حوار مع صديقي الطفل

الأيوبيين والقدس

سادس حملات الفرنجة ع الشرق بقيادة فريدريك التاني، أمبراطور ألمانيا، كانت أصغر حملة ع الإطلاق بتعداد ستوميت مقاتل، ومن ضمن أسباب صغر حجمها عدم مباركة البابا للحملة.

بس رغم إن العدد قليل ومافيش دعم بباوي فردريك التاني قدر يرجع أوروبا بمفاتيح أورشاليم، وده مش لإن الستومية كانوا جامدين جدًا زي أسطورة 300 أسبارطي، إنما لإن فريدريك خرج بالحملة بناء عن طلب واتفاق مُسبق مع الملك الكامل، ابن أخو صلاح الدين الأيوبي.

دردشة

فاجئني أصغر أصاحبي سِنًا، سامر ألفي، إنه عارف المعلومات دي، اندهشت جدًا لإني واثق في منظومتنا التعليمية وإنها يستحيل تدرس عيالنا التاريخ بشكل حقيقي، إنما لازم تأيفُه وتلوي دراعه وأحيانًا تكذب.. كل ده في سبيل حاجتين:

الأولانية ترسيخ صورة وهمية في دماغنا من وإحنا صغيرين مفادها إن “الدولة الإسلامية” عبر العصور حلوة وبسمسم وكل حكامها حتى اللي حاربوا بعض وقتلوا بعض ونبشوا قبور بعض كلهم ناس كُمل.

والتانية إن الدولة دي هي “إحنا”، انتصارها.. انتصارنا، وإنكسارها.. إنكسارنا، عشان يتكون عندنا أجيال بتلطم ع الأندلس وبتحلم بعودة دولة الخلافة؛ ونرجع بعد كده نجري وراهم في المنظمات الإرهابية أو نحاول نقنعهم مايدعموش التيارات السياسية ذات المرجعية الداعشية.

سامر قالي مافيش حرب كل أطرافها طيبين وعندهم نفس الهدف، أمال بيحاربوا بعض ليه؟؟، كمان ماينفعش حُكمِنا على نفس الفِعل يختلف باختلاف الفاعل، وإنه ماعندوش ثقة في منهج التاريخ بتاعه لإنه دايمًا بيقع في الغلطتين دول، وعشان كده كل ما بياخد قصة في التاريخ بيرجع يقرا عنها في مصادر أجنبية، عشان يقدر يوصل للصورة الكاملة من غير قص ولزق.

كمان قرر يعمل فيديوهات يحكي فيها، للي في سنه، حواديت التاريخ زي ما موجودة في المراجع.

معاهدة يافا

سنة ١٢٢٩م تم توقيع معاهدة يافا بين الملك الكامل الأيوبي، ملك مصر، وفريدريك التاني، الإمبراطور الألماني. معاهدة بمقتضاها دخل الجانبين في هدنة عشر سنين، وكل الأراضي اللي صلاح الدين الأيوبي فرض سيطرته عليها في ساحل الشام تتنقل لسلطة الإمبراطور الألماني.

مع شوية بنود تاني لضمان هندلة الأمور الدينية وتوفير حق العبادة والزيارة في القدس وبيت لحم للمسلمين والمسيحيين من غير نوش من أي نوع. وأتصور الأتنين على باب المدينة وهمه بيسلموا على بعض.

الكامل ابن العادل ابن الناصر

الملك الكامل أيوب يبقى ابن الملك العادل أيوب (أخو صلاح الدين)، العم والأب شاركوا سوا في تحرير الشام من الصليبيين في موقعة حطين، والكامل كان هو ملك مصر وقت الحملة الخامسة للفرنجة (١٢١٧ – ١٢٢١م) على مصر، والحملة دي حاصرت دمياط حوالي سنة.

خلال الحصار عرض الملك الكامل على الفرنجة الصلح وفَك الحصار مقابل التنازل عن كل الأراضي اللي عمه وأبوه كسبوها منهم، والعودة لحدود ما قبل حطين، بس همه رفضوا وأصروا يكملوا الحصار، اللي في النهاية انتهى بالفشل بسبب فيضان النيل.

لكن العرض ماختفاش للأبد، ولظروف “سياسية” مختلفة بعث من جديد.

السياسة مافهاش مقدسات

بعد الفرنجة ما انسحبوا آل أيوب تفرغوا للتنافس والحرب مع بعضهم على الأراضي المُسيطرين عليها، الكامل ورث مصر وأخوه المعظم عيسى ورث دمشق وأخوهم التالت الأشرف موسى ورث إقليم الجزيرة الفراتية (منطقة متقسمة النهارده بين العراق وسورية وتركيا)، وفي نفس الوقت كل واحد منهم عينه على ممتلكات إخواته عايز يهفها.

أثناء النوش ده ما شغال ظهر ع الساحة كابتن جنكيز خان ونجاحه في توحيد قبايل بدوية في منغوليا وقيادتها لغزو العالم، زي ما كانت الموضة في العصر ده، فلما جيوشهم بقيت قريبة من الحدود لشرقية للدولة الخوارزمية (دولة زي الأيوبية كده بتحكم من بطن الدولة العباسية).

في ضوء تزامن المخاطر دي مع بعض اختار الكامل أيوب إنه يطلب مساعدة فريديك التاني، فبعت يعرض عليه ييجي بحملة جديدة وهو هيسلمه كل الأراضي اللي عمه أخدها ويرجعوا لحدود ما قبل حطين، بشرط يساعده.. مش ضد المغول إنما ضد أخوه المُعظم عيسى.

حلق حوش

قبل فريدريك الطلب واتحرك في اتجاه الشام، بس ماقدرش ياخد مباركة الكنيسة بالعكس ده البابا حرمه كنسيا أساسا، فعلى ما لم الحوارات دي ووصل.. كان المُعظم عيسى مات، فبدء الكامل يماطل في تنفيذ الاتفاق.. على أمل إنه خلاص ماعدش مزنوق.

لكن فريدريك ماكنش ينفع يخسر كل حاجة، ففضل يزن على الكامل ويبعت في مراسيل ويكسب في وقت لغاية ما الكامل وصل لطريق مسدود مع قرايبه وظهر كلام إن الخوارزميين كمان ناويين يتوسعوا غربًا (في اتجاه الشرق الأوسط)، فرجع لاتفاقه مع الحليف الوحيد اللي مادد إيده ومضوا سوا على اتفاقية يافا سنة 1229م.

إقرأ أيضا

البابا الذي اختنق حتى الموت بسبب ذبابة

أتفاقية ردود الأفعال عليها كانت مضحكة جدا، حيث رفضها المسلمين بوصفها تخلي عن أراضي إسلامية للفرنجة، ورفضها الأوروبيين بوصفها موقعة مع ملك محروم كنسيًا، وكمان لإنها ضمنت سيطرة المسلمين على بيت المقدس، وده كان أمر مرفوض من الكنيسة الكاتوليكية.

قدس للبيع.. عكا للبيع.. أي مدينة ع الساحل للبيع

بعد عشر سنين من إعلان معاهدة يافا وتنصيب فريدريك ملك على أورشاليم أتغيرت الأوضاع السياسية في المعسكر الشرقي، أه آل أيوب لسه مسيطرين على مصر والشام وبلاد الرافدين ومقسمين المنطقة بينهم، بس كمان لساهم واقعين في بعض ومخونيين بعض.

فقرر الصالح إسماعيل، حاكم دمشق، إنه يراسل الفرنجة عشان يدعموه قصاد الصالح أيوب، حاكم مصر بعد الكامل، في مقابل إنه يتنازل لهم عن سلطة المسلمين ع المسجد الأقصى وتبقى سلطتهم على مدينة القدس كاملة.

حاول الصالح أيوب يعمل نفس الاتفاق من ناحيته، واتنازل عن عسقلان وغزة وأعترف بسلطة الفرنجة على الأراضي اللي سلمها قريبه الصالح إسماعيل. بس بعد كده غير بوصلتُه وتحالف مع الخوارزميين، وقدروا يستعيدوا المدينة بعد ما كسبوا التحالف الأيوبي-الأوروبي سنة 1244م، في معركة هربيا، معركة حصل بعدها مدابح ونبش قبور وتعدي على المقدسات المسيحية على أيد الخوارزميين.

عشان ترجع القدس لسلطة أخر السلاطين الأيوبيين، بعد عشرات المؤامرات المتبدالة بين الحكام المسلمين مع بعض وضد بعض، ووصلت لتحالفهم مع الفرنجة ضد بعض وتحالف الخليفة العباسي نفسه، أبو العبَّاس أحمد الناصر لِدين الله، مع المغول عشان يخلصوه من دولة الخوارزميين، اللي هو نفسه استعان بيهم عشان يخلصوه من السلاجقة.

تاريخ طويل من الغدر والخيانة والمؤامرات بهدف واحد بس.. السلطة والمال، تاريخ لا الأيوبيين بدعوه ولا كانوا أخر حلقة في سلسال مهاوييس السلطة وممارسة كل أنواع البلاوي تحت راية الدين، راية شكلت لهم حماية، لحد النهارده، من مجرد حتى سرد حكاياتهم زي ما هي.