رباعيات محمد حماقي وتوما .. الغناء بغرض الوجاهة الفنية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
من حق كل مطرب أن يجرب مناطق اّخرى لم يطأها من قبل، ويصبح هذا الحق مشروعًا بل ومطلوبًا جدًا في الفترات الحالكة التي تمر بها الأغنية مثل الفترة الحالية التي يتحكم في صناعة الغناء في مصر شلة من أنصاف الموهوبين، ، بالإضافة إلى اقتصار الغناء على المضامين العاطفية فقط، وينحصر التجريب الغنائي في الأغاني الوطنية المسلوقة أو تلك التي تصنع داخل عمل درامي وأن ظلت تلك التجارب محدودة جدًا لا تصلح لأن نتعاطى معها بشكل جدي، لأن نفس الشلة الملفقة فنيًا هي التي تشرف على صناعتها أيضًا، من ضمن محاولات الخروج من فلك الأغنية العاطفية، دخل المطرب محمد حماقي مع صديقه الموزع توما تجربة غناء رباعيات صلاح جاهين لأول مرة.
الدخول إلى مضمار تلحين الرباعيات بمثابة الفخ الذي قد يضعك مضطرًا في مقارنة ظالمة مع العظيم سيد مكاوي أول من لحن الرباعيات وصاحب أفضل نسخة لحنية قدمتها، حيث لم تنجح المحاولات التالية في ترك بصمة رغم أن من قام بها ملحنون كبار مثل فاروق الشرنوبي وأمير عبد المجيد، و الوحيد الذي نجح في ترك بصمة بعد مكاوي كان الملحن والمطرب وجيه عزيز الذي لحن العديد من الرباعيات أشهرها رباعية “ايديا في جيوبي” والتي غناها من بعده المطرب محمد منير.
اقرأ أيضًا
أغاني شيرين عبد الوهاب الجديدة … جعجعة بلا طحن
اختار الثنائي “حماقي وتوما” ثلاثة رباعيات بينهم تناسق من ناحية المضمون حيث تتحدث عن الميلاد والوجود الإنساني وصراعه مع الحياة والزمن وهي الحسنة الوحيدة في شريط الصوت، أما الألحان فاختار توما أن يبدأ بصوته رباعية “مع أن كل الخلق من أصل طين” ثم أعطى محمد حماقي رباعية “عجبي عليك يا زمن” والتي جعلها كسينيو للتراك، ثم عاد توما بالرباعية الاخيرة “سنين وفايته عليا فوج بعد فوج”.
لحن الرباعيات بالكامل على مقام النهاوند مكون من فكرتين؛ تتكرر الفكرة الأولي في أول وآخر رباعية، وتأتي الفكرة الاخرى في الرباعية الثانية.
على الرغم من تماسك الثلاث رباعيات من حيث الفكرة، إلا أن كل رباعية كانت تثير تساؤلات مختلفة عن الأخرى، لذا تكرار اللحن في الرباعية الأولى والأخيرة لم يكن في صالح العمل، بالإضافة إلي أن الفكرة اللحنية نفسها لم تعبر عن تلك التساؤلات الفلسفية الحائرة، ولم يبني توما اللحن بنفس التكثيف الموجود في الرباعية، حيث لم يقم بوضع جملة لحنية تعبيرية لكل شطر تسلم الأخرى حتى تصل إلي الذروة مع نهاية الرباعية بشكل مترابط ولم يعبر عن الجو العام للرباعية وتشعر بانفصاله عنها، على عكس ما فعل في رباعية حماقي حيث كان اللحن جيدًا و مبني بشكل متماسك أكثر خصوصًا في قفلة الرباعية.
على مستوى التناول الموسيقى اختار توما البدء بجملة لحنية بصوت غريب جدًا من الكيبورد مع نقرات إيقاعية بسيطة، ثم دخول مباشر إلى الغناء الذي يصاحبه بعض المؤثرات الصوتية في جزء الهارموني، ثم يعيد الرباعية مع إيقاع مقسوم إليكتروني بطئ يصاحبه كوردات خفيفة من الجيتار، جملة الفاصل الموسيقي تشعر بروح مروان خوري فيها مع دمج صوت الكيبورد مع العود حتى يشتبك صوت حماقي مع توما في نهاية التراك.
في العام الماضي كنت قد أشرت إلي أن ألبوم حمزة نمرة قد كسر أسطورة أن أزمة الغناء هي أزمة نصوص شعرية في المقام الأول، ولخصت الأزمة بأنها تكمن في عقول المطربين وعدم استعدادهم للمخاطرة و تجريب أشكال جديدة، فالكل يجري في مساحاته الاَمنة خشية أن يفقد جمهوره، لذا اثمن جدًا فكرة غناء نصوص شعرية من العامية المصرية سواء كانت لصلاح جاهين أو لأي شاعر عامية أخر، وهي فرصة لجيل محمد حماقي وتوما لإعادة تقديم أنفسهم من جديد بالإضافة إلي تعريف قطاع عريض من جمهورهم على تلك النصوص خصوصًا الرباعيات التي تعتبر أعظم منتجات جاهين الشعرية، لكن يجب عليهم الاستعداد الكافي خصوصًا في الألحان والأخراج الموسيقي ولا يكون الغناء بغرض إثبات الاختلاف فقط أو كنوع من الوجاهة الفنية ليس إلا وتصدير فكرة أن الموسيقى تكتسب جديتها أو هزلها من الاشعار المصاحبة لها.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال