خريطة مصر في مسلسل عبدالحميد الثاني .. شطحة جديدة للدراما التركية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ظهرت خريطة مصر في مسلسل عبدالحميد الثاني خلال الحلقة 120 من مسلسل عاصمة عبدالحميد وهي الحلقة الأولى من الجزء الخامس والأخير الذي يُعْرَض على قناة TRT.
شطحة خريطة مصر في مسلسل عبدالحميد الثاني الجزء الأخير
استعرضت الحلقة 120 مشهد وصول السلطان عبدالحميد الثاني إلى مقر نفيه ورأى خريطة الدولة العثمانية وظهرت مصر فيها وتحسر السلطان على الحال الذي وصلت فيه دولته ثم قال لمرافقه «خلعوني عن عرشي كي يستطيعوا رسم هذه الخريطة؛ كي يمزقوا الدولة .. قاومت كي لا أعطي أحدًا شبرًا من الأرض .. وقفت بشموخ وشرف أمام الدول العظمى .. لم أستسلم أبدًا .. تصرفت بعدلٍ حتى مع أعدائي».
مصر خارج المعادلة دائمًا وأبدًا
بعيدًا تاريخ تقسيم منطقة الشرق بعد زوال عصر عبدالحميد الثاني لكن مصر خارج تلك التفاصيل، فقد زمن عبدالحميد الثاني جرت محاولتان لاحتلال مصر سياسيًا من قِبَل بريطانيا حدثتا تحت عين الإمبراطورية العثمانية، الأولى التزم فيها الباب العالي الحياد حين قدمت حملة فريزر لاحتلال رشيد وعزل محمد علي باشا عن الحكم عام 1807، وثانيهما حينما طلبت الدولة العثمانية من بريطانيا التدخل لإنقاذها من محمد علي باشا بمعاهدة لندن عام 1840 م.
حددت معاهدة لندن الاستقلال السياسي النسبي لمصر فبقي حكمها في أسرة محمد علي إلزاميًا، والتبعية للدولة العثمانية روحية من باب الخلافة، فتمت ثالث تدخلات بريطانيا في مصر اقتصاديًا بسبب الخديوي إسماعيل عبر صندوق الدين، حتى تسقط مصر في الاحتلال البريطاني العسكري زمن نجله توفيق وفي سلطنة عبدالحميد الثاني في موقفٍ غير واضح بالنسبة للأخير إذ اختزلته كتب المناهج بجملة «فرمان عصيان عرابي».
مصر سقطت في الاحتلال البريطاني بمباركة من عبدالحميد الثاني
إلى أن مات ظل أحمد عرابي على قناعة بأن السلطان عبدالحميد الثاني لم يبيعه بإصدار فرمان عصيانه إذ قال في مذكراته «السلطان أيّد أفعالنا بالقول وبالعمل والصدر الأعظم هو من كتب الفرمان»، لكن يبدو أن عرابي المتوفي سنة 1911 لم تصله مذكرات عبدالحميد الثاني فالسلطان كان له رأي آخر وصادم.
أعلن عبدالحميد الثاني في 8 بنود أسباب عصيان عرابي في 5 سبتمبر 1882 وكان على رأسها تعرضه لأسطول دولة حليفة للإمبراطورية العثمانية (رغم عدم حدوث مناوشات بحرية بين عرابي وأسطول إنجلترا في الإسكندرية).
اعترف عبدالحميد الثاني خلال مذكراته بأنه مخدوع، والأعجب من اعترافه أنه سأل عن سبب خذلان فرنسا له، فهو يقول في صفحة 112 من مذكراته السياسية طبعة 1974 م «اللورد جرانفيل (وزير خارجية بريطانيا) أكد لي في إبريل 1882 أن إنجلترا لن تقوم بتغيير سياستها في مصر، وتعهد لي بتنفيذ أوامري، كذلك فالجنرال سيمور قائد الأسطول الإنجليزي أكد لي أن بريطانيا لا تفكر في السيطرة على مصر واغتصاب حقوق الشعب».
ويعترف عبدالحميد الثاني أنه أجهض ثورة عرابي بعدما أخذ عهدًا من لندن بأنها لن تتدخل عسكريًا، واستدل بتصريح دوفريه سفير انجلترا في اسطنبول بعدما وصل الجيش الإنجليزي لمصر، ويقول عبدالحميد الثاني خلال مذكراته «لقد أزمعنا إخماد ثورة عرابي والجنرال جوزيف ولسلي (قائد بريطانيا في التل الكبير) أكد لي أن دخول بريطانيا إلى مصر كان بهدف الحفاظ على سمعة الخديوي». !
اقرأ أيضًا
وثائق الأرشيف البريطاني: يجب على أوروبا إنقاذ الدولة العثمانية من مصر
وخلال مذكراته عبر عبدالحميد الثاني عن تعرضه للخداع وهو يسب انجلترا بقوله «حرباء نسيت كل وعودها ونجحت في أن تجردنا من كل شيء لنا في مصر».
عبدالحميد الثاني المستجير من الرمضاء بالنار
تناقض غير مفهوم يقع فيه عبدالحميد الثاني دائمًا خلال مذكراته، فهو يبدو عليه الحفظ لتاريخ الإمبراطورية العثمانية وكرهه للدول النصرانية (الأوروبية لكن كلمة نصرانية كان يذكره دائمًا)؛ لكن في نفس ذات الوقت يتخذ من فرنسا صديقًا من باب «عدو عدوي صديقي»، فهو يقول في يوميات 1882 عن صلته بفرنسا ص 111 «جهودنا في سبيل تأمين التدخل الفرنسي في مصر باءت بالفشل، وصرف رئيس الوزراء الفرنسي كل إمكاناته، حتى أنه طلب من مجلس النواب الفرنسي الموافقة على إنزال قوة عسكرية في التل الكبير، لكن هذا الطلب لم يقدر له النجاح».
اقرأ أيضًا
مصر في المسلسلات التركية .. أم الماسونية العالمية ودولة الخيانة
ويعبر عبدالحميد الثاني عن خيبته في فرنسا بقوله «أشد ما يحيرني من أمر فرنسا بقاؤها مكتوفة الأيدي حيال كل هذه الألاعيب التي يلعبها الإنجليز، حقا إنهم قصار النظر».
وفي صفحة 114 من مذكراته يقول عبدالحميد الثاني عن احتياج الدولة العثمانية للمال الغربي لحل مشكلة مصر بقوله « لو منحت لنا إحدى الدول الكبرى شيئًا من التأييد لاستطعنا أن نخصص جزءًا من موارد مصر (68500 جنيه استرليني) للخزينة العامة، ولو جاء هذا الطلب المحق من إحدى الدول النصرانية لما كان هناك أدنى شك في تلبيته، لكننا مضطرون لتحمل تبعات الأخطاء التي ارتكبها أسلافنا، جملة القول إننا قوم فقراء ومقيمون على هذا الفقر بالرغم من غنى بلادنا بالثروات الطبيعية».
لغز قناة السويس وموقف عبدالحميد الثاني منها
ظهرت بداخل خريطة مصر في مسلسل عبدالحميد الثاني منظر قناة السويس، والتي أحد أسباب فشل ثورة عرابي ولم يغب هذا المجرى المائي عن ذهن عبدالحميد الثاني، فبعد 16 سنة من احتلال انجلترا لمصر كتب عبدالحميد الثاني تحت عنوان «منافسة قناة السويس».
كان في تخطيط السلطان عبدالحميد تدمير اقتصاد مصر لسحب البساط من تحت أرجل انجلترا من خلال حفر قناة للملاحة تنافس قناة السويس لحين فقدان أهميتها العالمية، وكان العرض ألمانيًا هذه المرة بعد خيبة أمله في فرنسا بلد فرديناند ديلسبس.
وقال عبدالحميد عن ذلك «اقترح ضابط ألماني متقاعد إنشاء قناة تنافس قناة السويس، يذكر الضابط البروسي في تقريره أن البحوث الجارية في وادي عربة أثبتت أن البحر الميت كان في القدم متصلا بخليج العقبة فإذا حفرت قناة بمسافة 90 كيلو مترا فإن نهر الشريعة سيمر بمنطقة وادي الغور البالغ عرضه ما بين 3025 كيلومترا ويشكل بذلك بحيرة تزدهر على جانبيها الحياة الاجتماعية والتجارة وتعود المنطقة إلى سابق عهدها في التقدم والرقي».
وواصل في صفحة 114 من مذكراته السياسية طبعة 1974 م «بعد دراسة طبوغرافية لهذه المنطقة سيكون ربط البحيرة (بحيرة عبد الحميد) بالبحر المتوسط عملاَ مفيداَ جداَ وستكون لهذه الأمنية أهمية سياسية إلى جانب أهميتها الاقتصادية، وبذلك يجري قسم من التنقلات المائية بين سورية والجزيرة العربية عبر هذا الطريق وستكون الدول الصديقة للدولة العثمانية في غنى عن استخدام طريق السويس أما مصاريف إنشاء القناة الجديدة فلن تزيد على المائة وعشرين مليونا».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال