رسالة إلي ولدي .. عن الأبطال الخارقين
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
إلى ولدي علي.. لم يحب والدك الأبطال الخارقين إطلاقاً، تمنيت صغيراً مثلهم أن أنقذ العالم وأخلصه من شروره؛ لكن عقلي الصغير رفض أن يستوعب كيف لرجل واحد أن ينقذ العالم، فقط عندما بدأت دراسة التاريخ في المرحلة الابتدائية أدركت أن رجلاً واحداً قادر على أن يدمر العالم لا ينقذه.
كرهت سوبر مان وباتمان وسبايدر مان والعائلة الخارقة التي ينتهي اسمها كلها بكلمة مان، لكني وقعت في غرام دوق فليد قائد جريندايزر ذلك الشاب العادي القادر على مواجهة الشر عبر آلة يقودها، سحرني صوته وطريقته وزيه؛ لهذا قلدته للمرة الأولى من على سطح منزلنا الصغير في القرية حيث نقضي الصيف، قفزت في الهواء منتظراً أن يحملني شيئاً ما لنطير في الهواء ونحارب الأعداء.
بالطبع كان والدك حكيماً في طفولته لأنه قرر التجربة فوق تل من الرمال استخدمه العمال في بناء المنزل، وكانت نهاية التجربة على ذلك التل دون خسائر تذكر، لكن الأهم أنني تأكدت حينها أنني لست خارقاً ومع الوقت أدركت أن الحياة لم تسمح لأحدهم بأن يصير خارقاً كأبطال الكومكس، ربما فقط والدتي ووالدتك لأنهما تحملانا.
في سن المراهقة كان لدي تحدٍّ خارق من نوع آخر في تلك الأيام التي تكتشف فيها للمرة الأولى أن هناك جنساً آخر تميل إليه، وأن ابنة الجيران التي كنت تخجل من اللعب معها منذ شهور تتمنى أن توافق على الذهاب معك إلى “قويدر” في روكسي من أجل شرب عصير الموز باللبن.
في تلك المرحلة التي نكون فيها مجرد هرمونات تمشي على قدمين عرف والدك الحب للمرة الأولى حين وقع في غرام جارته التي تصغره بعام واحد، والتي صارت والدتك فيما بعد.
ومع حبيبتي الأولى تعلمت للمرة الأولى معنى أن يكون لك مشاعر، معنى أن تحب الآخر أكثر مما تحب ذاتك، أن تفضل أحدهم حتى على نفسك.
ندرك هذا في الصغر بهدية اقتطعتها من مصروفك الذي بالكاد يكفيك من أجل أن ترى ابتسامة حبيبك، في النوم متعلقاً بسماعة هاتف المنزل رغبة في القرب والتواصل، في سماع أغاني إيهاب توفيق لفترات طويلة وشراء ألبوماته وإهدائها لحبيبتك، في كتابة رسائلك الغرامية الأولى، تلك الأطفال الورقية التي تبث فيها مشاعرك البريئة المدهشة وتبقى مع مر الزمان ابتسامة لا تغيب عن وجهك كلما قرأتها.
وصيتي لو مت في حضنها تدفنوني
لاجل ما الموت مني يتكسف، ييأس
ماهو لو شافت حضنها عيوني
أرجع تاني للحياة، ابتسم، أرقص
نصيحة يا ابني لو عايز الخلود
شوفلك حبيبة، في حضنها تكمل ما تنقص
ساعتها حتكتشف إن الخلود ممكن يكون لحظة
بس في حضنها
أصل الزمن نسبي يا ابني ما يخلص
الخلود يعني السعادة، والسعادة تبقى عادة
مع الحبيبة اللي وجودها يخلي الشجن يخرس
واللي ضحكتها سما، ولمستها كما غرس البذور
في الأرض الطيبة تطرح
اعشق ياولدي، لكن نصيحة من أبوك
لما تعشق، متهتمش إيه حينقص
يكفي أن تعلم أن والدك بعد مجموع درجاته المشين في الثانوية العامة رفض بكل إباء أن يعيد السنة من أجل ألا يكون مع والدتك في عام واحد، كان قلقاً من أن يمنعه هذا في الزواج منها، وهو ما دفع به إلى أحضان الكلية الحربية، تلك الكلية التي مر بها مع والدتك قبل أيام قليلة من ظهور النتيجة وصادف أن سألها بكل براءة:
– نفسك جوزك يكون بيشتغل إيه؟
فأشارت إلى سور ضخم للغاية وقالت وعلى وجهها ابتسامة:
– ضابط.
لم أكن أعرف ماذا تعني كلمة الكلية الحربية ولم أعرف أين تقع على الرغم من قربها الشديد من منزلي لكنها كانت الخيار الأول من أجل من أحب.
إذا أحببت يا صغيري فعليك أن تتحمل مسؤليتك بالكامل لأن الحب ليس مجرد أوقات لطيفة.
وكانت الأزمة الأولى في دخول الكلية الحربية هي الحصول على شهادة حسن سير وسلوك من المدرسة لطالب مثل والدك حصل على 101 استدعاء ولي أمر، وتم فصله أكثر من 28 يوماً خلال سنوات دراسته الثانوية.
أعلم أني لم أروِ لك هذا من قبل، دعني أكمل لك هذا في الرسالة القادمة.
أحبك كثيراً
والدك.
إقرأ أيضاً
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال