همتك نعدل الكفة
164   مشاهدة  

“حول أدلة وجودها بمصر” أسئلة قديمة جديدة قدمها فيلم رأس الحسين فكيف أجاب عنها

فيلم رأس الحسين
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



عرضت قناة الفضائية المصرية فيلم رأس الحسين وهو عمل وثائقي أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ونفذته شركة CMC برئاسة الإعلامية رشا الشامي والكاتب أسامة الشاذلي.

رؤية نقدية مجملة لما في فيلم رأس الحسين

YouTube player

فيلم رأس الحسين الذي هو من فكرة وإخراج أسامة الشاذلي كان صعبًا من حيث الرسالة التي يريد إيصالها وتنفيذها وذلك بسبب أمرين تفادهما الفيلم:-

الأمر الأول أن الفيلم من حيث الفكرة والتنفيذ كان سينتظره كمين مثالي يوقعه في الفشل وهو كمين المذهبية، فهو أمام مطرقة الإنجراف إلى الطابع الصوفي المحشو عند البعض بجو الدروشة الخالية من العلم، أو ينحرف في مساره إلى المذهب الشيعي الذي سيثير حفيظة الصوفية وأعداءهم من السلفيين، إلى جانب الباحثين الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

لذا فإن المخرج كان موفقًا في أن ينأى بنفسه بعيدًا عن المذهبية ويتخذ لنفسه طريقًا وقاعدة، أما الطريقة فهي المَصْرَنَة، والقاعدة هي مناقشة المسألة بشكل علمي؛ ويظهر ذلك في الخلفية الصوتية التي هي لا صوفية ولا مذهبية وإنما هي مصرية، فضلاً عن أن المؤثرات البصرية في شكل المعركة بعد انترو الفيلم لم يكن لها أي علاقة بأحداث كربلاء في المنمنات الشيعية، وكذلك الجرافيك في رأس الحسين.

كان الجرافيك ضمن نقاط القوة في بداية الفيلم لأنه وضع شكل رأس الحسين وخريطة تحركها، والذكاء هنا أن الرأس لم تظهر بملامح الوجه ولو فعلها المخرج لكان مرجعه الوحيد الشكل الشيعي للحسين، ولو أضاف له شكل آخر لوقع في مأزق التجسيد الذي يرفضه جملة أهل السنة لآل البيت رغم تجسيدهم في أعمال إضافية؛ ومن ثم لجأ المخرج إلى جزئية النور والدم لينهي ذلك.

من أشكال الجرافيك في فيلم رأس الحسين (ملمح الحسين)
من أشكال الجرافيك في فيلم رأس الحسين (ملمح الحسين)

أما ثاني الأسباب التي مثلت تحديًا لمحتوى الفيلم، أن المخرج في بداية الفيلم وضع مقدمة خلال بداية الفيلم (لم تستغرق دقيقتين)، وتلك الدقيقتين شرحت الفيلم كله ثم حسم ما يريد إيصاله إلى حدٍ كبير، فالفيلم في بدايته قال أن رأس الحسين يتنافس عليها 6 دول بـ 8 أماكن، ونفى وجودها في 5 دول بـ 7 أماكن، ليذهب إلى مصر.

ومن خلال الضيوف نوقشت رسالة الفيلم بين رفضٍ مثله حسين حافظ الباحث في تاريخ مصر الإسلامية، وتأييد علمي تبناه الدكتور عبدالباقي السيد القطان أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة عين شمس، وهو نفس التأييد الذي عليه الداعية الإسلامي الشيخ يسري جبر، لكن بشكل روحاني.

الشيء الجديد الذي قدمه الفيلم في مسألة نقل الرأس إلى عسقلان إلى أن الرأس نُقِلَت من الشام إلى عسقلان، في تعارض تام لما قيل في أغلب كتب التاريخ؛ وذلك الرأي يستند إلى دليل علمي منطقي وهو كلام المؤرخ بن العمراني الذي قال «كان بحضرة يزيد جماعة من أهل عسقلان فسألوه أن يدفن عندهم فسلّمه إليهم فدفنوه بمدينتهم وبنوا عليه مشهدا وهو إلى الآن يزار من الآفاق ويعرف بمشهد الرأس، ودفن بدنه الشريف المقدس بكربلاء، وفي أيام عضد الدولة فناخسرو أمر أن يبنى عليه مشهد فبنى وهو إلى الآن عامر فيه نحو من ألف دار ويعرف بمشهد الحسين».[1]

رؤية علمية تفصيلية لمحتوى الفيلم

بداية فيلم رأس الحسين
بداية فيلم رأس الحسين

وقعت معركة كربلاء في 10 محرم 61هـ / 10 أكتوبر 680م، بين الإمام الحسين بن علي وآل بيته وبين جيش الشام الذي قاده عمر بن سعد بن أبي وقاص تنفيذًا لأمر عبيدالله بن زياد والي العراق والذي أصدره يزيد بن معاوية.

وضعت معركة كربلاء أوزارها بمقتل 72 رجلاً من بينهم الإمام الحسين بن علي، ووقع في الأسر 25 شخصًا منهم 6 نساء و19 شاب، فتحركوا من كربلاء إلى الكوفة في يومين ومن الكوفة في العراق إلى دمشق في الشام، وجميعهن كان معهن رأس الحسين.

الرأس ما بعد مقتلة كربلاء

معركة كربلاء
معركة كربلاء

اتفق المؤرخين على أمرين:-
الأول أن رأس الحسين جاءت إلى والي العراق عبيدالله بن زياد في طَسْت.[2]
الثاني أن والي العراق عبيدالله بن زياد نصب الرأس في الكوفة، ثم دعا زَحْرِ بن قيس الجُعْفِيّ  وأعطاه رأس الحسين مع رؤوس أصحابه وأهل بيته ليزيد بن معاوية في الشام.[3]

ومن هنا بدأ الخلاف بين المؤرخين حول مصير الرأس بعد وصولها للشام، خاصةً مع تعدد سلسلة من المشاهد المكذوبة في الشام، كمقام خولة بنت الحسين في بعلبك، والتي لم يرد ذكر اسمها ضمن أسيرات كربلاء لا في المراجع السنية ولا حتى الشيعية.

الأماكن التي ذهبت إليها الرأس ومناقشة دفنها بين المؤيدين والمعارضين

فيلم رأس الحسين
من أشكال الجرافيك في فيلم رأس الحسين (توزيع البلاد المتنافسة على وجود رأس الحسين)

خلاف المؤرخين حول مصير الرأس حصرها في 8 أماكن بـ 6 دُوَل هي
«كربلاء، المدينة المنورة، مرو، الشام (3 أماكن)، عسقلان، القاهرة»

رأس الحسين في كربلاء

مرقد الحسين في كربلاء
مرقد الحسين في كربلاء

مدينة كربلاء تقع في منطقة الفرات الأوسط وتحديدًا جنوب بغداد.

أدلة ثبوت رأس الحسين في كربلاء
ضريح الحسين في كربلاء
ضريح الحسين في كربلاء

يقول ذلك الرأي أن رأس الإمام الحسين كان مع الأسيرات في الشام، ثم أخذهن وهن في طريقهن للمدينة المنورة، وعند وصولهن لكربلاء دفنوه هناك.

وأصحاب هذا الرأي لم يصلوا إلى حقيقة مؤكدة فجميعهم أرخوا بطريقة قيل في مدينة كربلاء وقيل في المدينة المنورة وقيل في دمشق، وأبرز من قال بذلك رضي الدين بن طاووس[4]، وسبط بن الجوزي[5]، وبن كثير.[6]

أدلة نفي وجود رأس الحسين بن كربلاء
فيلم رأس الحسين
سقف غرفة ضريح الحسين في كربلاء

ثمة إشكاليات عقلية ونقلية في الكلام القائل بأن الرأس في كربلاء.
من الناحية المنطقية فإن يزيد بن معاوية ما كان ليسمح ببقاء الرأس في كربلاء وهي عاصمة مؤيدي الحسين وآل البيت، وستصير بذلك قنبلة زمنية للثورة على الأمويين في أي وقت.

من الناحية التاريخية فإن الخليفة المتوكل العباسي بعد مضي 175 سنة من وقوع كربلاء أمر بهدم قبر الحسين[7]، ويحكي المسعودي أنه في سنة 850م / 236هـ قام المتوكل بتكليف أحد رجاله واسمه الذيريج بهدم القبر قبل نبشه ومحو أرضه وأن يعاقب من وُجِدَ به، فقام الذيريج بالتنفيذ ولما وصل لموضع اللحد لم يرى فيه أثر للرأس.[8]

رأس الحسين في المدينة المنورة

خريطة للمدينة المنورة 1808م
خريطة للمدينة المنورة 1808م

يتبنى هذا الرأي فرضية أن الرأس مدفونة في البقيع بجانب المسجد النبوي.

أدلة ثبوت وجود رأس الحسين في المدينة المنورة
قبر الحسن بن علي
قبر الحسن بن علي

يقول ذلك الرأي أن يزيد بن معاوية أمر بتجهيز الأسيرات وأرسل معهن 30 فارسًا للحراسة حتى المدينة المنورية، وبعث معهن الرأس إلى عمرو بن سعيد والي المدينة المنورة فكفنها ودفنها في البقيع عند قبر السيدة فاطمة الزهراء والحسن بن علي، وقد تبنى هذا الرأي كثير من المؤرخين المشهورين.[9]

أدلة نفي وجود رأس الحسين في المدينة المنورة
قبر السيدة فاطمة الآن
قبر السيدة فاطمة الآن

لكن هذا الرأي ضعيف جدًا وذلك لأنه حتى القرن الرابع الهجري، كان هناك رخامة مكتوبة فيها أسماء المدفونين عند قبر السيدة فاطمة الفاطمية ولم يكن فيها اسم الحسين من ضمنهم.

وكان شاهد العيان على تلك الرخامة هو المسعودي حيث زار المدينة المنورة ووجد رخامة فوق قبر الحسن بن علي مكتوب فيها «الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، والحسن بن علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين بن علي، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، رضوان الله عليهم أجمعين».[10]

رأس الحسين في مدينة مرو

من خرائط مرو سنة 1913م
من خرائط مرو سنة 1913م

مدينة مرو هي مرو الشاهجان في تركمنستان بآسيا الوسطى.

أدلة ثبوت وجود رأس الحسين في مدينة مرو
رسم تخيُّلي لأبي مُسلِم الخُراسانيُّ
رسم تخيُّلي لأبي مُسلِم الخُراسانيُّ

كانت هناك أقوال تقول أن أبو مسلم الخراساني هو من نقل رأس الحسين إلى مدينة مرو، وقد أورد المقدسي وجود الرأس في مدينة مرو في خراسان، لكنه تشكك من ذلك وقال «خارج مرو من نحو سرخس رباط فيه قبر صغير زعموا أنه قبر رأس الحسين بن علي».[11]

أدلة نفي وجود رأس الحسين في مدينة مرو
موقع معركة الزاب
موقع معركة الزاب

لكن هذا الكلام فيه شيء غير منطقي وذلك لأن دخول الشام تحت حكم العباسيين كان على يد عبدالله بن علي بن عبدالله عم أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور الذين تولوا حكم الدولة العباسية، وذلك أثناء معركة الزاب والتي قادها وأسقط حكم الأمويين للأبد سنة 132هـ، فيما جاء أبو مسلم الخراساني بعدها بـ 4 سنوات[12]، وبالتالي لا يمكن أن تُنْقَل الرأس إلى مدينة مرو وإنما لسلطان العباسيين وهو ما لم يحدث أساسًا.

رأس الحسين في الشام

الأماكن الموجودة في بلاد الشام وتتنافس على رأس الحسين
الأماكن الموجودة في بلاد الشام وتتنافس على رأس الحسين

اكتظت كتب المؤرخين بالكلام حول دفن رأس الإمام الحسين في الشام عاصمة مُلْك الدولة الأموية في زمن يزيد بن معاوية؛ وانحصرت الآراء في أن الرأس في 3 أماكن فيها ولكل مكان منها ظروف جعلت الرأس مدفونة بها والأماكن الثلاث هي:- «الرقة، باب الفراديس،  دار خزائن السلاح في قصر يزيد».

أدلة ثبوت وجود الرأس في الرقة

كان ابن سبط الجوزي هو من انفرد بذكر وجود رأس الإمام الحسين في مدينة الرقة بمسجدها نقلاً عن بن عمرو الوراق في كتاب المقتل وكان مفاد رأيه أن يزيد بن معاوية أرسله إلى آل أبي معيط فدفنوه في دورهم ثم دخلت الدار في المسجد الجامع للمدينة.[13]

أدلة نفي وجود الرأس في الرقة

لكن هذا الرأي لا يمكن قبوله، فبعيدًا عن أنه لا يمكن للعباسيين أن يتركوا رمزًا هامًا عند بلاد الشام، إلا أن حكام الدولة الأموية لم يؤسسوا مسجدًا جامعًا في مدينة الرقة، وكان أول مسجد جامع بناه العباسيين في الرقة هو جامع الرافقة وذلك في عصر أبي جعفر المنصور.[14]

أدلة ثبوت وجود الرأس في باب الفراديس

تبنى الرأي القائل بأن الرأس مدفون في دمشق عدد من المؤرخين أبرزهم «ابن فضل العمري، الذهبي، عثمان بن مدوخ»، وجميعهم قالوا بآراء مختلفة.

أما ابن فضل العمري فلما تكلم عن مقتل الكامل محمد بن غازي على يد التتار قال بأن بأن رأسه في مشهد الحسين داخل باب الفراديس وساق أبيات رثاء قيلت في حقه من الشيخ شهاب الدين أبو شامة وشبه نهايته برأس الحسين.[15]

فيما قال الذهبي بعدما أشار أن الرأس مدفون في البقيع، حكاية أخرى مفادها أن رجلاً اسمه أبو كرب هو من دفن رأس الإمام الحسين إذ كان أبي كرب من الذين نهبوا خزائن الأمويين في دمشق عقب مقتل الوليد بن يزيد بن عبدالملك سنة 126هـ /744م، ودفنه بالقرب من باب الفراديس.[16]

أدلة مناقشة عدم وجود الرأس في باب الفراديس

لكن هذا الرأي ينافيه عثمان بن مدوخ إمام مسجد السلطان الحنفي في مصر، وهو من وفيات سنة 1899م وقد حكا حكاية يعود زمنها إلى عصر السلطان العثماني عبدالمجيد الأول وقال تلك الحكاية في كتابه العدل الشاهد في تحقيق المشاهد مفادها أن بعض العلماء أرادوا أن يهدموا جزءًا من باب الفراديس لبناء خزانة لحفظ الكتب فعثروا على حجر كبير مكتوب عليه ما يُفْهَم أن رأس الإمام الحسين موجود هنا، ليتم رفع الأمر للسلطان العثماني عبدالمجيد الأول ليكلف وفدًا من علماء الإسلام للتحقيق في الحفر، فاتجهوا ووجدوا فجوة خالية عن الدفن، مما يشار إلى أن الرأس لم يعد موجودًا في باب الفراديس.[17]

أدلة ثبوت وجود الرأس داخل دار خزائن السلاح في دمشق

صاحب هذا الرأي هو المؤرخ بن عساكر والذي قال نقلاً عن أبيه، أن ريا حاضنة يزيد بن معاوية قالت له أن الرأس مكث في خزائن السلاح خلال عصر يزيد بن معاوية، حتى تولى سليمان بن عبد الملك فبعث إليه فجاء به وقد جف جلده ويبس وبقي عظم أبيض فجعله في وعاء وطيبه وجعل عليه ثوبًا ودفنه في مقابر المسلمين فلما تولى عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح وطلب رأس الحسين بن علي فكتب إليه أن سليمان أخذه وجعله في وعاء وصلى عليه ودفنه فصح ذلك عنده فما دخلت الدولة العباسية سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه.[18]

أدلة مناقشة وجود الرأس داخل دار خزائن السلاح في دمشق

أيدت الدكتورة سعاد ماهر محمد وجود الرأس في دار خزائن السلاح في دمشق لسبب منطقي يقوم على شواهد تاريخية، وهو بقاءها في دمشق مدفونة سيكون مصدر ثورة دينية كبيرة على يزيد في قلب عاصمة مُلْكِه، كما سيتم نبش القبر من قِبَل أتباع الحسين لاحقًا لأخذها في ثورتي التوابين والمختار الثقفي، بالتالي فإن إخماد فتنة قتل الحسين أمر ضروري ولا يتم إلا بحفظه داخل مكان أمين، ولا ينطبق الأمن على مؤسسة أموية أكثر من خزائن السلاح.[19]

بقيت الرأس في دار خزائن السلاح لمدة 34 سنة بدايةً من سنة 680م / 61هـ حتى سنة 714م / 95هـ إلى أن جاء سليمان بن عبدالملك وحدث تغير كبير حكاه بن عساكر نقلاً عن ريا حاضنة يزيد بن معاوية إذ قالت لوالد بن عساكر[20]، حكاية نقلها ابن كثير[21]، مفادها أن سليمان بن عبدالملك أمر بإخراج رأس الحسين من دار خزائن سلاح دمشق وقد جف جلده ويبس والتصق الجلد بالعظم من الهزال والجفاف، فجعله في وعاء وطيَّبه ووضع عليه ثوب ودفنه في مقابر المسلمين.

ثم جاء عمر بن عبدالعزيز وطلب من خازن بيت السلاح رأس السلاح فكتب له وقال أن سليمان بن عبدالملك أخذه وجعله في سفط وصلى عليه ودفنه، وبقي الرأس في المقبرة حتى جاء العباسيين وسألوا عن مكان الرأس فنبشوه وأخذوه ولا أحد يعرف ماذا فعلوا به؛ ومن هنا تأتي سيرة المحطة السابعة في مكان رأس الحسين وهي مدينة عسقلان.

رأس الحسين في عسقلان

احتفالات الصوفية في فلسطين
احتفالات الصوفية في فلسطين

مدينة عسقلان في فلسطين بنيت على طريق السهل الساحلي الواصلة بين شمالي سيناء ومنطقة الجليل.

أدلة مناقشة وجود الرأس في عسقلان
شاهد مقام رأس الحسين في مدينة عسقلان الفلسطينية
شاهد مقام رأس الحسين في مدينة عسقلان الفلسطينية

مع الكلام عن سيرة رأس الحسين في عسقلان يأتي سؤالين
أولهما:- لماذا عسقلان تحديدًا ؟
ثانيهما :- متى نُقِلَت الرأس لها ؟

ليس هناك تحديد موثق لنقل الرأس إلى عسقلان، وذلك الأمر فيه روايتين، الأولى لابن العمراني والذي قال أنها نُقِلَت في زمن يزيد بن معاوية، والثانية للمؤرخ بن عساكر والذي قال أنها نقلت لعسقلان زمن العباسيين نقلاً لما قالته ريا حاضنة يزيد بن معاوية لوالد بن عساكر، لكن هذا التحديد وإن كان يخلو من التحديد الزمني، لكن فيه ما يؤيده من المنطق.

فبقاء الرأس في بلاد شبه الجزيرة العربية زمن العباسيين سيكون بمثابة قنبلة زمنية موقوتة بسبب خلافات العباسيين مع العلويين، وبالتالي وجودها في العراق مثلاً لن يكون مسموح به كون أن العراق عاصمة العباسيين، ووجودها في الشام أو حتى الحجاز سيكون فرصة للعلويين أعداء العباسيين ليأخذوها رمزًا لثورتهم، وبالتالي نقلها إلى بلد بعيد لا يمثل رمزية سياسية لآل بيت علي يكون معقولاً بناءًا على تصرفات العباسيين الذين كان بينهم وبين العلويين خلافات وصلت لحد نبش قبر الحسين في كربلاء وقتل أي أحد من آل البيت يُشَك في ولاءه للبيت العباسي.

إقرأ أيضا
المجتمع الذكوري

يتبقى الشواهد التاريخية التي تشير إلى وجود الرأس في عسقلان، وتلك الشواهد نجدها في كتب التاريخ متوفرة بكثرة، ومنها :-

حكى المقريزي في حوادث سنة 1123م / 516هـ أنه أمر بصناعة 4 قناديل من الذهب والفضة وإرسالهم إلى عسقلان بحيث يأخذ مشهد الحسين فيها قنديلين ذهب وفضة وتأخذ التُرْبَة قنديلين مثلهما.[22]

كذلك فإن المنبر الذي أسسه بدر الدين الجمالي لمشهد رأس الحسين في عسقلان سنة 1091م /484هـ  كُتِب عليه وعلى بابه ما يشير إلى أن الرأس في عسقلان، وقد تم نقل المنبر إلى فلسطين بعدما نُقِل الرأس إلى عسقلان، وقام علماء معهد الدراسات الشرقية في ثلاثينيات القرن الماضي بتفريغ ما كُتِب على المنبر بالخط الكوفي المزهر.[23]

وتقودنا محطة عسقلان إلى القاهرة ونقل رأس الحسين لها.

رأس الحسين في مدينة القاهرة

فيلم رأس الحسين
ضريح الحسين في القاهرة

نُقِلَت رأس الإمام الحسين من عسقلان إلى القاهرة في 31 أغسطس سنة 1153م / 8 جمادى الآخرة سنة 548هـ ودخلت القاهرة في 2 سبتمبر 1153م / 10 جمادى الآخرة سنة 548هـ، ورفض كثير من المؤرخين الاقتناع بوجود رأس الحسين في القاهرة.

أدلة نفي وجود الرأس في القاهرة
بن تيمية - رسمة متخيلة
بن تيمية – رسمة متخيلة

كان من أبرز الذين نفوا وجود رأس الإمام الحسين في القاهرة هو أحمد بن تيمية والذي كتب خصيصًا كتابًا عن رأس الحسين، وكان له أدلة كلها تنبثق من قاعدة وهي أن الفاطميين كاذبون في النسب ومشكوك في دينهم.

ثم ساق بن تيمية دليلين على عدم وجود رأس الحسين في عسقلان كان الدليل الأول أنه لم يقل أحد من العلماء الموثوق فيهم أن الرأس في عسقلان وإنما المتأخرين هم الذين قالوا بذلك وقال:- «لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون من هؤلاء أعلم بذلك من المتأخرين»[24]، أما الدليل الثاني أن العلماء اتفقوا أن رأس الحسين دُفِن في المدينة عند أخيه الحسن.[25]

وعلى أدلة بن تيمية اتفق مؤرخين وعلماء كُثُر على أن رأس الحسين لم يدخل القاهرة أصلاً.

أدلة إثبات وجود الرأس في القاهرة
مسجد الإمام الحسين
مسجد الإمام الحسين

إن أخذنا بالدليل الذي يقوله بن تيمية وهو أن رأس الحسين دُفِن مع أخيه الحسن في المدينة، فإن المسعودي وهو من وفيات سنة 957م/ 346هـ زار المدينة المنورة وكتب في كتاب التنبيه والإشراف أنه زار قبر الحسن ووجد رخامة مكتوب فيها «الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، والحسن بن علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين بن علي، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، رضوان الله عليهم أجمعين».

وهذا النص لم يكن فيه اسم الإمام الحسين، بالتالي لو كان جاء رأسه لسُجِّل اسمه.

وإن أخذنا بأن كل من تكلم عن نقل الرأس من عسقلان إلى القاهرة لم يكونوا شهود عيان، فإن هذا أيضًا دليل لا يستقيم، إذ أن أقدم من تكلم عن النقل هو الرحالة أبو بكر الهروي والذي زار عسقلان سنة 1174م / 570هـ (يعني بعد نقل رأس الحسين من عسقلان للقاهرة) وقال «وبه مشهد الحسين كان به رأسه فلما أخذتها الفرنج نقلته المسلمون إلى مدينة القاهرة».[26]

قصة نقل الرأس إلى القاهرة
فيلم رأس الحسين
مسجد الصالح طلائع في القاهرة (من فيلم رأس الحسين)

كان الصالح بن رزِّيك طلائع وزير الدولة الفاطمية في عهد الظافر بأمر الله هو الذي أصر على نقل رأس الإمام الحسين من عسقلان إلى القاهرة وذلك بعدما ظهرت علامات سقوط عسقلان في يد الصليبيين، فصرف الأموال لنقل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وكان الذي تولى مسؤولية حمل الرأس هو والي عسقلان الأمير سيف المملكة تميم، وشارف عسقلان القاضي المؤتمن بن مسكين.

وحكى الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم أنه عثر على نسخة عطية من تاريخ آمد لابن الأزرق مكتوبة سنة 1164م/ 560هـ يعني قبل وفاة المؤرخ بـ 12 سنة ومسجلة في المتحف البريطاني برقم 5803 شرقيات وقال بأن رأس الحسين نُقِل من عسقلان لمصر أي في عهد المؤرخ ومشاركته ضمن المصريين للاحتفال الذي حضره الخليفة الفاطمي بنفسه.[27]

 حكى المؤرخ بن عبدالظاهر المصري، أن الصالح طلائع بعد أن أعاد رأس الحسين من عسقلان إلى مصر أسس له جامع خلف باب زويلة، لكن الخليفة لم يمكنه من ذلك وأفرد له حجرة في قصر الزمرد لحين الانتهاء من بناء جامع له يشرف عليه الصالح طلائع وهو الجامع الحالي للمشهد الحسيني بالقاهرة الذي تأسس سنة 1154م / 549هـ.[28]

وصف بن جبير خلال عصر الدولة الأيوبية وصفًا دقيقًا لتابوت رأس الحسين سنة 1182م / 578هـ فقال أنه في تابوت فضة مدفون تحت الأرض مجلل بأنواع الديباج.[29]

مقام الحسين في القاهرة الآن
مقام الحسين في القاهرة الآن

ومع مرور الزمن حدثت محاولات شككت من وجود رأس الإمام الحسين في القاهرة، كان أولها في عبدالرحمن كتخدا القزدغلي زمن الدولة العثمانية أراد توسيع مسجد الإمام الحسين في القاهرة لكن أشيع في القاهرة بأن المقام فارغ من أي ملمح من ملامح الرأس، فأراد التحقق من ذلك فشكل لجنة برئاسة الشيخ الجوهري الشافعي والشيخ الملوي المالكي، ودخلا ليجدا كرسي من الخشب الصاج عليه طشت من ذهب فوقه ستارة من الحرير الأخضر تحتها كيس من الحرير الأخضر الرقيقة وبداخله بقايا الرأس.[30]


[1] محمد بن علي بن محمد بن العمراني، الإنباء في تاريخ الخلفاء، تحقيق وتقديم: قاسم السامرائي، ط/1، دار الآفاق العربية، القاهرة، 1419هـ / 1999م، ص54.
[2] البخاري، الجامع الصحيح، ط/1، دار بن كثير، دمشق، 1423هـ / 2002م، حديث 3748، ص921.
[3] البَلَاذُري، أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، ج3، ط/1، دار الفكر، بيروت، 1417هـ / 1996م، ص212.
[4] بن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، تحقيق: فارس تبريزيان الحسون، ط/4، دار الأسوة، طهران، 1425هـ / 2005م، ص225.
[5] سبط بن الجوزي، تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة، تحقيق: حسين تقي زاده، ج2، ط/2، المجمع العالمي لأهل البيت، بيروت، 1433هـ / 2011م، ص206.
[6] بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: أكرم عبداللطيف البوشي، ج8، ط/1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1436هـ / 2015م، ص285.
[7] جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، ط/2، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1434هـ / 2013م، ص539.
[8] المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، عناية ومراجعة: كمال حسن مرعي، ج4، ط/1، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1425هـ / 2005م، ص110.
[9] الآراء التي تقول ذلك :-

* محمد بن سعد، كتاب الطبقات الكبير، تحقيق: علي محمد عمر، ج6، ط/1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1421هـ / 2001م، ص499.
* السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، ج3، ط/4، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404هـ / 1984م، ص909.
[10] المسعودي، التنبيه والإشراف، تصحيح ومراجعة: عبدالله إسماعيل الصاوي، ط/1، مكتبة الشرق الإسلامية، القاهرة، 1357هـ / 1938م، ص260.
[11] المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق: محمد أمين الضناوي، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ / 2003م، ص43.
[12] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ج7، ط/2، دار المعارف، القاهرة، 1387هـ / 1967م، ص468.
[13] سبط بن الجوزي، تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة، ص266.
[14] الحموي، معجم البلدان، ط/1، دار صادر، بيروت، 1397هـ / 1977م، ص15.
[15] ابن فضل العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: كامل سلمان الجبوري، ج27، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م، ص255.
[16] الذهبي، تاريخ الإسلام، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، ج5، ط/1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1410هـ / 1990م، ص20.
[17] عثمان بن مدوخ، العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (مخطوط)، ص39.
[18] بن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي، ج69، ط/1، دار الفكر، بيروت، 1419هـ / 1998م، ص161.
[19] سعاد ماهر محمد، مساجد مصر وأولياؤها الصالون، ج1، ط/1، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1391هـ / 1971م، ص ص373–374.
[20] بن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج69، ص161.
[21] بن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص268.
[22] المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق: محمد حلمي محمد أحمد، ج3، ط/2، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1416هـ / 1996م، ص85.
[23] Répertoire Chronologique d’Épigraphie Arabe, vol. VII, pp. 259, 262.
[24] بن تيمية، رأس الحسين، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1368هـ / 1949م ، ص16.
[25] المرجع السابق، ص17.
[26] الهروي، الإشارات إلى معرفة الزيارات، تحقيق: علي عمر، ط/1، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1423هـ / 2002م، ص36.
[27] محمد زكي الدين إبراهيم، مراقد أهل البيت في القاهرة مع تحقيق أن رأس الحسين في بمصر، ط/6، مطبوعات العشيرة المحمدية، القاهرة، 1424هـ / 2003م، ص45.
[28] بن عبدالظاهر، الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة، تحقيق: أيمن فؤاد سيد، ط/1، الدار العربية للكتاب، القاهرة، 1417هـ / 1996م، ص30.
[29] بن جبير، رسالة اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك، ط/1، مكتبة عبدالحميد أحمد حنفي، القاهرة، ص36.
[30] عثمان بن مدوخ، العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (مخطوط)، ص40.

الكاتب

  • فيلم رأس الحسين وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان