رجال الصف الثاني (4) على صبري .. إمبراطور الاتحاد الاشتراكي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
بأصوات دوي الانفجارات وصفارات الإنذار، دقت طلقات القنابل والرصاص الساعة إيذانا ببدء نهاية عصر الدولة الناصرية، دولة بناها جمال عبد الناصر ورجال ثورته، ولكن الغريب أنه في الخامس من يونيو عام 1967 لما يكن قد تبقى من رجال مجلس قيادة الثورة سوى 4 رجال، بينما تساقط باقي أعضاء المجلس طوال الرحلة من عام 1952 وحتى عام 1967، ولنكن منصفين فإن دولة عبد الناصر قامت على أكتاف رجال الصف الثاني من تنظيم الضباط الأحرار، هؤلاء الذين أصبحوا رجال الدولة الأقوياء ومن بينهم على صبري إمبراطور الاتحاد الاشتراكي ورئيس الوزراء صاحب الخطة الخمسية الأولى.
♦♦♦
كان جمال عبد الناصر طيلة حياته بارعًا في لعبة الشطرنج، ويبدو أن براعته تلك انتقلت من الرقعة إلى الحياة السياسية المصرية والدولية، وتحولت القطع على الرقعة إلى أشخاص أصدقاء ورجال مقربون ومبعدون، والحقيقة أن عبد الناصر كان دائمًا واضحًا ناحية رجاله، حتى لو قربهم وأبعدهم من دوائر السلطة مرارًا وتكرارًا ولكنه حينما كان يبغض أحدهم فإنه يبعده تمامًا، ولكن الاستثناء الوحيد من تلك القاعدة كان علي صبري.
صراع على الصلاحيات
لم تكن هناك الكثير من المعلومات حول انضمام على صبري إلى تنظيم الضباط الأحرار، وكيفية حدوث ذلك، حتى على صبري نفسه في حواره مع الكاتب عبد الله إمام والمنشور في كتاب بعنوان ” علي صبري يتذكر” لم يتطرق إلى تلك النقطة على الإطلاق وإن كانت امتلأت صفحات الكتاب بالعديد من تفاصيل حياة الرجل السياسية الحافلة.
ولكن الثابت أن على صبري كان من رجال الصف الثاني في التنظيم حتى وإن لم يضمه السادات إلى قائمته هو الأخر، ورجال الصف الثاني تنوعت مهامهم في الدولة بعد الثورة، وكان صبري من الزمرة التي أسست جهاز المخابرات العامة عام 1954 وتولى رئاسته بعد ذلك تحت إشراف زكريا محي الدين، وهذا له دلالة واضحة أن صبري بالفعل في تلك الفترة المبكرة من عمر الثورة كان يحظى بثقة عبد الناصر.
وقد أفصح على صبري عن شخصيته سريعًا حيث كان دائم الخلاف مع المشرف العام على الجهاز زكريا محي الدين حول الاختصاصات والصلاحيات لكلًا منهما الأمر الذي دفع عبد الناصر لإيجاد حل لوقف الخلاف الدائر بين صديقه ورفيقه زكريا محي الدين وأحد رجاله أصحاب الثقة وهو على صبري، فرقى على صبري لمنصب وزير دولة مسئول عن شئون رئاسة الجمهورية “وزير شئون رئاسة الجمهورية” بنما حل صلاح نصر بديلًا له في رئاسة المخابرات.
إمبراطور الاتحاد الاشتراكي
ليبدأ ترقي على صبري السياسي، 4 أعوام قضاها في رئاسة الجمهورية حملته بعدها إلى منصب أكبر وهو رئيس الوزراء أو كما كان يسمى وقتها رئيس المجلس التنفيذي، لتبدأ قوة علي صبري منذ عام 1962 في التنامي والتغول، وساعده في ذلك أمرين شديدي الأهمية خطة الإصلاح الاقتصادي أو ما سمي وقتها بالخطة الخمسية والتي حققت الكثير من أهدافها ودعمت الصناعات الوطنية الخفيفة في مصر، ورفعت مستوى الاقتصاد المصري خاصة في ظل الاضطرابات السياسية الدائرة في المنطقة والعداء مع دول المعسكر الغربي.
ولكن في نهاية وزارته قابلته أزمة اقتصادية في عدم توافر عدد من السلع الرئيسية، وأيضًا عجز كبير في موازنة الدولة وهو ما حدا بعبد الناصر إلى استبداله بزكريا محي الدين.
الأمر الثاني الذي كان له سببًا رئيسي في تغول سلطة على صبري هو الاتحاد الاشتراكي، الذي أنشأ عام 1962 بينما حل علي صبري في الأمانة العامة المشكلة للاتحاد الاشتراكي، ثم الأمين العام للاتحاد الاشتراكي عام 1965 وهو العام نفسه الذي تولى فيه منصب نائب رئيس الجمهورية للمرة الأولى.
أدرك جمال عبد الناصر أن على صبري يصعب الإطاحة به لسلطته في الاتحاد الاشتراكي أولا ولعلاقاته الجيدة بالسوفييت حيث اعتبر رجلهم الأول في مصر، ورجل مصر الأول لديهم، والمفاوض الأهم في العلاقات المصرية السوفييتية، وأخيرًا لأن رجل بقوة علي صبري في معسكر عبد الناصر يزيد من ثقل كفته.
ولكن الثابت أن عبد الناصر فكر كثيرًا في الإطاحة بصبري، وكان على وشك القيام بذلك بسبب حادثة الطائرة الروسية عام 1969، في تلك الفترة وربما من قبلها خلقت دائرة الرئيس، تلك الدائرة التي يظن البعض أنهم كانوا أصدقاء ولكن العكس هو الصحيح، فوقتها كانت تربطهم مصلحة تحجيم رجال المشير وصراعهم مع المشير ورجاله، ولكن بعد النكسة تفرغ هؤلاء الرجل إلى صراع بعضهم البعض ليتحالف سامي شرف وشعراوي جمعة على علي صبري للإطاحة به.
طائرة موسكو
والقصة ما فيها أن على صبري سافر في زيارة إلى موسكو وهناك تسوق ما بلغ حجمه 2000 كيلو من المنتجات فأراد شحنها إلى القاهرة مع سكرتيره الخاص ولكن مدير مكتب مصر للطيران في موسكو رفض أن يتم شحن كل تلك الكمية مجانًا دون سداد الرسوم المقررة عليها، وهنا لجأ سكرتيره مصطفى ناجي إلى البرقيات العاجلة لترتيب الأمر، ودفع مصاريف الشحن من نفقة الاتحاد الاشتراكي.
ولكن السوفييت قرروا تكريم علي صبري فأخبروه أنهم سيعود إلى مصر على متن طائرة خاصة هو عائلته، وما معه من طرود وحقائب، فمرة أخرى يلجأ مصطفى ناجي إلى البرقيات لإيقاف كافة الترتيبات وإخبار معاونيه أنهم سيصلون على متن الطائرة الروسية، وهنا وقعت البرقيات في يد شعراوي جمعة الذي أعطاها لسامي شرف والذي بدوره أبلغها للرئيس، وخاصة أن على صبري مر بما معه من طرود من أرضية المطار دون جمارك أو تفتيش وهو ما أثار غضب عبد الناصر أكثر.
وكان رد فعل عبد الناصر هو إقالته من منصب نائب الرئيس وتعيين محمد أنور السادات بدلًا منه، وفي رحلته الأخيرة لموسكو ألمح ناصر للسوفييت أن عليهم الاعتماد على نائبه الجديد بدلا من علي صبري، في إشارة لنيته المبيته على إزاحة علي صبري، ولكن أزمة أيلول الأسود وقبلها أزمة مبادرة روجرز جعلت عبد الناصر منشغلًا بالأوضاع الخارجية عن الداخلية، ثم رحل عبد الناصر فجأة ليترك السادات في مواجهة علي صبري، وهي المواجهة التي حسمها السادات وأسدل الستار على إمبراطور الاتحاد الاشتراكي ورجل التنمية وصاحب الخطة الخمسية.
♦♦♦
74 عامًا على ثورة يوليو، ومازال هناك الكثير من رجالها وأحداثها غير معروفة بالشكل الكافي، رجال لم نعرف عنهم غير وجه محدد تم انتقائه بعناية ربما ليظهر ملائكية بعض الوجوه الأخرى، أحداث ورجال تراكمت عليهم الأنظمة والحوادث ونساهم التاريخ أو خلدهم بشكل غير موضوعي، رغم انهم كانوا في يومًا من الأيام رجال صنعوا دولة.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال