جنازة محمد فريد “تفاصيل غير مروية من 100 سنة بالصور النادرة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
انضم يوم جنازة محمد فريد الزعيم المصري الشهير إلى قائمة الأحداث التاريخية التي يمضي عليها 100 عامٍ بالتمام والكمال، وجاء ذلك اليوم ليكون الفصل الختامي لمأساة حياة صاحبه.
دخل محمد فريد التاريخ بإسهامات الوطنية، فقد كان الساعد الأيمن للزعيم مصطفى كامل، وهو الأب الروحي لنقابة العمال التي أسسها، كذلك فهو المتسبب في إيقاف مشروع مد امتياز قناة السويس الذي كان سينتهي في17 نوفمبر 1968 وحاولت بريطانيا تمديده لمدة 40 سنة أخرى تنتهي سنة 2008 م، جراء نضاله الوطني تم سجنه أكثر من مرة حتى أُجْبِر على مغادرة مصر نهائيًا فتنقل بين الأستانة عاصمة الدولة العثمانية والدول الأوروبية حتى مات في 15 نوفمبر 1919 م.
مآسي ما قبل يوم جنازة محمد فريد
في سبتمبر من العام 1915 بدأ مرض الكبد يزحف على جثمان محمد فريد في ألمانيا، ونصحه طبيبه شرونف بضرورة السفر إلى مصر بعد التفاهم مع الإنجليز، لكنه رفض هذا الاقتراح لدرجة جعلت طبيبه يقابل وفدًا من السفارة البريطانية ليسمحوا له بالسفر فوافقوا بشرط أن يقبل الحماية البريطانية على مصر لكنه رفض وظل على موقفه حتى وفاته في 15 نوفمبر سنة 1919 م بألمانيا.
اقرأ أيضًا
يوم موت محمد علي باشا .. رد الفعل أكثر صدمةً من خبر الوفاة
الظروف المستحيلة كان عائقًا لدفن محمد فريد في مصر فصار جثمانه محفوظًا بصفته وديعة داخل كنيسة ألمانية وقرر 12 مصريًا من تلاميذ محمد فريد أن يتولوا إنهاء الإجراءات الروتينية المعقدة لشحن الجثمان إلى مصر لكنهم ماتوا جميعًا في حادث قطار متجه إلى ألمانيا على الحدود الإيطالية النمساوية.
اذكروا محاسن من أكرموا الميت بدفنه
مع الكلام عن يوم جنازة محمد فريد لا يمكن نسيان 3 شخصيات رئيسية، كان أولهم الحاج خليل عفيفي تاجر المانيفاتورة الذي نجح في أخذ ترخيصٍ من الحكومة المصرية لنقل الجثمان من ألمانيا للقاهرة، فسافر في 5 مارس 1920 م لكنه أقام في فرنسا أكثر من شهر بعد وقوع أحداث شغب في برلين ساهمت في تعطيله.
ومع وصول خليل عفيفي لألمانيا كان الروتين في انتظاره حيث صدر قانون يحظر نقل رفات المتوفين داخل ألمانيا إلى بلد آخر وفشلت كافة المساعي في ذلك حتى مات جندي فرنسي في ألمانيا وتم نقل رفاته لباريس فاستند خليل عفيفي بهذا التصرف وتم الترخيص له بشجن جثمان محمد فريد من برليس إلى الإسكندرية في يونيو 1920 م.
أما ثاني الشخصيات المرتبطة بيوم جنازة محمد فريد فكان أحمد باشا يحيى الذي أشرف على ترتيب يوم الجنازة وتنظيم العزاء.
بينما ثالث الشخصيات هو الأمير عمر طوسون الذي أسس لجنة للجنازة والعزاء، دعا فيها كل أطياف الشعب المصري للمشاركة في توديع الفقيد الراحل إلى مدفنه في مقابر السيدة نفيسة.
وتمت لجنة الجنازة التي ستتولى نفقات التشييع والصوان والصدقات، برعاية الأمير عمر طوسون ورئاسة أحمد يحيى باشا وعضوية سعيد طليمات، ومحمد عثمان، ومحمد فهمي الناضوري، ومصطفى الخادم، ورمضان يوسف، ومحمد صادق أبو هيف، وعبدالعزيز الغرياني، وعلي بسيوني، وعبدالحليم جميعي، وعبدالقادر حمزة، ومحمد أفندي الهياوي، ومحمد حسين الفرارجي، وعبدالفتاح الطويل، والسيد خضر، ومحمد حسني نوري، وسليمان حافظ، وأحمد نبيه قبودان، وحامد المليجي، وعبدالله محمد يوسف، وسليمان أنطون، ومحمد عوض جبريل، وعبدالرزاق الحبشي، وأحمد عبدالسلام أبو خالد، وحسن الجزائرلي.
جنازة محمد فريد لحظة بلحظة في الإسكندرية
وصل جثمان محمد فريد يوم 21 رمضان سنة 1338 هجري، الموافق 8 يونيو لعام 1920 الساعة 8:54 صباحًا، وتقرر تشييع جثمانه مرتين، الأولى في تمام الساعة 3 عصرًا من ميناء الإسكندرية حتى محطة القطار، والثانية في الرابعة عصرًا يوم 9 يونيو من أمام محطة مصر حتى مقبرته في مقابر السيدة نفيسة.
في الإسكندرية أقيم سرادق العزاء والتشييع أمام مصلحة الفنارات، واستعدت شركة جومون للسينماتوغرافية بوضع آلات التصوير.
بدأت مراسم جنازة محمد فريد الأولى في الإسكندرية وجرى التشييع في 9 شوارع هي باب الفنارات إلى شارع البحرية ثم وكالة اللمون ومنها لسوق الطباخين ثم شارع فرنسا ومنه إلى ميدان محمد علي باشا، وبعده إلى شارعي شريف ورشيد ثم النبي دانيال.
جرى تشييع محمد فريد بالموسيقى الأميرية وشارك في تشييعه 15 مؤسسة سياسية وإسلامية وقبطية، بالإضافة إلى 30 هيئة حكومية وأهلية ونقابية وتجارية، فضلاً عن عدد من الجمعيات الخيرية بما فيها روابط المحافل الماسونية.
حين كاد الناس أن يفتكوا بمحل سليم وسمعان صيدناوي
نَكَّسَت كل المحال والمؤسسات أعلامها حدادًا على محمد فريد بما في ذلك المؤسسات الإنجليزية، لكن كادت أن تحدث مشكلة بين المشيعين والعاملين في محلات سليم وسمعان صيدناوي بالإسكندرية، حيث مع مرور الجثمان من أمام المحل ألقى العمل أوراقًا على المشيعين فاعتقدوا أنها إعلانات أسعار مما أثار ثائرة المشيعيين حتى دققوا في المكتوب فوجوده شعرًا كتبه إلياس أفندي عازار صاحب المطبعة الأهلية.
من الإسكندرية إلى القاهرة .. وداع على القضبان
لم تكن جنازة محمد فريد حكرًا على الإسكندرية والقاهرة فحسب، وإنما شارك فيها أهالي المراكز الأخرى، فالقطار وقف في محطات دمنهور وطنطا وبنها والجيزة وتوافد الآلاف عند كل محطة لتوديع الجثمان.
القاهرة في جنازة محمد فريد
تمت جنازة محمد فريد في القاهرة يوم 22 رمضان سنة 1338، الموافق 9 يونيو لعام 1920 م وبدأت حين وصل الجثمان لمحطة مصر في الخامسة فجرًا وحفظ التابوت في مستودع الأمانات وبدأ التحرك في تمام الحادية عشر ظهرًا، وأعلنت الحكومة ذلك اليوم أجازة بالدوائر والمصالح الحكومية مع المدارس الأهلية والمعاهد الدينية بالإضافة للمصانع.
شارك في جنازة محمد فريد بالقاهرة كافة رجالات الدولة على كافة المستويات السياسية والحكومية والإسلامية والقبطية واليهودية والفكرية والصحفية والحزبية والقضائية والتجارية.
واشترك في توديع محمد فريد 144 هيئة ونقابة ومدرسة ونادي جاء توزيعهم على هذا النحو «32 نقابة عمالية وحرفية، 37 مدرسة ابتدائية، 19 مدرسة ثانوية، 5 مدارس خصوصية، 15 مدرسة عالية، 21 نادي اجتماعي، 15 نادي رياضي وفني».
وكان خط سير الجنازة من محطة مصر ثم ميدان الأوبرا فشارع محمد علي ثم جامع قيسون في الدرب الأحمر ومنه إلى قرافة السيدة نفيسة، وبعد دفنه توافد الجميع لإلقاء كلمات التأبين وقصائد الشعر فكان عدد الشعراء 17 شاعرًا هم «أحمد شوقي، أحمد نسيم، عباس العقاد، إبراهيم حسني ميزار، مصطفى أبو علي، محمود سامي عبدالحليم، ثابت فرج الجرجاوي، محمود علي منصور، علي إبراهيم عيد الجيزاوي، محمد محمود جلال، أحمد السيد أبو العطا، محمد محي الدين عبدالحميد، علي محمد شاكر، محمد عبدالسميع، إبراهيم الدباغ، إبراهيم سري الدهشان، خالد الجرنوسي».
أما عدد الخطباء فوصل إلى 15 خطيبًا « أمين الرافعي، داوود بركات، محمد صادق عنبر، عبدالقادر حمزة، محمد عبدالعزيز الصدر، عبدالحميد سالم، حسن العطار، إبراهيم سليمان، القمص سرجيوس، فرج أفندي جرجس، إبراهيم سليمان، منصور فهمي، علي المنزلاوي، أحمد الشيخ، علي سرور الزنكلوني».
النساء حاضرات في جنازة محمد فريد
لم تغب النساء عن جنازة محمد فريد حيث نُظِمَ حفل تأبين للفقيد الراحل صباح اليوم التالي لدفنه بمدافن الخلفاء العباسيين بجوار مسجد السيدة نفيسة.
وشهد حفل التأبين كوكبة نسائية أبرزهم زوجة أحمد طلعت باشا وزير المعارف، وحرم الطبيب عثمان لبيب عبده، وأمينة هانم نمازي، وزوجة المحامي محمد بك عز العرب، وحريم شيخ الأزهر الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، وزوجة الكاتب إسماعيل بك عاصم، ونجلة محمد رياض بك رئيس الوزراء الأسبق، ولبيبة هاشم الأديبة، وعيوشة هانم فهمي شقيقة صفية زغلول، بالإضافة لتلميذات مدرستي الثبات والعناية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال