رحلة إلى أجازة رأس السنة الهجرية لأول مرة في تاريخ مصر “هكذا كانت الاحتفالات”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
شهدت مصر أول أجازة رأس السنة الهجرية في تاريخها يوم السبت 23 يناير 1909 م، الموافق 1 محرم سنة 1327 هـ؛ المتزامن مع 15 طوبة 1625 ش.
اقرأ أيضًا
منذ متى ورأس السنة الهجرية أجازة في مصر؟ .. مسيحي وأديب ولاعب كرة كانوا السبب
ويرجع اتخاذ أول أجازة رأس السنة الهجرية إلى حكومة بطرس غالي باشا، أما صاحب فكرة جَعْل رأس السنة الهجرية أجازة في مصر فكان التلميذ مصطفى راشد رستم (الأديب فيما بعد) مع إبراهيم نجاتي (لاعب الكرة) واللذان كانا يتزعمان حركة طلابية أقامت حفلاً في دار التمثيل العربي بمناسبة رأس السنة الهجرية سنة 1908 وبسبب ذلك قررت الحكومة المصرية بعدها بعام أن يكون يوم 1 محرم أجازة رسمية.
تفاصيل احتفالات أول أجازة رأس الهجرية في تاريخ مصر
كانت كل الأنظار مساء يوم الجمعة 29 ذي الحجة 1326 هجري الموافق 22 يناير 1909 م تتجه صوب حلوان التي يقع فيها المرصد الموكول له استطلاع الهلال.
قبيل إعلان الرؤية من مرصد حلوان نظم أعضاء المرصد حفلاً في كازينو حلوان شارك فيه مجموعة من الوجهاء والأدباء.
وبعد الإعلان عن غرة شهر المحرم بدأت الاحتفالات في مصر، فعلى صعيد القاهرة نظم الأزهر حفلاً في الرواق العباسي برئاسة علي أحمد الجرجاوي رئيس جمعية الأزهر، ونظمت اللجنة الفرعية للحزب الوطني حفلاً في السيدة زينب، وكذلك حفلاً في بولاق برئاسة محمود بك حسيب في دار مدرسة الاجتهاد الوطنية.
لم تغيب سراي عابدين عن الاحتفال برأس السنة الهجرية إذ قام الخديوي عباس حلمي الثاني باستقبال المهنئين بالسنة الهجرية واستقبال برقيات التهاني، وونظم نادي المدارس العليا احتفالاً في دار التمثيل العربي برئاسة أحمد لطفي السيد، أما تلامذة المدارس الثانوية فنظموا حفلاً في مسرح برنتانيا بشارع عماد الدين برئاسة عبدالعزيز نظمي، كذلك نظم نادي السكة الحديد في القاهرة احتفالاً مماثلاً.
وعلى مستوى المحافظات نظمت جمعية إخوان الصفا في رشيد حفلاً داخل منزل الحاج حسنين بسيوني، أما في الدقهلية فكان هناك حفلاً في الجامع الكبير بالسنبلاوين يرأسه عبدالمجيد أفندي صالح سعيدة كاتب محكمة السنبلاوين، بينما نظم نادي جمعية خلان الوفاء احتفالاً في المنصورة، بينما نظمت المنوفية احتفالاً في شبين الكوم داخل مدرسة جمعية المساعي المشكورة.
كانت السمات الغالبة في كافة الاحتفالات بدء الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم إلقاء الخطب وأبيات الشعر وقراءة قصة المولد النبوي والهجرة والختام بالقرآن والدعاء للخديوي عباس حلمي الثاني.
لم يكن مسموحًا للخطباء أن يخرجوا عن صلب موضوع الهجرة ويدلل على ذلك إعلان الأزهر عن الحفل إذ قال الشيخ علي أحمد الجرجاوي فيه «قررت لجنة الاحتفال أن كل من خطب شاذًا عن جوهر الحفلة يجبر على السكوت ويخرج من الحفلة».
ورغم حضور الوجهاء في الاحتفالات المختلفة لكن كان هناك اهتمام بالمواهب الشبابية ويدلل على ذلك ما جرى في مسرح برينتانيا إذ قدم عبدالعزيز بك نظمي رئيس لجنة احتفال طلبة المدارس الثانوية 10 مواهب لإلقاء الخطب المختلفة.
عُطْلَة الجامعات وجوانب لم تُرْوَى
من المفارقات حول وضع مدارس التعليم في مصر أن أول أجازة يأخذها طلبة الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) هي أجازة رأس السنة الهجرية في 23 يناير 1909 م بعد أن تم افتتاح الجامعة رسميًا في 31 ديسمبر 1908 م، وكانت الأجازة تُعْرَف اسمًا بالمسامحة.
على صعيد المدارس الأجنبية فإن المسيو دورزاس ناظر مدرسة الحقوق الفرنسية قرر إعطاء مسامحة لطلبة المدرسة احتفالاً بعيد أول العام الهجري، وقد كانت مدرسة الحقوق الفرنسية مقرها في حي المنيرة بالسيدة زينب، وقد قام محرر مصر الفتاة بشكر ناظر المدرسة حينها وطالب كل نظار المدارس الأجنبية بالاقتداء به.
المعارضة تشكر رئيس الحكومة
كثيرون من رؤساء الحكومة زمن الاحتلال البريطاني لقيوا كراهية من المصريين، لكن بطرس نيروز غالي كان يلقى كراهيةً من نوع خاص وذلك بسبب تأييده لاتفاقية الحكم الإنجليزي المصري للسودان ورئاسته للمحكمة التي قضت بإعدام فلاحي دنشواي، فضلاً عن تأييده لتمديد امتياز قناة السويس حتى سنة 2008 بدلاً من سنة 1969 م.
رغم كل ذلك فإن المعارضة وجهت شكرًا لرئيس الحكومة، فجريدة مصر الفتاة إحدى الصحف المبنية على مبادئ مصطفى كامل والمعارضة للحكومة خصصت عامودًا في عدد 21 يناير 1909 لشكر الحكومة وقالت “يحق للأقلام أن تسطر كلمات الشكر للحكومة التي أجابت مطلب الأمة في أن تسمح بإقفال الدواوين إكرامًا لأول يوم من السنة الهجرية.
أنشد كثير من شعراء مصر قصائد متعددة في أول أجازة لرأس السنة الهجرية، إلا أن أشهر قصيدة تم الاحتفاء بها هي قصيدة حافظ إبراهيم «أطلَّ على الأكوان والخلقُ تنظرُ .. هلالٌ رآه المسلمون فكبَّروا»، والتي ألقاها في دار التمثيل العربي بحفل نادي المدارس العليا.
بدأ حافظ إبراهيم قصيدة بعدما أخرج ساعته من جيبة وقال للحاضرين «في هذه الساعة وهذه الدقيقة وقد بدأ هلال 1327 هجري أن ينجم في جبهته الأفق فأنا أحييه بقوله أطل على الأكوان والخلق تنظر هلال رآه المسلمون فكبروا» وتناولت حصاد العام الماضي في البلاد الإسلامية، ثم تكلم عن الحركة الوطنية، ووجه تحيةً للشباب أصحاب فكرة أجازة رأس السنة الهجرية، ووجه أيضًا تحيته للمطالبين بالدستور في مصر.
واحتفت كل الصحف بقصيدة حافظ إبراهيم فنشرتها جريدة مصر الفتاة في 23 يناير 1909 م، ونشرها عدد مجلة المنار لشهر يناير من نفس العام.
رحلة إلى مصر في أول أجازة لرأس السنة الهجرية بتاريخها .. جانب المجتمع والجريمة
وإلى جانب الاحتفالات كانت هناك أحداث كثيرة شهدها المجتمع المصري يوم السبت 23 يناير 1909 م، الموافق 1 محرم سنة 1327 هـ سواءًا على الصعيد الحكومي أو على صعيد الجريمة والحوادث.
فعلى صعيد الحكومة قررت نظارة المالية منع زراعة التبغ في مصر وذلك بسبب الاتفاق التجاري بين مصر واليونان الذي يقضي بعدم التصريح بزرع التبغ قبل مضي 10 سنوات وذلك لضبط الأسعار.
وعلى صعيد الحوادث أصيب زكي زناتي العسكري بمدرسة البوليس نتيجة لسقوطه من قطار التروماي عندما أراد الركوب أثناء سير الترام وقد أصيب بإصابات طفيفة، كذلك توفي عامل الحفر عبدالمطلب محمد الموظف لدى مصلحة المواد البرازية (مصلحة الصرف الصحي الآن) وقد مات في منطقة جامع أبو السعود الجارحي في القاهرة.
ومن حيث الجريمة قام أحد عساكر البوليس بقتل صاحب حانوت أثناء لعب القمار.
المراجع
-
أرشيف جريدة مصر الفتاة لشهر يناير سنة 1909 م
-
مجلة المنار ـ عدد يناير 1909 م
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال