“حريق مكتبة الإسكندرية” شائعة لاحقت عمرو بن العاص رغم تبرئة التاريخ له
مرحلتان كانت لهما الأهمية في خط سير عمرو بن العاص والمسلمين إلى مصر، الأولى هي النجاح في السيطرة على حصن بابليون بكل ما يحمله من قوة، بينما كانت الثانية هي سقوط العاصمة نفسها، خاصةً أن عاصمة مصر في العهد البيزنطي لم تكن مجرد مدينة سياسية، وإنما كانت حاضرة على تاريخ وحضارة أقدم من الإسلام نفسه.
كانت الإسكندرية عاصمة مصر التي شيدها الإسكندر الأكبر متميزة بمظاهر حضارية خلاقة كقصور وحدائق وحمامات ومتاحف، غير أن دُرَّة الإسكندرية كانت مكتبتها التي لا زال الخلاف حول مؤسسها قائماً، هل كان الإسكندر الأكبر أم بطليموس الثاني.
لم يكن الخلاف حول مؤسس المكتبة كبيراً مثل الخلاف حول نهايتها والتي كانت تهمةً لاحقت عمرو بن العاص، فمنهم من أشار إلى أن عمرو أمر بحرقها، وبعضهم نفى هذا.
أصل تلك التهمة من مرجع واحد هو كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر لمؤلفه عبداللطيف البغدادي، حيث قال إن قسيساً مصرياً اسمه حنا النحوي اتصل بعمرو بن العاص وتقابلا ثم قال حنا لعمرو ذات مرة لقد رأيت المدينة وما فيها من تحف ولست أطلب إليك شيئا مما تنتفع به بل شيئا لا نفع له عندك وهو عندنا بنفع.
لما سأل عمرو بن العاص عن المعنى قال حنا أعني ما في خزائن الروم من كتب الحكمة فرد عمرو بن العاص بأن هذا ليس قراره وإنما قرار الخليفة، فأرسل إلى عمرو بن الخطاب وبدوره أجاب بحرقها قائلاً “وأما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا به واذا خالفه فلا إرب لنا فيه وأحرقها”.
على إثر رد عمرو بن الخطاب، أمر عمرو بن العاص بتوزيع الكتب على حمامات الإسكندرية، وقرروا حرقها ووصلت مدة التجهيز والإشعال 6 أشهر.
تاريخياً فإن مسألة الحرق التي أوردها البغدادي مردود عليها لأربعة أسباب، أولها أن حنا النحوي مات قبل دخول المسلمين إلى مصر بثلاثين عاماً، أما الثاني أن روايات حرق المكتبة لم تظهر إلا بعد 5 قرون من بداية العهد الإسلامي، وهو ما يعني عدم وجود شاهد عيان على الحادثة.
السبب الثالث أن المكتبة تعرضت لحريق قبل الإسلام بكثير في زمن يوليوس قيصر 48 ق .م، وحريق آخر زمن تيودوسيوس عام 391 م، بالإضافة إلى السبب الرابع وهو أن مؤرخي الأقباط أنفسهم نفوا هذه التهمة ففي كتاب تاريخ المسيحية الشرقية لعزيز سوريال، قال “رواية حرق العرب لمكتبة الإسكندرية من نسيج الخيال، وهي أقربُ إلى الأساطير في كلِّ تفاصيلها؛ حيث لا توجد مصادِر مُعاصِرة أو حوليَّة تُشير إلى الحادث من قريب أو بعيد، فعندما وصل العرب الإسكندرية سنة 642 م لم يَجدوا شيئًا من مكتبة البطالمة؛ فقد تمَّ إحراق المكتبة منذ زمن بعيد على يد يوليوس قيصَر عند هجومه على الإسكندرية؛ لمساعدة كليوباترا ضدَّ أخيها سنة 48 ق.م.
عندما صارت الغلبة للمسيحيين في القرن الرابع ميلادي هجموا على آثار الوثنيِّين بالمدينة ودمَّروها، ومنها مكتبة البطالمة الوثنية، وما بقي من لفائف البردي تهالكت وبليَت بفعل الزمن”.