ردًا على تبرير هشام الجخ .. التاريخ يُكَذِّب ما قاله الشاعر عن التراخي مع محمد الدرة والانتفاضة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أثارت قصيدة 3 خرفان التي أعاد هشام الجخ نشرها استياءًا كبيرًا بسبب البيت القائل «عندينا تِبْقَى الست وَلَدها طول الباب.. وتخاف يروح مشوار».
تبرير هشام الجخ
كتب هشام الجخ بعد إعادة نشره للقصيدة تبريرًا حول البيت الذي أثار الاستياء فقال في جزءٍ منه «القصيدة مكتوبة منذ قرابة العشرين عاما في حادثة استشهاد (محمد الدرة) الشهيرة إبان الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في سبتمبر ٢٠٠٠ ؛ وكانت الشعوب العربية آنذاك تعيش حالة من التراخي والتغييب فكان عليّ كشاعر شاب متحمس أن أستنهض الهمم من خلال قصيدة بها ما بها من جلد الذات وعتاب النفس».
قبل الرد على تبرير هشام الجخ
لسنا بصدد الدخول في النوايا وقتها، غير أن التبرير الذي ذكره الشاعر هشام الجخ يدل على جهلٍ تامٍ بالتاريخ وقت الانتفاضة الفلسطينية، ولخطورة المعلومة التي قالها «الشعوب العربية آنذاك تعيش حالة من التراخي والتغييب»، وجب الرد على هذا الخطأ التاريخي الكارثي؛ من ناحية مصرية فقط، وذلك لأن القصيدة من شاعر مصري يصف مجتمعه.
اقرأ أيضًا
تايم لاين منذ بدء الأحداث .. الجهود المصرية لحل أزمة المسجد الأقصى والعدوان على غزة
بدايةً لم يتراخى الشعب المصري وقت انتفاضة الأقصى واستشهاد محمد الدرة على الصعيدين الشعبي والرسمي، ولسنا بصدد التكلم عن الشكل الرسمي متمثلاً في الدولة المصرية آن ذاك، لكن ما يعنينا هو رد فعل الجانب الشعبي.
لهذه الأسباب لم نكن متخاذلين
قُتِل محمد الدرة في 30 سبتمبر عام 2000 م واستمر صدى مقتله في مصر حتى مارس سنة 2001 م من خلال مظاهرات احتجاجية في نواحي متفرقة من مصر بكافة مؤسساتها ونقاباتها، لكن لسنا بصدد الكلام عن الموقف الرسمي للدولة المصرية من حيث البيانات وعقد القمم ونحو ذلك؛ لكننا سنتكلم عن المجتمع نفسه.
اندلعت مظاهرات متعددة في مصر بنقابة الصحفيين والمحامين والتجاريين بل وحتى المدارس، وسمحت الدولة المصرية بأجهزتها الأمنية حينها بحرق العلم الإسرائيلي، فيما قررت وزارة التعليم إجراء يوم لفلسطين من خلال عروض مسرحية ـ كاتب التقرير كان جزءًا منها في الصعيدـ .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سمحت قوات الحرس الجمهوري في مصر بدخول أعضاء لجنة مدنية إلى سكرتارية رئاسة الجمهورية لتسليمها وثيقة جمع التوقيعات للتبرع لفلسطين وسحب السفير الإسرائيلي من القاهرة.
بعد مقتل الدرة بـ 10 أيام وبالتحديد في 9 أكتوبر 2000 أجرى وفد من الفنانين المصريين زيارة إلى جرحى فلسطين في الانتفاضة ضم كلاً من جلال الشرقاوي وعبدالمنعم مدبولي وكريمة مختار ومحمد فاضل ويسرا وعزت العلايلي ويوسف شعبان وجلال الشرقاوي ونادية لطفي وأشرف زكي وأحمد آدم؛ وتم إطلاق حملة للتبرع بالدم.
في نفس ذات اليوم قرر الفنانون التشكيليون في مصر بالتبرع للانتفاضة الفلسطينية، التبرع بلوحاتهم وأبرزهم مصطفى الرزار الذي عرض لوحتين بـ 6500 جنيه والفنان بيكار الذي عرض لوحة بـ 2200 جنيه والفنان محمد رزق والذي عرض لوحة بـ 15 ألف جنيه والفنانة ليلى عزت التي عرضت لوحة بـ 20 ألف جنيه.
شكل آخر من أشكال عدم التراخي قبيل انطلاق الدورة 36 من معرض الكتاب شارك المخرج خالد جلال بعرض مسرحي من تأليف سعيد حجاج اسمه 6 شارع محمد الدرة.
وفي 6 فبراير من نفس العام نظمت جمعية محبي صلاح طاهر بالتعاون مع نادي روتاري الإسكندرية فاروس احتفالية بالشهيد محمد الدرة حضرها والده ووالدته.
موقف آخر من الدولة المصرية لم يلقى التوثيق حينها رغم التأييد الشعبي عندما أعلن عبد الله الغراب رئيس المجلس المحلي في محافظة الجيزة يوم 5 نوفمبر سنة 2000 م إطلاق اسم الشهيد الفلسطيني الطفل محمد الدرة على شارع ابن مالك الكائنة فيه السفارة الاسرائيلية بالمحافظة والذي يطل على كورنيش النيل جاء استجابة للمطالب الشعبية.
وجاء هذا القرار بعد اجتماع عُقِد في الثالث من نوفمبر 2000 برئاسة محافظ الجيزة المستشار محمود أبو الليل، ووافق مجلس المحافظة على الاقتراح الذي تقدم به عبد اللطيف المغربي عضو المجلس على تغيير شارع ابن مالك الى شارع الشهيد الفلسطيني محمد الدرة، ولقي الاقتراح اجماع أعضاء المجلس جميعا، كما وافق عليه المحافظ وتم ادراجه في مضبطة المجلس، والتوصية عليه بالتنفيذ الفوري.
وقال أعضاء المجلس المحلي بالجيزة حينها «أنه لو تذمر أعضاء السفارة الاسرائيلية من القرار فعليهم أن يبحثوا عن مقر لسفارتهم في مكان آخر، وليعلموا أن دم الدرة سوف يظل يطاردهم حتى يفكوا أسر المسجد الأقصى وعودته الى السيادة الفلسطينية»، وحدث بالفعل ما أرادته مصر رغم السخط الإسرائيلي.
أما بشأن التغييب فبعيدًا عن أن أجهزة الدولة فتحت كل منافذها للأفلام الوثائقية والتغطية الإخبارية وتقديم الفقرات الغنائية، لكن هناك جوانب أخرى قام بها الإعلام المصري والعربي بشأن الانتهاكات الإسرائيلية والرد على الزيف الصهيوني وقتها.
كذلك فإن شيخ الأزهر وقتها الشيخ محمد سيد طنطاوي طالب جموع المسلمين في مصر بالتبرع للمجاهدين في فلسطين وقت الانتفاضة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال