حول الدعارة الرسمية التي كانت في مصر!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
في 20 فبراير عام 1949 تم إغلاق بيوت الدعارة في مصر، بقرار من الحاكم العسكري، وهو القرار الذي عززه الأمر الملكي في عام 1951 بإلغاء الدعارة نهائيا في مصر.. قبل ذلك كانت الدعارة مقننة، وكانت الإدارات المحلية تمنح المومسات المشتغلات بها رخصا، وتشرف عليها إشرافا كاملا، وتدعم وجودها على الأرض..
اقرأ أيضًا
إمبراطور الدعارة في مصر منذ 100 عام .. أدار 50 بيتا وأنشأ سجنا خاصا له وتجاوزت ثروته الباشوات
تجلت تلك الدعارة، في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت، وهي الفترة المرصودة هنا، في دائرة الموسكي وباب الشعرية وكلوت بك، كان شارع كلوت بك بمنطفة العتبة، بالذات، مثالا على تجليها الكبير إذ كان ضاجا بالمومسات وكان قبلة قصاد المتعة الحرام.
لم يقل راصدو ذلك الواقع من قبل شيئين في غاية الأهمية: الأول: أن أحدا من سكان ذلك الشارع الطبيعين لم يكن ليتعرض بسوء لما يجري في شارعه، ولم يكن ذلك يعني أن الرجال دياييث أي لا يغارون على أهاليهم ولا يخجلون (جمع تكسير لديوث وهو الرجل الذي لا يغار على أهله من داث يديث ديثا إذ لان وسهل).. فقد كانوا مصريين طبيعيين بالبداهة، يغارون على الأعراض ويكرهون اختلاط أهلهم بالفاسدين، لكنهم ظلوا مسالمين محافظين على المسافة الهادئة التي بينهم وبين الفسقة والساقطات؛ لأن الجماعات الدينية المتشددة لم تكن ظهرت بعد، وهي الجماعات التي ببروزها، في عهود الجمهورية المصرية، برزت الحرائق كلها للأسف، ولأنهم أيضا خضعوا لقانون الدولة المدنية الذي بموجبه جرى ما جرى، وهو الخضوع الذي قدر ما يؤسف اجتماعيا قدر ما يشير إلى رحابة تلك الدولة التي تسمح بما لا تسمح به غيرها من أنظمة الدول (يمكن اعتبار فترة حكم الملكية في مصر فترة مدنية في أغلبيتها بنواقص لا تنفي تلك المدنية وإن شوشتها كثيرا أو قليلا)!
الشيء الثاني: أن الدعارة المقننة، وإن كانت لا تليق بمجتمعات تؤمن بالدين وبالأخلاق إيمانا عظيما راسخا، فإنها أفضل بكثير من الدعارة السائبة؛ فالمقننة محدودة مهما اتسعت، كما أنها تتمتع بميزة المتابعة الطبية التي تحد من انتشار أمراض الجنس المهلكة.
طالب بعض الكتاب والمفكرين، في فترات لاحقة، بإعادة الدعارة الرسمية المقننة إلى البلاد، بعد أن تحققوا من وجودها فعليا بغير قانون، وخطرها على ذلك النحو، وبعد أن شعروا بحاجة الشباب إلى معرفة الجنس وتفريغ طاقاتهم الجنسية باستمرار، وقد هوجم هؤلاء بالطبع هجوما ضاريا، وعدهم كثيرون فاحشين مخربين، إلا أن المشكلة هي انتشار الدعارة الخاصة فعليا، بكل أخطارها، والمشكلة هي غلاء الزواج الرسمي وتعقيد إجراءاته مع السنين؛ بحيث يمكث الشباب عمرا طويلا بلا دراية جنسية ولا تذوق للعناق الحميم بين رجل وامرأة..
قد يظن ظان خبيث أنني أعود للمطالبة بما كان طالب به آخرون مرفوضون من قبل، كانوا بالمناسبة معتبرين مهما رفضنا فكرتهم، غير أنني في الحقيقة أنفذ من هذا الخبال إلى ضرورة تعليم الجنس في المدارس والجامعات بصورة علمية واسعة صادقة، وإلى تيسير الزواج اجتماعيا واقتصاديا وتبكيره لا تأخيره (بعد تمام مرحلة البلوغ الجسدي والنضوج العقلي).. هذا ما أريده بالضبط، وإنما مررت بشيء بسيط من تاريخ الدعارة في بلادنا للتذكير بماض لا يصح التنصل منه مهما حمل في طياته عارا وشنارا، بل يجب الاعتراف به، مع ذكر مساوئه بلا مبالغة، كما يجب الاعتراف بأن الدعارة الحالية أكثر سوءا مما فات بكثير؛ فليست بقانونية، ومن ثم فإنها بلا رقباء صحيين، مما ينذر بكوارث لا حصر لها، كما أنها بألف وجه مقنع وقد كانت القديمة بوجه واحد واضح فقط!!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد