حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (2–9) يوم العبور

مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية

في الواحدة والنصف ظهر يوم العبور توجهت لقضاء الحاجة في الأدبخانة الميداني الموجودة في الاتجاه الشرقي وعدت إلى الدشمة وبعدما أنهيت الوضوء، أحسست بثقل رأسي فقررت أن أغسلها بالماء والصابون.
بدأ في ترغية الصابونة على شعري الكث الطويل، وإذ بي أسمع صوتًا لم أسمعه منذ زمن طويل.
إنه صـوت طـــائراااات !!!!
رفعت رأسي فإذا بتشكيل من الطائرات السوخوي المصرية فوق رأسي مباشرةً.

جريت إلى أعلى الدشمة وشاھدت مشدوھًا أربع طائرات تتجه جنوبًا وأربعة شرقًا، وبعد برھة لم آخذ فيھا نفسي تحولت النقطة القوية في راس العش إلى كتل متلاحمة من النار والدخان والأتربة، وعندما نظرت شرقًا رأيت على بعد انفجارات كثيفة فى منطقة بور فؤاد.

أخذت أردد في ھيستيريا:
ـــ الله أكبر .. الله أكبر.
ونزلت سريعًا وفتحت باب الكابينة ودخلت إلى القائد وقلت له:
ــ يافندم طياراتنا بتضرب اليھود.

ولأول مرة أرى بسمة على شفاه المقدم منير ثم قال:
ـــ نزل الصابون اللي على راسك الأول وتعالى .. يومنا طويل

الساعة الثانية والنصف بعد الظھر

عدت سريعا إلى مكاني المفضل، كرسي ضابط التوجيه وفي عجالة سأحكي ماذا تفعل الكتيبة ؟ وكيف تشتبك وتدمر الأھداف؟.

عن طريق الھوائيات يتم إرسال نبضات كھرومغناطيسية تنعكس من الأجسام كالطائرات والمنازل والجبال ونستقبلھا ونستطيع تحديد إشارات الطائرات وتتبعھا وعند دخولھا مناطق التدمير يتم إطلاق حتى ثلاثة صواريخ ويتم توجيھھا طبقا لمعادلات خاصة وتفجيرھا على مسافة قريبة من الطائرة فتغطي الشظايا الطائرة وتدمرھا؛ دا في منتھى البساطة ماتقوم به الكتيبة وعلى الواقع فالعملية في منتھى التعقيد.

عندما تطير الطائرات على ارتفاعات منخفضة يصعب اكتشافھا راداريًا لانحناء الأرض ولكثرة السطوح العاكسة عند استخدام العدو للصواريخ المضادة للرادار الشرايك فإنه يجبرك على إغلاق المرسل وإلا دمرك الصاروخ.

عند استخدام العدو للاعاقة الرادارية فإنك لن تتمكن من رؤية الھدف، مما يستلزم كفاءة فنية وتكتيكي عالية حتى يمكن إسقاط مثل ھذه الطائرات.

والخلاصة أن العرق في التدريب يوفر الكثير من الدماء والحمد لله وعن طريق خبرات القتال مع الطيران الإسرائيلي، تعرفنا على أساليبھ وبتنا جاھزين ومرحبين بلقائه.

وكان رد الفعل الأول السريع ھو التدخل الجوي لتدمير القوات القائمة بالعبور وعلى الشاشات اكتشفنا ھدف معادي مقترب من اتجاه الجنوب الشرقي وتم التقاطه على مسافة ٤٢كم وتم تتبعه وتم إجراء التزامن وتم التعامل معه على أنه حامل للشرايك.

أصبحت قريبًا من إطلاق الصاروخ الأول في حياتي، وراجعت كل المفاتيح، الھدف داخل منطقة الإطلاق المضمونة، دمر الھدف ٣ صاروخ بفاصل ٦ ثانية؛ أستعد للإطلاق الأول ولم أسمع صوت انفجار وراجعت بعيني كل أوضاع المفاتيح سليمة، إلا أنه أبى أن ينطلق.

وافقت على لمسة المقدم منير لكتفي وهو يقول:
ــ التاني يا مصطفى .. استعد للتاني.

ومددت أصبعي وأطلقت الثاني، وانطلق، ثم الثالث وانطلق، المسافة 1كم؛ شظايا الصاروخ تغطى الھدف والثاني، وبين التكبير والتھليل والبكاء أحسست بأن النصر قريب.

وما رميت إذ رميت .. ولكن الله رمى
صدق لله العظيم
والھدف تدمر: الله أكبر … الله أكبر.

العاشرة مساءًا

بعد رد الفعل الأول ومحاولة الھجوم على القوات القائمة بالعبور، وقوات قطاع بورسعيد المھاجمة لرأس العش وقطع بورفؤاد لم يكررالعدو ذلك، وتأكدنا من تدمير طائرة أخرى بواسطة فصيلة الحية الملحقة على الكتيبة وكانت فرحتنا الأكبر بتدمير تحصينات النقطة القوية فى راس العش.

أما نقطة القطع فقد كبدت المھاجمين خسائر كبيرة لطبيعة الارض وضيق طريق الوصول إليھا واستمرت الكتيبة بالتفتيش على الطائرات باستخدام كل الوسائل المتاحة سواءا ال ب 12 أو المحطة وتم اكتشاف ھدف مجموعة حوالي العاشرة مساءًا، قمنا بالاشتباك به وإطلاق ثلاثة صواريخ واشتبكت كتيبة بلاج الأطفال البتشورا بالھدف الآخر وتم تدميرالھدفين.

وھكذا مضى اليوم الأول من أعظم الأيام في حياة الإنسان يوم استرداد الكرامة.