همتك نعدل الكفة
194   مشاهدة  

حلٌ أم جريمة.. المُساكنة بين الشرع والعقل

المُساكنة


هل من المنطق حين نبحث عن حلٍ لمشكلة في المجتمع أن نضع حلولًا تزيد الأمر تعقيدًا !، ضف إلى ذلك كونها مخالفة لكل مقاييس مجتمعاتنا العربية ابتداءً من الشرائع السماوية إلى العادات والتقاليد والقيم المتوارثة بيننا كمجتمع شرقي، فبعد أقل من عام لإفصاح الفنان “محمد عطية”عن تأييده لمسألة المُساكنة عندما حلَّ ضيفًا في برنامج “شو القصة”، قائلًا “لو أنا بحب واحدة ليه ندخل المجتمع ما بينا! .. الأنسب نتجوز من غير عقد زي المُساكنة”، ليخرج علينا المحامي”عمرو صلاح” مفجرًا عن دعمه للمُساكنة خلال مداخلته في برنامج “حديث القاهرة” مع الإعلامي “خيري رمضان” ويطرحها للرأي العام مرةً ثانية، قائلًا “موافق إن أختي تعمل مُساكنة مع رجل قبل الزواج” ليرد عليه الإعلامي السالف ذكره بكل أريحية “أنا باحترمك جدًا” وكأنهم نسوا أن هناك دين وضع لنا ضوابط وحدود نتبعها، وكذلك قيم زُرعت فينا وترعرعنا عليها كمروءة الرجال وعفة النساء، لا يمكننا الانسلاخ منهما.

 

المُساكنة في عُرف المنادوون بها

ولتتضح مسألة “المُساكنة” فهي اتفاق بين الطرفين بإقامة علاقة زوجية كاملة في منزل محدد دون أي أوراق رسمية كعقد زواج أو حتى مراسم عُرس، ويسكن كلًا منهما للآخر ولهما مطلق الحرية فالإنجاب أم لا، ويدَّعِي المنادوون بالمساكنة أنها من باب التيسير على الشباب في ظل صعوبة قوانين الأحوال الشخصية والخطوات المُتبعة للزواج الرسمي، أو كأنها بمثابة اختبار تلاءوم الطرفين وتقبُلهما لبعضهما البعض، ويكأنهم يتحدثون عن أمر عابر يقبل التجارب فإذا لم تتوافق معه يتثنى لك تركه دون النظر للالتزامات أو العواقب التي ستلحق بكل طرف ممن قررا الافتراق بعد المُساكنة.

 

“ودانك منين يا جحا” هو المثل الشعبي المُعبر حقيقةً عن توصيف هذه القضية المطروحة “المُساكنة”، أليس من الأولى المطالبة بتيسير قوانين الأحوال الشخصية فتصبح الخطوات الرسمية أكثر سلاسة!، كذا العمل على زيادة الوعي المجتمعي بتخفيف الأعباء والمُطالبات على الشباب المُقبلين على الزواج في سبيل عفتهم عن الوقوع في المحرمات، وكلمة محرمات أعنيها بالفعل..

 

بعد طرح القضية في الإعلام.. نفرة الأزهر الشريف وشيوخه لاستنكارها

 

فالمُساكنة أمر غير مشروع وذلك حسب بيان الأزهر الشريف في نفرته بمشيخته وشيوخه ردًا على ما طُرِح في الإعلام عن قضية المُساكنة مصرحًا في البيان “العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وإن غُلفت مُسمياتها بأغلفة منمقة مضللة للشباب كتسمية الزنا بالمُساكنة وهي علاقات محرمة ينكرها الدين والفطرة وهذه جرأة في طرح الجرائم اللأخلاقية بالإضافة إلى أنها مجرمة عرفًا”، وليتضح الربط بين المُساكنة والزنا يجب أن نطَّلِع على تعريف الزنا فهو يطلق على وطء المرأة من غير عقد شرعي، وعلى مباشرة المرأة الأجنبية.

و لقد قال الدكتور”أحمد كريمة” واصفًا المُساكنة بأنها جريمة وأنها علاقة بهيمية ونزوة شهوانية، وتساءل الدكتور “أسامة الحديدي” مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في مداخلة هاتفية مع الإعلامية “عزة مصطفى” في برنامجها “صالة التحرير” مستنكرًا وقائلًا “هذا لا يجوز ومَن يرضاه لابنته أو لأخته ومَن يرضاه لنفسه!”، محذرًا من أن المُساكنة عبثٌ بنسل الإنسان ونسبه بل وعرضه وإحطاط من كرامته وشأنه رجلًا كان أم امرأة، وأنها إشاعة للفاحشة في المجتمع وقد توعَّد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في قوله “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.

 

أين الأمان! .. أين المنادوون بحقوق المرأة!

وإذا نظرنا نظرة حادقة إلى المفهوم الأساسي من السُكنى فهو ليس العيش وتوالي الأيام وإشباع الغرائز فقط، بل إن الشعور بالأمان هو الشرط الأساسي لإقامة أي علاقة سوية والأنثى بطبيعتها تميل إلى حب الاستقرار، وهو ما لا تتضمنه المُساكنة، فقد يقرر أحد الطرفين حسب هواه عدم استكمال “التجربة” كما أطلقوا عليها، ومن المؤكد أن المرأة هي الطرف الأكثر تضررًا على المستوى الجسدي والنفسي، دون أي تعويض أو حقوق تُرَد إليها كالزوجة عند طلاقها.

وندائي هنا لمن صدعوا رؤوسنا ليل نهار على الشاشات للمناداة بحقوق المرأة.. لمَ لمْ يخرج أحد منكم مُكشرًا عن أنيابه للمطالبين بتقنين بالمُساكنة المغتصبة لحقوق المرأة كالصداق على سبيل المثال! .. وما نظرة المجتمع لمن افترق عنها ساكِنُها دون أوراق رسمية!.. ونحن كمجتمع شرقي يسعى إلى التقدم والانفتاح لا زلنا حتى الآن نعاني من نظرة دونية للمُطلقة لا محل لها.

 

مبررات الغرب لتقنين المُساكنة لا تعنينا كمجتمع عربي

شباب أوروبا يلجئون للمُساكنة بدعوى التحرر وتحت حماية القانون ومبررين ذلك بالهروب من المسؤولية والقيود الزائدة، ففي الغرب مثلًا يهربون من الزواج لعدم الالتزام باندماج الممتلكات والثروات كما هو معروف فهو ظلم بيِّن وضياع للحقوق، ما يزيد من نسب الطلاق إلى 51 % في فرنسا وذلك حسب موقع “World of statistics”، أما ديننا الحنيف لم يفرض هذا الاندماج الظالم بل وأباح لنا الطلاق في حال استحالة العيشة بين الزوجين، قال تعالى”الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “، ومن ثَم الفُرقة بالتراضي مع ردّ الحقوق دون تنصيف للممتلكات كما هو متعارف عليه في بلاد الغرب.

 

إقرأ أيضا
كرة القدم والسياسة

المصير المجهول لنشىء المُساكنة

وبما أن المُساكنة قائمة على وجود علاقات جنسية كاملة، فمن المتوقع بكل تأكيد أن يكون نِتاج هذه العلاقات حمل المرأة، وذلك سواء قبلا بالإنجاب أم لم يقبلا فكما يحدث في الزواج الرسمي أحيانًا يتم الحمل رُغم استخدام وسيلة لمنعه وذلك إذا لم يُتبع نظامها الطبي بشكل صحيح، وهنا ظللت أفكر كيف لاثنين قررا التخلي عن مسئوليات الزواج أو ارتباطهم بعض القوانين الرسمية المُعقدة بعض الشيء أن يُجبرا على تحمُل المسؤولية الكاملة لنشىءٍ كان نِتاج هذه المُساكنة والمتمثلة في مأكل ومشرب ومسكن وعلاج وتعليم وتنشئة تربوية صحيحة!

قد يكون هناك طرفٌ عقلاني سيضحي حاملًا المسؤولية على عاتقه، وطرفٌ يقرر التفريط فيها غير آبهًا بواجبه تجاه من هم من لحمه ودمه أو يُنكر نَسب هذا الولد إليه فتعج محاكم الأسرة بقضايا إثبات النسب، لكن من المحتمل أيضًا تخلي الطرفان مما يزيد الأمر خطورة، فقد يسعى كلًا منهما للتخلص من نِتاجهما بطرقٍ شتى، أُولاها اللجوء للإجهاض الاختياري سواء بالأدوية أو الجراحي والذي قد يؤثر على المرأة سلبًا، أو سَلك مسلك انعدام الرحمة فيكون القتل حلًا للتخلص من هذه المسؤولية كما بدأ يتبادر إلى مسامعنا هذا النوع من الأخبار، ويترتب على ذلك زيادة نسبة جرائم القتل بحق الأبناء في المجتمع.

كما قد يتناسا الطرفان أن “الضنا غالي” فيقررا إرساله للمجهول بإلقاؤه في الطريق بجوار مسجد أو غيره كما نرى بالأعمال الدرامية، أو إلحاقه بملجأ، أو بيعه لأسرة حُرمت من الإنجاب وتحنُ لوجود طفل بها يملئ البيت بهجة وسرورًا ونكون بذلك ساهمنا في تجارة غريبة على مجتمعاتنا “الإتجار بالبشر”.

فعسى أن يحيا الطفل حياة جيدة بين أناس يعتنون به ويقومون على دمجه في المجتمع دون التفرقة بينه وبين غيره من الأطفال، أو يصطدم بعكس ذلك فينشأ طفل مشوه نفسيًا يعاني بعض الخلل في شخصيته نتيجة عدم انتماءه لأسرة مبنية على أسس قويمة تحتضنه وتُقومُه ملبيةً رغباته النفسية قبل المادية.

 

حقيقةً التساؤلات التي تدور في ذهني لانهاية لها، في ظل الدعوات بتحديد النسل كيف سيتثنى لنا تطبيق هذا مع وجود علاقات كالمساكنة وهي ليست مثبتة بأوراق رسمية!.. بل إن عدم وجود عقد كالزواج سيجعل الأمر كما نقول “سداح مَدَاح” فيمكن للرجل أن يُساكن عشرات النساء فليس هناك رابط يحزم المسألة، والدولة هي التي ستتحمل نتيجة هذه العلاقات أو بالأحرى هذا الهُراء.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان