حكاية (8) .. أُحُد (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
لم تمر معركة بدر مرور الكرام، خاصة على أبي سفيان الذي قرر أن يجمع جيش من قريش لرد الإساءة ويسترد سيادة قريش على العرب، وفي خلال عام تمكن من إعداد جيش قوامه ثلاثة ألف مقاتل، وخرج على رأس الجيش مع زوجته هند بنت عقبة ليقتحموا المدينة ويقتلوا النبي محمد ومن معه.
وفي الطريق اقترحت هند بأن يتقفوا ونبشوا في قبر أم النبي. ولكن، أبي سفيان رجل حكيم، أدرك بدهائه أن تلك الفعلة قد تؤدي إلى التعاطف مع النبي محمد وأتباعه. ثم أنه اقتراح لا يتعدي كيد النساء.. وبمناسبة النساء فقد كان لهن دورهن بتلك الغزوة حيث كانت هند تقود نساء مكة بالدفوف والغناء حتى وصل الجيش إلى أبواب المدينة.. فخرج أبو سفيان وصاح بأهل يثرب “”خلُّوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم”..
غير أن نساء يثرب انهالت عليه بالشتائم والسب، فخرجت لهن هند بنت عقبة ونساء مكة يضربن الدفوف ويغنن: “نحن بنات طارق، نمشي على النمارق.. إن تقبلوا نعانق، وإن تدبروا نفارق”.
على الجانب الآخر من المعركة.. كان النبي قد اجتمع بأصحابه وأشار عليهم بأن يتحصنوا بالمدينة، فإذا دخل جيش قريش يثرب تربص النساء لهم من أعلى بينما استقبلهم المقاتلون. ولكن بعض الصحابة اعترضوا فالقتال في المدينة يعني ضياعها في حالة الهزيمة، وفضلوا أن تكون حضنهم الآمن وأن يواجه العدو بالخارج حيث جبل أحد. كما أن جبل أحد في حد ذاتها موقع استراتيجي خصوصا مع توزيع النبال بأعلاه..
وأعطي النبي الراية لمصعب بن عمير وعيّن الزبير بن العوام قائد للجناح، وكان جيش الإسلام وقتها يتجاوز الألف بقليل..
وبدأت المعركة مع كتيبة طلحة بن أبي طلحة من جيش قريش فواجهه الزبير بن العوام وقتله وأخذ منه الراية، فقام عثمان بن أبي طلحة ليسترد الرواية فقتله حمزة بن عبد المطلب، ودارت المعركة واشتدت بين الفريقين، وبدا النصر قريب من جيش المسلمين وأخذ جيش قريش في الانسحاب العشوائي وقد اهتزت صفوفهم وتملك منهم الخوف.
وكان الرماة من المسلمين بأعلي جبل أُحُد يقتنصون من الأعداء. بإذ بهم يرون هزيمة جيش الكفار أمامهم أعينهم، فيصيح صائحاً من بينهم: “الغنائم، الغنائم”.
فيتركون مواقعهم ويهبطون من الجبل في لهفة الفائز بينما صوت عبد الله بن الجبير – قائدهم- يلاحقهم بألا يتركون أماكنهم.
على جانب آخر من المعركة كان يقف واحد من عظماء الحروب عبر التاريخ خالد بن الوليدبفرقته يتابع ما يدور مع عكرمة بن أبي جهل، وينتظر مع كتيبته اللحظة المناسبة للهجوم.. ويُقال أنه صاحب الخديعة كلها، وهو من اقترح على أبي سفيان أن يوهم جيش النبي محمد بالانتصار ثم عند تفرق الصفوف يأتي الاقتحام..
وهذا ما حدث، فحاصر جيش المسلمين في أُحُد من الأنصار والمهاجرين الذين تفرقوا بشكل عشوائي مما أتاح الفرصة لعتبة ابن أبي وقاص أن يخترق الحشد ويصل إلى النبي ويضربه على رأسه فهشم الخوذة التي تحمي الرأس. ثم تمكن عبد الله بن هاشم أن يصيب جبهة النبي ثم التحق بهم عبد الله بن قمئة فكسر أنف الرسول. وكاد أن يقتله لولا أن مصعب بن عمير ألقي بجسده ليحول بينه وبينهم. غير إنهم تكاثروا عليهما حتى قتل عبد الله بن قمئة معب بن عمير فظن أنه قتل الرسول، فوقف بين الحشد يصرخ بفرحة المنتصر: “لقد قتلت محمداً.. لقد قتلت محمداً”.
ثم صاح صائحاً: “ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا”.
تلك الجملة كان لها صدي عند الجيش المنهزم الذي غلبه اليأس حتى أن أنس كان يمر بين الصحابة فيجدهم في حسرة يقولون: “مات رسول الله”.
فقال لهم: “وما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه”.
ولكن النبي محمد لم يمت، كان وقتها الزبير ابن العوام وطلحة بن عبيد الله يصعد جبل أحد متحاملاً عليهما بينما سعد بن أبي وقاص وطلحة الأنصاري يرمان المطادرين بالسهام لردعهم..
في تلك الليلة، والتي فقد فيها الصحابة أكثر من سبعين مقاتل، من بينهم حمزة بن عبد المطلب التي شقت هند بنت عتبة بطنه واستخرجت كبده ثم أكلت منه..
باتوا في جوف جبل أُحُد خائفون.. وكانت المعركة قد انتهت بالهزيمة الساحقة لجيش أبو سفيان الذي راح يصيح منادياً: “أفي القوم النبي محمد؟ أفي القوم النبي محمد؟ أفي القوم النبي محمد؟”.
فلم يجبه أحد، فصاح: “أفي في القوم ابن أبي قحانة؟ أفي في القوم ابن الخطاب”.
فـ ظن أنهم قتلوا جميعاً، فقال: “الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم بدر”.
وتذكر الصحابة يوم بدر.. وتساءلوا: لمَ لم تنزل الملائكة لتساندنا كما حدث في بدر؟ لمَ لم يحارب معنا حيزوم ورفاقه؟
ربما لأنهم انقلبوا على أعقابهم، وربما لتخطيط وموهبة خالد بن الوليد في الحروب، وربما لأن الحرب سجال يوم ببدر ويوم بـ أُحُد ويوم بـفتح مكة.. ولكن، تلك حكاية أخرى.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد