دراما على إيقاع حميد الشاعري
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لا يمكن إغفال دور حميد الشاعري فى الموسيقى الشرقية فى فترة الثمانينات والتسعينات والأثر الذي تركته بموسيقاه المعروفة بموسيقى الجيل فى جيل كامل وزع عليهم البهجة مرددين أغنياته التى اتسمت بحضور قوى للموسيقى الإيقاعية الراقصة والجمل اللحنية القصيرة التى تسهل على المستمع أن يحفظها حتى لو لم يتذكر كلماتها واكتشافه لجيل كامل من المطربين أمثال”على حميده* ايهاب توفيق * حكيم * مصطفى قمر *هشام عباس * علاء سلام * ابراهيم عبد القادر” كانت بصمة حميد الموسيقيه عاملاً كبيراً فى نجاحهم وانتشارهم الفنى بالإضافة إلى تعريف المستمع بأهمية الموزع الموسيقى كونه المسئول الأول عن أخراج العمل الموسيقى فى شكله الأخير ونال الموزع نصيبه من الشهرة الفنية على يد حميد الشاعري بعد أن ظل لفترات طويلة لا يتردد اسمه بين السنه الجمهور نظرا لغموض طبيعة عمله للمستمع فى وقتها .
كل موزع موسيقي له رؤيته الخاصة فى بناء الخطوط الموسيقيه الموازية للحن ووضع الإيقاعات المصاحبة للموسيقى بالإضافة الى تحديد سرعة الأغنية واختيار الآلات الموسيقية المناسبة لتنفيذ اللحن . وتختلف رؤية كل موزع عن الأخر فى اخراج العمل الموسيقى فمن الممكن أن تجد رؤى مختلفة اغنيه واحده .وساهمت التكنولوجيا كثيرا فى تسهيل عمل الموزع الموسيقى واختصار وقته فى التأليف الموسيقى وتقليل زمن تسجيل الأغنية ويعتمد الكثيرون على القوالب الموسيقية الجاهزة دون اللجوء الى استقدام عازفين بل من الممكن ان يقوم بتسجيل وتوزيع الأغنية باله موسيقية واحدة فقط ” الكيبورد أو الأورج” وقد تخرج رؤية بعض الموزعين الموسيقيين متعارضة مع كلمات الاغنيه فقد تجد توزيعا راقصا مبهجا على كلمات ذات محتوى درامي مأساوي نظرا لتعامل الموزع الموسيقى مع مسار اللحن فقط وقد تفقد الأغنية جزء مهما من قيمتها الفنية بأن ينصب اهتمام الموزع الموسيقى على تنفيذ رؤيته ووضع بصمته الفنية دون مراعاة لجو الاغنيه العام الذي تفرضه الكلمات .
يمكن الزعم بأن حميد الشاعري قاد انقلابا موسيقيا على الأغنيه السائده وظهرت اغنيته السريعه الخفيفه اللطيفه التى كانت بنت اصيله لتلك الحقبة الزمنية الاستهلاكية القحة و اكتسحت موسيقاه السوق الغنائى سرعان ماكان حميد الشاعري هو الماركه المسجله للنجاح واعتمدت عليه شركات إنتاج الكاسيت التى تبحث عن مكسب سريع مضمون لا قيمه فنيه وادى هذا الاعتماد شبه الكلى على حميد الشاعري الى خروج موسيقى بعض الاغنيات وبها سقطات فنيه واضحه جدا و افسدتها رؤيته الموسيقية وخرجت اما مهلهلة جدا لا يوجد بها اى خطوط هارمونية تتطلبها اللحن او خرجت ايقاعيه راقصه لا تتفق مع الجو العام للأغنية فى العموم.
نار .. نار- حكيم 1994
كلمات / أمل الطائر …. لحن / عصام توفيق
يعتبر المطرب “حكيم” أحد أهم اكتشافات حميد الشاعرى الفنية بعد ان وجد فيه صوت شعبى جديد ومختلف عن الأصوات السائدة وقتها يحمل بين طياته طرب الغناء الشعبى الشرقى وأكمل به حميد عقد مجموعة مطربي موسيقى الجيل الذى كان غنائهم عاطفى رومانسى اختلطت موسيقاه بين الشرق والغرب .وكانت البداية مع حكيم بألبوم نظرة ثم تبعه بألبوم نار
فى اغنيه ” نار” والتى وزعها حميد الشاعرى بدء حميد الاغنيه بتقسيمه حزينه من اله الساكس فون والتى توحى بأننا بصدد الاستماع الى موال من حكيم وصاحب تلك التقسيمة رتم سنباطى بطئ يصاحبه بعض الحليات الإيقاعية سرعان ما بدأ فى تسريع الرتم حتى وصل إلى ذروة الإيقاع بدخول الكورال مع اهات ولوعه من صوت حكيم ثم بعد ذلك تبدأ وصلة من المقسوم الإيقاع الراقص الذى لم يتناسب مع أجواء كلمات الاغنيه المأساوية والتى تحكى عن عذابه بعد هجر المحبوب ويغنى حكيم بشكل تعارض مع لحن الاغنيه وجوها الدرامى وظهر كأنه منتشى مبتهج بهجر حبيبه.
اجيلك شوق – ذكرى 1999
كلمات / تركي …. لحن / طارق محمد
المطربه ذكرى تكاد تكون الوحيدة التى خلصت على الغناء العربي من مشرقه الى مغربه وغنت كافه الالوان والاشكال الغنائيه عبر البومات كثيره .لم تكن أغنيه اجيلك شوق هي اللقاء الاول مع حميد فسبقه لقاء آخر في اغنيه يا هاجرى والذى صدرت فى البوم لقاء النجوم فى أول ظهور لذكرى داخل مصر .
بدأ حميد الاغنية بصولو حزين جدا من آله الكوله يعزف التيمة اللحنية لمذهب الاغنيه لن تسمعه مرة أخرى داخل الاغنيه سرعان ما يصدمك صوت اّلة القربة المعزوف من الكيبورد وخلفه مقسوم سريع تحس خلالها انك خرجت من عزاء ودخلت إلى صالة رقص .. وعلى الرغم من الاغنية لحنها قوى جدا مما قد يحفز الموزع على صنع اغنيه مبهرة دسمه فنيا بالاضافة الى انها طويله نسبيا تحتوي على ثلاث كوبليهات الا ان توزيع حميد لم يستطيع مجاراة هذا اللحن وخرجت الاغنيه فارغه موسيقية تماما خاليه من اى هارمونيات مساعده لهذا اللحن وادت ذكرى اللحن على خلفية ايقاعيه فقط دون اى خط هارمونى قوى حتى فواصل اللحن استخدم جمله لحنيه من مازورتين فقط لكي تبدأ كوبليهات الأغنية مع خلفية ايقاعيه وبعض الوتريات الهلامية بالكى بورد وصولو قانون طغى عليه الرتم حتى عند نقله اللحن تعامل مع النقلة ايقاعيا فقط باستخدام الرق كخلفيه ايضا وممكن ان نقول ان تلك الأغنية كانت اكبر من امكانيات حميد الفنية فتعامل معها بشكل سطحى جدا وفقر ابداعى واضح .
لولا السهر- محمد منير 2003
كلمات / مرسى جميل عزيز …. لحن / محمد الموجى
حقيقه لا اتهم حميد بسوء التنفيذ الموسيقى فى تلك الأغنية بقدر ما استعجب من اختيار منير لغناء هذا اللحن الذى لم يتلائم مع صوته نهائيا واصرار منير على ” الحزق” طول الاغنيه واحساس المستمع بأن صوته لا يجد الراحة فى أداء هذا اللحن ,الكارثة فى رأيى هى اختيار يحيى الموجى لكتابة خط الوتريات المصاحب لإيقاع وكى بورد حميد الشاعرى على الرغم من انها من الحان والده الملحن محمد الموجى وهو الاجدر والاحق بإعادة توزيعها مرة ثانيه الا ان منير ارتكب خطيئتان مره باختياره اغنية لا تلائم صوته ومره بأختيار حميد لتوزيعها .
مرسال المراسيل – بحبك يافيروز 1999
كلمات / الاخوين رحباني … لحن / فيلمون وهبه
بعد النجاح الساحق الذى حققه حميد الشاعرى والذى أثار حفيظة بعض من هاجموه وناصبه العداء فنانون من الجيل الذى يدعى انه يريد ان يحافظ على هوية الأغنية المصرية من موسيقى حميد وقاد الملحن حلمى بكر وآخرون حربًا شرسه لإيقاف حميد عن العمل بحجة أنه لا يحمل كارنيه عضوية نقابة الموسيقيين وعلى الرغم من هذا الهجوم الذي ناله حميد وانتهى في النهاية الى ايقافه عن العمل لفترة قاربت على الثلاث سنوات قام حميد بتوزيع ألبوم كامل يحتوي اغانى السيده العظيمه “ فيروز” من ضمنها اغنيه مرسال المراسيل
عند بدايه الاغنيه تحس انك امام فرقه زفه شعبيه تحاول ان تعزف بأقل إمكانيات لديها دون اجتهاد في العزف او رؤية فنية واضحة في التوزيع خرج عشوائى جدا بالبدايه التى تشعرك كأنك فى فرح شعبى والمشاعل من حولك لا فى حضرة اغنيه العظيمة فيروز . حميد استعان يحيى الموجى لكتابة خط الوتريات على مقسومه التقليدى المكرر والتى كانت تصرخ بجمل قصيرة في عبث سمعى وعانى حميد من فقر ابداعى واضح نظرا لاعتماده على الرتم المفضل له دون اى لمسه فنيه قد تضيف للأغنيه وساهم أداء الكورال للحن فى خروج الاغنيه فى صوره باهته على اسوء مايكون .
فى النهايه قد يتعامل البعض مع الموسيقى بشكل أكاديمي بحت من ناحية تحليل وتفكيك البنية الموسيقية ويرى أنه مادام الموزع الموسيقى لم يخل بقواعد وميزان الموسيقى التقليدي أذن له مطلق الحريه فى ان يصيغ الموسيقى بالشكل الذى يراه حتى لو تعارض ذلك مع الأجواء التي فرضتها الكلمات او الجمل اللحنية المغناة بل يتم التعامل بشكل نظرى جاف دون إبداء الرأى فى العمل الفنى المطروح , نفس الحال بالنسبة للنصوص الشعرية فلا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهلها وانصراف التركيز على الجانب الموسيقى فقط فطريقه صناعة الأغنية تبدأ من الشاعر الذى فى غالبية الأحوال يكتب نصه قبل كتابة الموسيقى مع الأخذ فى الاعتبار حتمية اختيار جمل لحنية تلائم أجواء الكلمات التي تلحن فمن غير المقبول ان تصنع لحنا راقصا وتغلفه إيقاعات صاخبة على كلمات تقطر شجنا والعكس كذلك لذا يجب أن يكون هناك عملية تماهى وتوحد بين الكلمات وبين الموسيقى التى توضع عليها فيما يشبه إعطاء الأغنية روحها المناسبة دون الاعتماد على القوالب الفنية الجامده والنظريات التي تحد من ابداع الفنان أو قد تبخسه حقه فى التمرد والتجريب بالاضافة الى ان تكوين رؤيه نقديه حقيقيه فعاله عن الفن يساهم بشكل كبير فى تشكيل وعى الجمهور ويتيح له الفرصة للتعاطي مع الفن بشكل يجعله قادرا على فك شفرات العمل الفني وتذوقه بشكل أعمق .
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال