حكاية آية (9) .. صـلح الحديبية (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
في العام السادس الهجري، وتحديداً في شهر ذي القعدة، زارت النبي رؤيا: فإذ به يحلم بأنه يعتمر في مكة وسط أصحابه، وجميعهم ويلبسون لبس الاحرام.
ولأن رؤيا الأنبياء حق، اجتمع الرسول بالصحابة وأخبرهم بشأنها، فوجدوا فيها بشري سارة، خاصة من قبل المهاجرون الذي تركون ديارهم وأهليهم من ست سنوات، وعانوا في سنوات الغربة والغزوات المتتالية.. ولكن، كيف ستتقبل قريش تلك العمرة؟ هل ستسمح لأعدائها بأن يدخول مكة مجدداً؟!
وهنا، كان لابد من التدبير والتخطيط لتحقيق تلك الرؤيا.. في البداية اقتراح الرسول أن تكون العمرة في الأشهر الحُرم، وأن يطلبوا من القبائل المحيطة حتى غير المسلم منها بأن يشاركوا في تلك العمرة، وأن يكون الخروج بلبس الإحرام، ولا يصطحبون في رحلتهم من الدواب غير الخراف التي ستذبح بمكة كهدايا للحجاج.. وبذلك تكون النية واضحة حيث لا قتال وإنما جئنا للإعمار كغيرنا.
تلك المبادرة اسقطت قريش في حيرة كبيرة، ومأزق عظيم: إذا رفضت السماح لهم ستفقد سيادتها للعرب بكونها تبيح للجميع بلا استثناء زيارة مكة.. فـ ما بالك بـ النبي محمد وأتباعهم وهم أبناء مكة في الأساس! وإذا سمحوا لهم بدخول مكة سينشر النبي محمد دعوته، وستصبح الحروب الفائتة والغزوات التي دارت في خبر كان. وإذا قاتلوهم بمكة في الشهر الحُرم ستكون جريمة لن تغفرها القبائل أبداً.. فـ ما العمل إذن؟
وتشاور سادة قريش فيما بينهم حتى قرروا أن يخرج خالد بن الوليد على رأس كتيبة، وأن يتجه به فيقطع الطريق على النبي محمد وأتباعه، وأن يفتعل بينهم شجار فيقتلهم وبذلك يكون قد قتلهم خارج مكة، وتكون المعركة المفتعلة أثر مضايقات محمد ومن معه لـ خالد وفرقته..
وكالعادة، كانت العيون والجواسيس تقوم بدوره في نقل المعلومات، فعرف النبي بكتيبة خالد بن الوليد.. وكان قبلها قد أرسل عثمان بن عفان لقريش ليخبرهم بقدوم المعتمرون وأن النبي لم يأتِ ليقاتل وإنما جاء عماراً.
غير أنهم احتجزوا عثمان، فشاع عند النبي محمد بأن قريش قتلت عثماناً.. وأيقن النبي أن قريش تريد القتال، فدعا أصحابه للبيعة، وكان وقتها يجلس تحت شجرة يُقال أنها كانت، وطلب منهم تجديد النية، وأن يأخذوا نية الجهاد إذا بادرت قريش باالقتال فبايعوه. فأطلق عليها مبايعة الرضوان..
فتنزلت الآية التي (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).. الآية 18 من سورة الفتح والتي رأوا فيها بشارة بـ فتح مكة..
ثم أخذ النبي المعتمرين وهم ألف وأربعائمة مسلم.. بينما تخلفت بعد القبائل الأخري في الخروج، وفيهم تنزل قوم الله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)..
وسلك بهم طريق واعر كي يتجنب مقابلة خالد بن الوليد وفريقته.
الجواسيس على الطرف الآخر أبلغت قريش بالمبايعة الجديدة، وأن الأمور قد تنقلب لحرب حقيقية.. فطلبت من سهيل بن عمرو أن يذهب إلى النبي ويتفق معه على أي شئ ولكن لا يدخل مكة في هذا العام.
حين رأي النبي سهيل وهو قادم نحوه قال لأصحابه: “هذا سُهيل.. قد سهل الله من أمركم، أرادوا الصلح حين بعثوا هذا الرجل”.
بالفعل جاء سُهيل بالصلح واتفقوا على بنود المعاهدة، وكعادة العرب عن الاتفاقيات طلب النبي من علي بن أبي طلب أن يكتب تلك البنود قائلاً: ” اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم “.
فقال سهيل: “أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب”.
فقال المسلمون: “والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم”.
فقال: “اكتب: باسمك اللهم”.
ثم قال: “اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله”.
فقال سهيل: “والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله”.
فقال: “إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله”.
وجاء في بنود المعاهدة: أن من يريد أن يدخل في عهد قريش فليدخل، وأن يعود المسلمون هذا العام إلى يثرب ولهم الحق في دخول مكة كمعتمرين في العام المقبل، تُمنع الحرب لمدة 10 سنوات، عدم الاعتداء على أي قبيلة أو شخص لأي سبب، وأن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلماً بدون إذن وليه، وألا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين.
تلك البنود لم تكن مُرضية بالنسبة للمسلمين، لذا ساد الغم على الصحابة، وقد رأي البعض منهم أن في تلك المعاهدة إهانة للدعوة خاصة في بندها الأخير.. ولكن، ما باليد حيلة!
كان عليهم الرحيل والعودة إلى يثرب دون قضاء الغاية… وفي طريق العودة تنزلت أول آية بسورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).. لتكون بمثابة وعد رباني بـ فتح مكة. ولكن، كيف كان الفتح؟ تلك، بالضرورة، حكاية أخرى..
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد