“حول حديث اتركوا الحبشة ما تركوكم” نقد الاستدلال الجاهل الموجود في السوشيال ميديا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يوجد في كتاب سنن أبي داود السِّجِسْتاني[1]، باب عنوانه النهي عن تهييج الترك والحبشة[2]، وباب آخر اسمه النهي عن تهييج الحبشة[3]، وورد في البابين حديث يقول دعوا الحبشة ما ودعوكم، وفي رواية أخرى اتركوا الحبشة ما تركوكم.
اتركوا الحبشة ما تركوكم .. بعيدًا عن الجرح والتعديل
بدأ استخدام حديث اتركوا الحبشة ما تركوكم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تزامنًا مع تصاعد الخلافات المصرية الإثيوبية، وأراد من استخدم الحديث نقد الموقف المصري من إرسال قوات عسكرية في الصومال، كون أن في ذلك استفزاز للأحباش (إثيوبيا).
اقرأ أيضًا
تاريخ التشريح في مصر الحديثة “هل اشترط الأزهر وجوده بتنفيذه على جثث الأقباط؟”
لعل هذا الاستدلال هو الأكثر جهلاً في مسيرة استخدام الحديث النبوي للمتاجرة بالدين في قضايا سياسية ودينية، فبغض النظر عن رؤية علماء الجرح والتعديل في سند الحديث أهو صحيح أو حسن، فإن سياق الحديث ليس له علاقة بالوضع بين مصر وإثيوبيا.
فسياق الحديث هو أنه لما بشر الرسول بفتوح المسلمين في المدائن وكسرى، طلب الصحابة من الرسول أنه يدعوا لهم بفتح الحبشة فقال دعوا الحبشة ما ودعوكم[4]، وذلك لأن بلاد الحبشة وعرة على العرب المسلمين في حركة الفتوحات التي خاضوها، بالتالي فإن سياق الحديث ليس له علاقة بالوضع بين مصر وإثيوبيا.
وإذا نحينا الملابسات التاريخية المحيطة بسبب الحديث، وأخذناه بظاهره فقط، فإن معناه لا يوحي بما يريده الرافضين لموقف مصر من إثيوبيا؛ لأن الحديث في معناه يقول بضرورة عدم الاشتباك مع الأحباش بدون سبب، فنص دعوا الحبشة ما ودعوكم، معناه أن يتم ترك الأحباش طالما التزموا الموادعة، وبالتالي هو الشيء الذي لم يفعله الإثيوبيين أصلاً، والحديث الآخر (اتركوا الحبشة ما تركوكم) له نفس المعنى، وبالتالي فإن مصر لم تلجأ إلى استفزاز (إثيوبيا / الحبشة سابقًا)؛ إلى جانب أن الحديث فيه أمر بأنه إذا ما تخلى الأحباش عن الموادعة، وجبت المواجهة معهم.
الأصوليين والمتاجرة بالدين .. أخطار ما انتبهوا لها
لعل من الأشياء الخطيرة التي يقع فيها من يروج لهذه الأحاديث أنه يدعو إلى العزلة وترك الحياة بمجالاتها، فضلاً عن أنه يؤدي لتناقض بين النصوص، وفي دراسة عن خطورة توظيف الأحاديث في السياسة[5]، فإن الأحاديث الموضوعة وإن كانت حركتها قد توقفت في الزمن المعاصر، لكن المجتمع لا زال يعاني من أوجه أخرى للدجل والكذب، مثل الافتراء على الدين واختلاق الأدلة وتحميل النصوص معاني لا تحتملها مع لَيِّ أعناقها وهو الشيء الذي لا يدركه المتاجرين بالدين حتى الآن.
[1] أبو داود، السنن، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، (4 أجزاء)، ط/1، المكتبة العصرية، صيدا ـ بيروت ـ لبنان، (د.ت)
[2] المرجع السابق، ج4، ص112.
[3] المرجع السابق، ص114.
[4] النسائي، السنن، ج6، تحقيق محمد رضوان عرقسوسي، ط/1، دار الرسالة العالمية، القاهرة ـ مصر، 1439هـ / 2018م، ص82.
[5] محمد سعيد بكر، الحديث الموضوع وأثره في الحياة السياسية، مجلة المرقاة للدراسات والبحوث الإسلامية ـ هيئة علماء فلسطين في الخارج -، مج3، ع4، 2020م، ص ص117–140.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال