جوليان كويبك..المراهقة التي سقطت من طائرة وعاشت بطريقة ما
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم يكن لدى جوليان كويبك أي فكرة عما كان يخبئ لها القدر عندما استقلت طائرة رحلة 508 عشية عيد الميلاد في عام 1971. كانت الفتاة البالغة من العمر 17 عامًا تسافر مع والدتها من ليما، بيرو إلى مدينة بوكالبا لزيارة والدها، الذي كان يعمل في غابات الأمازون المطيرة. كانت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة في اليوم السابق للرحلة وكانت تخطط لدراسة علم الحيوان مثل والديها.
ولكن بعد ذلك، تحولت الرحلة التي استمرت ساعة إلى كابوس عندما تسببت عاصفة رعدية هائلة في اندفاع الطائرة الصغيرة نحو الأشجار. تتذكر كويبك سماع والدتها تقول: “الآن انتهى كل شيء”. الشيء التالي الذي تتذكره هو سقوطها من الطائرة.
هذه هي القصة الحقيقية المأساوية التي لا تصدق لجوليان كوبيك. المراهقة التي سقطت من ارتفاع 10 ألف قدم في الغابة ونجت.
حياة جوليان كويبك المبكرة في الغابة
ولد كويبك في ليما في 10 أكتوبر 1954. كانت طفلة لاثنين من علماء الحيوان الألمان الذين انتقلوا إلى بيرو لدراسة الحياة البرية. ابتداءًا من السبعينيات، ضغط والد كوبيك على الحكومة لحماية الغابة من الصيد والاستعمار.
مكرسين للغابات غادر والدا كويبك ليما لإنشاء محطة أبحاث في غابات الأمازون المطيرة. هناك، نشأت كويبك وهى تعلم كيفية البقاء على قيد الحياة في أحد أكثر النظم البيئية تنوعًا وعدم الرحمة في العالم.
قالت كويبك “لقد نشأت وأنا أعلم أنه لا يوجد شيء آمن حقًا. ولا حتى الأرض الصلبة التي مشيت عليها. لقد ساعدتني الذكريات مرارًا وتكرارًا على الحفاظ على هدوئي حتى في المواقف الصعبة.”
بـ”الذكريات”، كان كويبك تعني تلك التجربة المروعة عشية عيد الميلاد في عام 1971. في ذلك اليوم المشؤوم، كان من المفترض أن تستغرق الرحلة ساعة. لكن بعد 25 دقيقة فقط من الرحلة، وقعت المأساة.
الانهيار
كانت كويبك جالسة بجانب والدتها في الطائرة المكونة من 86 راكبًا عندما وجدوا أنفسهم فجأة في خضم عاصفة رعدية هائلة. حلقت الطائرة في دوامة من السحب السوداء مع ومضات من البرق تتلألأ عبر النوافذ. عندما خرجت الأمتعة من المقصورات العلوية، تمتمت والدة كويبك، “آمل أن يسير هذا على ما يرام”. ولكن بعد ذلك، اصطدم البرق بالمحرك، وتحطمت الطائرة إلى أشلاء.
تتذكر كويبك “ما حدث حقًا هو شيء لا يمكنك إلا محاولة إعادة بنائه في ذهنك”. وصفت صراخ الناس وضجيج المحرك حتى الرياح في أذنيها.
قالت كويبك: “الشيء التالي الذي اتذكره أني لم أعد داخل المقصورة. كنت بالخارج، في الهواء الطلق. لم أغادر الطائرة. لقد تركتني الطائرة.”
أدركت جوليان كويبك، التي كانت لا تزال مربوطة بمقعدها، أنها كانت تسقط من الطائرة. ثم فقدت وعيها. عندما استيقظت، ادركت أنها سقطت من على ارتفاع 10 ألف قدم في منتصف غابة بيرو المطيرة. ولم تتعرض إلا لإصابات طفيفة بأعجوبة.
البقاء على قيد الحياة في الغابات المطيرة لمدة 11 يومًا
بعد أن أصيبت بالدوار مع ارتجاج في المخ وصدمة التجربة، لم تتمكن كويبك إلا من فهم الحقائق الأساسية. كانت تعلم أنها نجت من حادث تحطم طائرة ولم تستطع الرؤية جيدًا من عين واحدة. مع كسر في الترقوة وجرح عميق في ربلة الساق، انزلقت مرة أخرى إلى فقدان الوعي.
استغرق الأمر نصف يوم حتى تفوق كويبك بالكامل. في البداية، شرعت في العثور على والدتها لكنها لم تنجح. مع ذلك، في الطريق، صادفت كويبك بئرًا صغيرًا. على الرغم من أنها كانت تشعر باليأس في هذه المرحلة، إلا أنها تذكرت نصيحة والدها باتباع المياه في اتجاه مجرى النهر لأن هذا هو المكان الذي سيكون فيه البشر.
هكذا بدأت كويبك رحلتها الشاقة في التيار. أحيانًا كانت تمشي وأحيانًا تسبح. في اليوم الرابع من رحلتها، صادفت ثلاثة ركاب ما زالوا مربوطين بمقاعدهم. لقد هبطوا برأسهم أولًا في الأرض بقوة لدرجة أنهم دفنوا تحت ثلاثة أقدام وأرجلهم عالقة بشكل مستقيم في الهواء. كانت إحداهن امرأة، ولكن بعد التحقق، أدركت كويبك أنها ليست والدتها. لكن من بين هؤلاء الركاب، عثرت كويبك على كيس من الحلويات. سيكون بمثابة مصدر غذائها الوحيد لبقية أيامها في الغابة.
في هذا الوقت تقريبًا، سمعت كويبك ورأت طائرات الإنقاذ وطائرات الهليكوبتر أعلاها، لكن محاولاتها للفت انتباههم باءت بالفشل. أدى تحطم الطائرة إلى أكبر بحث في تاريخ بيرو. لكن بسبب كثافة الغابة، لم تتمكن الطائرات من اكتشاف حطام الحادث، ناهيك عن شخص واحد. بعد بعض الوقت، لم تستطع سماعهم وعرفت أنها كانت بمفردها حقًا للعثور على المساعدة.
الإنقاذ المذهل
في يومها التاسع في رحلتها في الغابة، صادفت كويبك كوخًا وقررت الراحة فيه، حيث بدأت تفكر أنها ربما ستموت بمفردها في الغابة. لكن بعد ذلك، سمعت أصواتًا. كانوا ينتمون إلى ثلاثة قاطعي أشجار من بيرو يعيشون في الكوخ.
قال كويبك: “بدا الرجل الأول الذي رأيته وكأنه ملاك.”
لم يشعر الرجال بنفس الشعور. كانوا خائفين قليلًا منها واعتقدوا في البداية أنها يمكن أن تكون روحًا مائية يؤمنون بها. مع ذلك، سمحوا لها بالبقاء هناك لليلة أخرى وفي اليوم التالي، أخذوها بالقارب إلى مستشفى محلي يقع في بلدة صغيرة قريبة. بعد 11 يومًا مروعًا في الغابة، تم إنقاذ كويبك. بعد أن عولجت من إصاباتها، تم لم شمل كويبك مع والدها. عندها علمت أن والدتها نجت أيضًا من السقوط الأول، لكنها توفيت بعد ذلك بوقت قصير بسبب إصاباتها.
ساعدت كويبك السلطات في تحديد موقع الطائرة. على مدار بضعة أيام، تمكنوا من العثور على الجثث والتعرف عليها. من بين 92 شخصًا كانوا على متن الطائرة، كانت جوليان كويبك الناجية الوحيدة.
الحياة بعد الحادث
كانت الحياة بعد الحادث المؤلم صعبة على كويبك. حصلت علي الكثير من الاهتمام الإعلامي ولم يتم تصويرها دائمًا في ضوء جيد. طورت كويبك خوفًا عميقًا من الطيران. ولسنوات، كانت تعاني من كوابيس متكررة. لكنها نجت كما فعلت في الغابة. واصلت في النهاية دراسة علم الأحياء في جامعة كيل في ألمانيا عام 1980، ثم حصلت على درجة الدكتوراه. عادت إلى بيرو لإجراء أبحاث في علم الثدييات. تزوجت وأصبحت جوليان ديلر.
في عام 1998، عادت إلى موقع الحادث من أجل فيلم وثائقي عن قصتها المذهلة. في رحلتها مع المخرج فيرنر هيرزوج، جلست في نفس المقعد. وجدت كويبك أن التجربة علاجية.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تمكنت فيها من التركيز على الحادث من مسافة بعيدة. دفعتها التجربة أيضًا إلى كتابة مذكرات عن قصة بقائها الرائعة بعنوان “عندما سقطت من السماء”. على الرغم من التغلب على صدمة الحدث، هناك سؤال واحد ظل باقيًا معها: لماذا كانت الناجية الوحيدة؟ قالت كويبك إن السؤال لا يزال يطاردها بعد كل هذه السنوات.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال