حسن طوبار.. المليونير المصري الذي وقف في وجه الاحتلال الفرنسي
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يتسع تاريخ الآثرياء في مصر بقائمة من الرجال فيهم الطيب وفيهم غير الطيب، لكن يبقى الرجل الثري حسن طوبار، هو النواة الأولى لطبقة المليونيرات في مصر، وصاحب التاريخ الوطني الزاخم بالأحداث والمواقف وأحياناً المآسي.
ترجع أصول حسن طوبار إلى محافظة الدقهلية، والتي كان فيها زعيماً لإقليم المنزلة أحد أبرز الأقاليم التي سطرت تاريخها الوطني بشن حملات من المقاومة الشعبية شديدة العنف ضد الفرنسيين.
امتلك حسن طوبار ثروة كبيرة ونفوذاً واسعاً فضلاً عن المكانة التي اكتسبها في قلوب سكان إقليمه خاصةً الصيادين، كما يوثق ذلك المؤرخ ياسر بكر في سلسلته عن أثرياء مصر، حيث يذكر امتلاك حسن طوبار لأسطول صيد قدرته بعض المصادر الفرنسية بنحو خمسة آلاف مركب، وعدد لا بأس به من مصانع نسج القطن، والمتاجر، ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
بالإضافة إلى ثراءه الواسع كان حسن طوبار ينتسب لأسرة عريقة، تداول أفرادها مشيخة المنزلة مئات السنين، ولهم نفوذٌ قوي هناك، وبدأت جذور هذه العائلة من منطقة طبرية في الشام ونزحوا إلى مصر واستقروا بالمنزلة مجاورين لمنزل الشيخ أبو نصر شهاب الدين شريف قاضي المنزلة والذي صاهروه وبنوا بيتاً عُرِفَ بالبيت الكبير قبل أن يبني شلبي طوبار القصر المعروف باسمه.
نظرة المؤرخين الفرنسيين لشخصية حسن طوبار كانت متغايرة بعض الشيء، نظراً لدوره ضدهم، فالمؤرخ ريبو في كتابه “تاريخ الحملة الفرنسية فى مصر” يقول ، “إن مديرية المنصورة التي كانت مسرحاً للاضطرابات، تتصل ببحيرة المنزلة، وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة (الطينة)، والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذوو نخوة، ولهم جَلَدٌ وصبر، وهم أشد بأساً وقوة من سائر المصريين، ثم هم أغنياء بما ينالون من الصيد، ولهم في البحيرة خمسمائة أو ستمائة مركب، تجعل لهم السيادة في البحيرة، ولهؤلاء 40 رئيساً، وكل هؤلاء الرؤساء يتبعون حسن طوبار شيخ المنزلة وهو الزعيم الأكبر لهذه المنطقة”.
ثروة حسن طوبار قدرها الجنرال الفرنسي لوجييه في تقرير قدمه للمجمع العلمي، بـ 5 ملايين فرنك، لثروته بأنها في حدود خمسة ملايين فرنك وقد طوع كل إمكانياته في مقاومة الفرنسيين منذ بداية الحملة تقريباً، فكان يذهب بنفسه إلى البلاد والقرى يحرّض أهلها على الحرب، ويطمئن على وسائل الدفاع لديهم، وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في البحيرة، وأوشك على إخراجهم من دمياط.
محاولات حثيثة أجراها الفرنسيين للتخلص من حسن طوبار، ولم يجدي العنف حلاً فرأوا أن يعملوا بسياسة الاستمالة نظراً لتحكماته في الممرات المائية بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة والتي كانت كفيلةً بتسهيل مهمة السفن العثمانية في دخول مصر، في حالة اتفاق رجال السلطان العثماني مع طوبار، ورفض حسن طوبار مقابلة الجنرال فيال حاكم دمياط ولم يسمح بقبول هديته والتي كانت سيفاً ذهبياً، وهي نفس الهدية التي حاول نابليون بونابرت أن يعطيها له.
كان حسن طوبار هو المسؤل الأول عن إحداث أعمال المقاومة في كل البلاد الملاصقة لدمياط والمنصورة، وكان يجمع مراكبه ورجاله في المنزلة لمهاجمة دمياط وكسر شوكة الفرنسيين بها، ونجح المهاجمون في قتل الحراس الفرنسيين في المواقع الأمامية للمدينة، وظل القتال متواصلاً ليلة 16 سبتمبر، غير أن عدم تكافؤ الأسلحة والتنظيم دفع المهاجمين إلى التقهقر والالتجاء إلى قرية الشعراء حيث اتخذوها معسكراً تحصنوا به.
ونتيجة لحرج مركز الفرنسيين في دمياط اضطر نابليون إلى إرسال الجنرال أندريوس ليعاون الجنرال فيال في توطيد سلطان الفرنسيين في تلك الجهات، وتقدم الفرنسيون في 20 سبتمبر للاستيلاء على الشعراء، وبالرغم من استيلاء الفرنسيين عليها فإن الثورة تفاقمت في البلاد الواقعة بين المنصورة ودمياط، وتعددت حوادث مهاجمة الثوار للسفن الفرنسية.
قررت قوات الحملة الفرنسية حسم المسألة عسكرياً وبعد أسابيع من المناوشات تمكنت القوات الفرنسية من المنزلة في 6 أكتوبر عام 1798 م، وكان حسن طوبار غادرها إلى غزة ونظم خطوط المقاومة من هناك وكوَّن جيشاً من المقاومين وأسطولاً مكوناً من خمسين قطعة لكي يبحروا به إلى دمياط لمباغتة العدو. وبالرغم من أن الظروف لم تمكن طوبار من إتمام هذه الحملة، ولم يأذن نابليون بعودته إلى مصر إلا بشرط أن يبقى ابن الشيخ عنده في القاهرة، ويعود حسن طوبار إلى دمياط كما يؤكد المؤرخ ياسرثابت.
عاش حسن طوبار في دمياط فترة بعد عودته من غزة، لكنه لم يُكْتَب له أن يرى جلاء المحتل عن بلاده حيث مات سنة 1800 م، قبل رحيل الحملة الفرنسية بعام واحد، تاركاً عائلة وطنية ودينية قوية، لعل من أبرز رموزها حفيده المبتهل الشيخ نصر الدين طوبار.
إقرأ أيضاً
في الرد على صفحة أحمد سبيع “الدولة العثمانية لم تنقذ مصر من الحملة الفرنسية”
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال