تحتاج لهذه الحيل كي تنهي كتابك دون ملل؟
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
“سيليا” أقرب صديقات الروائية البريطانية ديبورا ليفي، كانت تصيح ” أنت بحاجة لمكتب في بيتك”.
زواج”ديبورا” على المحك، عائلتها تبيع منزلها، انتهى بهم الأمر للعيش في شقة صغيرة، “ديبورا ليفي” لا تستطيع الكتابة إلا نادرًا، اعتادت على الشعور بالسعادة والتعاسة الشديدة في الوقت نفسه، أي مايشبه اختلاط أشعة الشمس الحارة بالجليد.
عثرت “ديبورا” على منزل، جوه يشبه مشاعرها، شديد الحرارة للغاية وشديد البرودة جدًا، أحبته، وواظبت يوميًا على الذهاب إليه في الثامنة صباحًا بالدراجة، فبعدما تصطحب ابنتها للمدرسة تتوقف لتناول القهوة في مقهى قريب، كي لا تبدأ في الكتابة مباشرة، لكنها أيضًا وقعت في غرام كآبة هذا المقهى، وكانت دائمًا ما تسأله “كيف حالك اليوم؟”، لكنه لم يجب أبدًا، يظل صامتًا، يفكر، ولا يجيب، وكانت إجابته تلك هي المحفز للكتابة، تفتح عالمًا داخل “ديبولأ” لتكتب.
وفق مقولة “إ.م. فوستر” :” علينا أن نكون على استعداد تام لترك الحياة التي خططنا لها، لنحصل على الحياة التي تنتظرنا”، تكتب “ديبورا” ، فقد تكتب وفق خطة ثم تعدل عنها تمامًا بعد مراجعة.
التدوين اليوم والكتابة غدًا
يجب أن تجلس وتكتب، أن تصل لحالة التركيز الشديد على العمل، تصف الحوار وتتعايش مع الشخصيات وتعرفها جيدًا، تصادقها، تنهي المسودات الأولية لهذا العمل، ثم تتابع التعديلات إلى تنهي عملك.
الكاتب الإنجليزي تيم باركس وقع في مشكلة في بداياته، فترة الثمانينات، تملكه الخواء التام، زوجته تذهب للعمل في الثامنة وتعود في السادسة والنصف، ليس لدية قدرة مادية تعينه على دفع مقابل خدمات التدفئة، فكان يلف نفسه بالبطانية ويضع عند قدميه زجاجة ساخنة ويكتب وينطق، ثم يخرج لشراء بعض السلع، أو يذهب لحمام السباحة، إلى أن يقع في الشعور التام بالذنب، فقد أخذ قسطًا كبيرًا من الراحة في الوقت الذي تعمل فيه زوجته، كما أن أعماله لم تلاق قبولًا لدى دور النشر، لكنه لم ييأس إلى نشر أعماله.
أدوات الكتابة تصدر رنينًا وصفيرًا، تشتت الانتباه، صوت شوشرة الأطفال والعائلة، كل هذه الأصوات تقاطع “باركس”، لكنه انتبه إلى أن الروائية الانجليزية كانت تقريبًا تعمل في نفس الأجواء.
فبدأ يقلدها، يكتب ما يريد كتابته بخط اليد، ثم يعود في اليوم التالي لكتابته على الحاسوب.
سؤال يوم الكتابة
في بعض الأيام تكون الروائية روز تريمين أقرب للمصداقية، وفي غيرها تكون هشة عاطفيًا. فهى ترى أن السؤال الذي لا بد أن يستمر الكاتب في طرحه على نفسه دومًا هو: “هل سيشعر القاريء بأن ما أكتبه حقيقي وصادق؟ والإجابة على السؤال هي التي تحدد، هل يجب الكتابة اليوم؟ هل اليوم مناسب لأن أكتب شيئًا؟
أما الأيام التي لا تكتب فيها “روز” فهي الأسوأ على الإطلاق، تغلق حاسوبها وتركب سيارتها وتجري إلى البحر، تصرخ في وجهه، تقول ” اسخروا مني كما تشاءون، لكن هذا عزائي الوحيد”، وقد تجلس على مقهى تراقب العجائز وهم يحتسون الشاي، لا روايات تنتظرهم ليكتبوها، ولا مكتب في البيت يعودون إليه.
ليس هناك يوم نموذجي
قد تتكوم فوق رأسك الهموم، وتثير ضجرك رنات الهاتف ورسائل مواقع التواصل الاجتماعي، وتكثر عليك مسؤليات الحياة اليومية، أو قد لا يكون كل هذا، أنت لا تجيد العمل وفق عمل منظم روتيني يبدو لك مملًا.
الروائي إيان رانكين الحائز على الجائزة الدولية لأدب الجريمة عام 2016، دائمًا ما يتورط في مثل هذه المنغصات التي تعوق الكتابة، في غالب الأيام يشعر بأنه يخوص في الوحل، رنات الهاتف لا تتوقف، صوت جرس الباب المزعج، التسوق الذي يجب أن يقوم به، رسائل البريد الإلكتروني.
وفق ما حكى “إيان” لجريدة الجارديان البريطانية، أنه يهرب بسيارته إلى منزله الذي يقع في الساحل الشمالي الشرقي لـإسكتلندا، حيث تكون هناك شبة التغطية بالنسبة للهاتف المحمول محدودة، والخط الأرضي بالمنزل لا يعرفه أقرب المقربين له، لا الناشر أو الصحفيين أو وكيل أعماله، فضلًا عن عدم وجود تلفزيون.
يرى “إيان” أن قاموسه الشخصي لا يوجد به ما يسمى باليوم النموذجي للكتابة، فقد ينجسم يومًا، ويتعكر صفوه في اليوم الآخر. وقد يبدأ يومه في الحادية عشر صباحًا أو في الثانية بعد الظهر أو السابعة مساءً.
لا يتوقف عن الكتابة إلا لتناول الشاي أو القهوة، وأثناء تناول إياهما يحدق في غلاية الماء منهمكًا في التكفير فيما سيعود ويكتبه، وعندما يتعرض لمعضلة ما أو طريق مسدود ينطلق في المشي أو يحدث زوجته غزيرة القراءة التي تفكر معه أحيانًا في بعض الحلول.
كل الأيام تصلح للكتابة
افترض هوارد جيكوبسون أنه إذا جاز تسمية أيام بـ”أيام الكتابة”، إذن هناك أيام لا تصلح للكتابة، رغم أنه ضمنيًا لا توجد أيام لا تصلح للكتابة، فهو يريد اللهاث بمن سبقوه، كان عليه أن لا يفعل شيئًا سوى الكتابة، فقد وصل به الحال إلى أن درجة تركيزه الكثيفه تشغله عن شم رائحة الدخان لو اندلع في منزله، وقد لا يشم تلك الرائحة حتى لو احترق حيًا.
لذا فقد أشار في كتاب “يوم من حياة كاتب” للمترجم علي زين، أنه لا يعرف شيئًا عما يسمونه عذاب الكتابة أو الإبداع.
قد تتحمس لكتابة فكرة ما، ثم تقرأ كتابًا يعجزك في أنك ستصل إلى نفس مستوى الكتابة، وهو ما حكى عنه “هوارد جيكوبسون” الفائز بجائزة البوكر البريطانية لعام 2010، فبعدما يتخلى عن كل ما يعكر صفوه ليبدأ في كتابة عمله الروائي الجديد، يجد نفسًا ما دفتي بين لوم الذات والقلق المستمر، بعد قراءة أعمال للكتاب الكبار الذين بدأو الكتابة في مثل عمره “جوزيف كونراد” أو “جورج إليوت”.
تطارده الأسئلة، هل سيكتب بمثل هذه الروعة، أم سيكتب بطريقة أسوأ، وبعدها يجد نفسه مدفوعًا إلى أن قرار مرعب ومخيف، سيتوقف سنة كاملة عن الإبداع والإنتاج، لكن هذا الرعب والخوف، يخلق بداخله نوعًا من الحماسة، فيبدأ في الكتابة بالقوة، الكلمات تخرج على الخرج جبرًا، وما أن ينتهي من رواية ينهمك في الأخرى، ومن هنا أصبح “جيكوبسون” منتجًا.
يستيقظ “جيكوبسون” في السادسة صباحًا، يتجنب الحديث مع أي كان، يتناول الشاي، ثم يكتب، لا يفارق المنضدة حتى تتورم عيناه أو يسمع صوت سدادة تنتزع من زجاجة خمر.
أن تلقي بنفسك خلف المنضدة لتكتب وفق هذه القاعدة البسيطة، دون أن تجبر نفسك على موعد ما محدد للكتابة أو لنهايتها، سيجعل روحك تفتقد فضولها الذي يمثل عدوًا لكل أشكال الفن، فبعدما ترتمي خلف كلماتك وتختفي، ستبدو في حالة قد تنسى فيها الأداة التي تكتب بها، لن يهمك شيء سوى السرد.
اقرأ ايضا
حصان شعبان عبد الرحيم يحرج إنسانيتنا
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال