1899م في عهد الخدیوي توفیق، مضيفًا أن والدته “ثريا حسين الهرميل” كانت لها دور في ذلك أيضًا حيث كانت تحدثه وهو في أولى سنوات عمره على أهمية المؤسستين “مجلس الوزراء والبرلمان”، اللتين كانتا مجاورتين لمسكنهم الجديد بأحد شوارع القصر العيني وكانت نوافذ المنزل تطل عليهما.

 

ما بين “محلة مرحوم” و”بهادة”

وفي الخامسة من عمره، اضطر هو وأسرته للانتقال إلى قرية “محلة مرحوم” بمحافظة الغربية للإقامة بمنزل جده لوالدته، وذلك تبعًا لمرض والده بمرض الفالج الذي يتطلب لحالته الهواء النقي والبعد عن التوترات فكان العيش في الريف هو أفضل اختيار، ووصف موسى حیاته في هذه الفترة “كانت ملیئة بالتحرك والتنقل في محیط مدیریة الغربیة وما حولها، فهناك دعوات غداء وعشاء متبادلة بین السیاسیین والنواب، وكنت أحضرها مع جدي -نائب عن دائرة محلة مرحوم وبعض القرى المجاورة-، الذي كان حريصًا جدًا على أن أصحبه في معظم جولاته السیاسیة والاجتماعیة”، بما في ذلك زیارة النحاس باشا، وكبار رجال الوفد منهم مكرم عبيد باشا، وفؤاد باشا سراج الدين، مشيرًا إلى أن والدته كانت حريصة على زيارته لعائلة والده -عائلة عربية النسب- في قرية بهادة بالقليوبية وقضاء أوقات الأجازة الصيفية هناك، موضوحًا “بهادة أصغر من محلة مرحوم، لكن أوضاع عائلة أبي وعائلة أمي في القریتین متشابهة جدًا، فكما الحال في محلة مرحوم، فإن عمدة بهادة من عائلة والدي، وكذلك النائب عن الدائرة في البرلمان، ومشایخ البلد أيضًا”.

 

احتضان الجَد.. العوض بعد الفاجعة

سنة 1945م توفى والد “عمرو موسى”، لكن جده كان سندًا ومربيًا معبرًا عن ذلك بقوله “وجود جدي في حياتي خفف نسبيًا وقع غياب الأب على نفسي، فقد أولاني هذا الرجل العظیم عنایة ورعایة خاصتین، لم يحظَ بهما أي من أحفاده الآخرين”، حيث لاحظ جد “موسى” نبوغه في المدرسة الإلزامية، وإتقانه القراءة والكتابة، بجانب أنه كان مفوهًا وذلك ما صرح به قائلًا “الواقع أنني لم أتعرض لما یسمونه في أدبیات علم النفس “الُّرهاب الاجتماعي”، أو الخوف من الحدیث أمام الجماهیر، وهو أمر لا غنى عنه لكل من یرید أن یكون فاعلًا في الحیاة العامة”.

 

التنشئة.. بين التعليم والتقويم السلوكي

التحق بمدرسة طنطا الابتدائیة الأمیریة وكان متفوقًا، وبنفس المدرسة حصل على الشهادة الثانوية لكنها تحت مسمى “طنطا الثانوية الجديدة” التي فضّل فيها دخول القسم الأدبي حسب ميوله، وعن هذه الفترة من العمر قال ” كنت تحت رقابة شدیدة جدًا من جدي فیما یخص الناحیة الثقافیة والتعلیمیة، ومن والدتي لجهة السلوك والنظام والحفاظ على الصحة والنظافة”، كما أن والدته كانت مهتمة بإتقانه للغة الإنجليزية فقد كانت تعشقها على حد قوله، فكانت تشرح له قواعدها وتزوده ببعض مفرداتها، وفي المقابل حين عرض عليها التحاقه بالجامعة الأمريكية فوجيء برفضها الشديد قائلة “إن دوري هو أن أساعدك على دخول الجامعة المصریة -جامعة القاهرة- لتدرس في كلیة الحقوق التي تروق لك؛ لتخرج منها محامیًا أو وكیل نیابة،أو أي شيء آخر ذي قیمة، أما الجامعة الأمریكیة فلا”.

 

في الجامعة.. أول إطلالة على العالم العربي

بعد حصول “عمرو موسى” على الثانوية العامة سنة 1953م، تمكن من تحقيق أمل والدته فاستطاع الالتحاق بكلية الحقوق، ولحسن الحظ أنه لم يلجأ إلى سكن جامعي حيث انتقلت معه والدته، وذلك بعد أن تزوجت من المهندس الفاضل “محمد عبد الرحمن عبد الباري”، الذي اضطر بعد ترقيته للانتقال للعيش بالقاهرة، ورافق موسى في فترة شبابه كصديقًا وموجهًا بتريّث شديد في أهم فترات حياته.

إقرأ أيضا
إيران

 

وكان أول یوم لموسى في جامعة القاهرة، بتاریخ 24 أكتوبر سنة 1953م، وكانت الفترة الجامعية بمثابة أول إطلالة لعمرو موسى على العالم العربي، حيث سافر برفقة زملائه في الكلية لعدة بلدان منها سوریا ولبنان، إضافةً لمصادقته لعددٍ من الطلاب العراقیین والأردنیین والسودانیین بالكلیة، وفي سنة 1957م تخرج وحصل على ليسانس الحقوق بتقدير جيد.

من المحاماة إلى الخارجية.. أولى الخُطوات في الحياة الوظيفية

ولاستهال الحديث عن حياة ما بعد التخرج قال “إلى أن تخرجت في الجامعة في صیف سنة 1957م لم یكن یسیطر على تفكیري سوى العمل في المحاماة، ولم یكن من بین أولویاتي وطموحاتي أن أصبح وكیلًا للنیابة والالتحاق بسلك القضاء بشكل عام”، فعمل محامیًا تحت التمرین، وكان كل ما يقوم به هو أن يطلب تأجیل بعض القضایا بتقدیم بعض المبررات لهیئة المحكمة.

 

ومن أكثر المواقف غرابةً وتأثيرًا في آن واحد بعد التخرج هو نبوءة أحد القضاة الذي ترافع أمامه في يوم من الأيام ثم التقاه صدفةً في أحد المحال الشهيرة بوسط القاهرة بعد اجتيازه امتحان الخارجية، فقال له مادحًا إياه “شوف یا ابني، إذا استطعت أن تتحمل مشاق المحاماة لمدة 10 سنوات فستكون أكبر محامٍ في مصر، أنا أتنبأ لك بذلك، ومن الممكن أن تصبح وزیرًا للعدل، فشكرت الرجل على هذه الشهادة أو – إن شئت قل – النبوءة، وعندما تم تعییني وزیرًا للخارجیة، كانت كلمات هذا القاضي الجلیل هي أول شيء تبادر إلى ذهني، وددت لو أنني أستطیع مقابلته لو كان حیًا لأقول له: سامحني، لم أكمل في المحاماة كي أصبح وزیرًا للعدل كما تنبأت لي، لكنني لم أخیب ظنك، فأصبحت وزیرًا للخارجیة”، وذلك سنة 1991م، ليس ذلك فحسب بل صار أمينًا لجامعة الدول العربية سنة 2001م حتى 2011م، ومرشحًا للانتخابات الرئاسية عام 2012م لكن لم يحالفه الحظ للفوز بها محققًا الترتيب الخامس، وعضوًا مُعينًا بلجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري عام 2013م.

 

عمرو موسى في لجنة الخمسين
عمرو موسى في لجنة الخمسين

 

حقيقةً لن اتمكن من الإلمام بكل جوانب شخصية مخضرمة كهذه في مقالة واحدة، لكن أرى أنه أصاب وأوجز حين تكلم عن نفسه في جلسة الحوار الوطني قائلًا “كنت واحدًا من الذين تابعوا ثم ساهموا في مسار العمل الوطني السياسي بصفة خاصة طوال عقود طويلة، عايشت هذه السياسات بحلوها ومُرّها طوال سنوات النصف الثاني من القرن العشرين”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان