
روتانا والأصوات المصرية: تاريخ من الاستحواذ والتجميد والخلافات المتكررة

-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تبرز شركة روتانا للصوتيات والمرئيات كواحدة من أكبر الكيانات الإنتاجية وأكثرها تأثيرًا في عالم صناعة الموسيقى العربية على مدار العقود الماضية، منذ تأسيسها في ثمانينات القرن الماضي سعت الشركة بهدوء للاستحواذ على قطاع كبير من سوق الإنتاج الموسيقي العربي وضمت تحت جناحيها أهم وأبرز نجوم الغناء في العالم العربي.
لكن مسيرة روتانا لم تخلو من الأزمات والخلافات فقد ارتبط تاريخها بتوترات مستمرة مع نجوم الغناء بالأخص المصريين وتحولت العلاقة بين الطرفين من تحالفات إبداعية إلى ساحة معارك قضائية وإعلامية بعد تزايد شكاوى الفنانين من طريقة التعامل معهم والتهاون في تنفيذ بنود العقود خاصة ما يتعلق بالدعاية والترويج لأعمالهم والتمييز الصارخ لصالح الأصوات العربية تحديدًا الخليجية على حساب الأصوات المصرية والتعسف في استخدام الحقوق الفنية حتى بعد انتهاء العقود وتبخرت أحلام العديد من النجوم بعد أثر التعاقد مع الشركة على مسيرتهم الفنية، تلك الأزمات تركت ندوبًا عميقة في سمعة الشركة في السوق المصري حتى أن البعض أطلق على روتانا “مقبرة الأصوات المصرية”.
لكن ورغم كل تلك الخلافات والسمعة السيئة التي طالت الشركة فأنها بدأت مرحلة جديدة بالعودة للتعاون مع نجوم مصريين حيث وقعت عقودًا مع ثلاثة من أبرز الأصوات المصرية على رأسهم الملك محمد منير الذي بصدد طرح ألبومه الأول معهم والمطرب أحمد سعد أحد الأصوات المدللة لدى هيئة الترفيه المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشركة، بالإضافة إلى المطرب الشعبي حكيم، تلك التعاقدات اثارت تساؤلات حول ما اذا كانت بمثابة إعلان بداية عهد جديد في علاقة روتانا بالمطربين المصريين وهل ستغير الشركة سياستها معهم أم أن هذه التعاقدات ستواجه نفس مصير سابقاتها من الخلافات والأزمات.

تاريخ روتانا: من البدايات المتواضعة إلى الإمبراطورية الإعلامية
بدأت روتانا كشركة لتصنيع الأسطوانات في بداية ثمانينات القرن الماضي داخل المملكة العربية السعودية، لم تقتحم سوق الإنتاج الغنائي إلا في أواخر الثمانينات وعلى نطاق ضيق جدًا في ظل وجود كيانات إنتاجية أكبر مثل فنون الجزيرة”السعودية” ومجموعة النظائر “الكويت” المستحوذين على الأسماء الكبيرة في منطقة الخليج مثل طلال مداح،عبد الكريم عبد القادر، على عبد الكريم وغيرهم.
مع بداية الألفية أصبحت روتانا أكبر كيان في مجال إنتاج الموسيقى على مستوى العالم العربي، ثم توسعت لتشمل صناعة السينما حيث استحوذت على مكتبة ضخمة تضم اّلاف الأفلام العربية كما أطلقت شبكة واسعة من القنوات الفضائية المتخصصة “موسيقى،أفلام،دراما،خليجية،أطفال،وغيرها” بالإضافة إلى إذاعات ومجلة فنية وخدمات إعلانية وامتدت إلى الترفيه بإطلاق سلسلة مقاهي تحمل اسمها وأصبحت تملك فروعًا و مكاتب في عدة مدن عربية مثل القاهرة، دبي،بيروت وعززت قوتها بدخول استثمارات غربية بعد استحواذ شركة نيوز كوربوريشن المملوكة لأمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ على حصة منها عام 2009.
تعتبر تسجيلات روتانا ذراعها الموسيقى الأقوى حيث ضمت تحت مظلتها أكثر من 100 فنان عربي وشكلت عقودها المغربية وإمكانياتها الإنتاجية والتسويقية الضخمة عامل جذب كبير للفنانين لكنها في الوقت نفسه كانت مصدرًا للعديد من المشكلات مع بعضهم.
دخول روتانا السوق المصري: طموحات الهيمنة والعروض التي لا يمكن رفضها
حتى أوائل التسعينات لم تكن روتانا تمتلك تأثيرًا داخل السوق المصري لكنها استغلت ظهور موجات غنائية جديدة أطلق عليها الموجة الشبابية والتي أنعشت سوق الإنتاج المصري حيث بدأت بشراء حقوق توزيع الأعمال الغنائية الناجحة المنتجة من قبل شركات مصرية وتسويقها داخل السوق الخليجي.

في النصف الثاني من التسعينات بدأت الشركة في تغيير سياستها بالتعاقد مع المطربين المصريين حيث وقعت مع المطرب محمد محي ليكون أول مطرب مصري توقع معه بشكل رسمي تبعتها بالتعاقد مع المطرب مصطفى قمر، مع الحصول على توقيع بعض مطربين الصف الثاني مثل محمد زياد، غادة رجب متسلحة بأنها تقدم عروضًا مادية مغرية لا يمكن رفضها ولا يمكن مقارنتها بعقود هؤلاء المطربين مع الشركات المصرية في تلك الفترة.
مع بداية الألفية توسعت الشركة في التعاقد مع المطربين المصريين حيث ضمت نجومًا مثل محمد فؤاد، إيهاب توفيق، وعندما لاحظت تنامي صعود نجومية المطرب خالد عجاج بعد نجاح ألبومه “وحداني” قدمت له روتانا عرضًا مغريًا لا يمكن مقارنته بعرض شركة فري ميوزيك منتجه ألبومات عجاج حيث صرح نصر محروس مالك الشركة بأنه لن يستطيع تقديم 10 بالمئة من عرض روتانا لذا كان طبيعي أن يتجه عجاج لقبول عرض روتانا المغري ماديًا على الأقل.
لم يكن توسع روتانا مجرد نمو طبيعي بل كان مدفوعًا بطموح واضح للهيمنة على سوق الإنتاج الغنائي العربي بأكمله حيث استحوذت على محتوى شركات إنتاج منافسة مثل شركة “الخيول” ودخلت في منافسة شرسة مع الشركات القائمة في لبنان ومصر مدعومة بقوة مالية.
تعتبر صفقة التعاقد مع النجم المصري الأبرز عمرو دياب في اوائل الألفية بمثابة الإعلان الرسمي عن دخول روتانا القوي إلى مصر تم توقيع العقد الذي بلغت قيمته 5 ملايين دولار في حفل ضخم أقيم في بيروت ، لم يكن عقد دياب مجرد صفقة تجارية بل كان رسالة واضحة بأن روتانا قادمة لتغيير قواعد اللعبة في أكبر سوق فني عربي.
أدى هذا الدخول القوي مدعومًا بقدرات مالية وتسويقية غير مسبوقة إلى إحداث هزة في السوق المصري حيث بدأت شركات الإنتاج المحلية تجد صعوبة في المنافسة وأصبح الانضمام إلى إمبراطورية روتانا حلمًا يراود العديد من الفنانين المصريين الطامحين للاستفادة من الإمكانيات الإنتاجية الضخمة وشبكة توزيعها الواسعة وقنواتها الفضائية المنتشرة لكن هذه البداية الواعدة سرعان ما مهدت الطريق لسلسلة من الخلافات والتوترات التي كشفت عن الوجه الآخر لهذه العلاقة.
تاريخ من الخلافات: روتانا ونجوم مصر في ساحات القضاء والإعلام
لم تكن علاقة روتا بالنجوم المصريين سلسة على الدوام فخلف بريق العقود الضخمة يكمن تاريخ طويل من الخلافات التي وصلت في كثير من الأحيان إلى أروقة المحاكم وتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام ولم تنتهي بشكل ودي إلا في حالات نادرة جدًا.
محمد محي: نزاع مبكر حول المستحقات
يعتبر المطرب محمد محي أول مطرب مصري يوقع عقدًا مع شركة روتانا تحديدًا في عام 1997 وبالتالي كان صاحب أول نزاع موثق بينه وبينها، في البداية نص التعاقد على ألبوم واحد فقط صدر في نفس عام التعاقد “أغلى الناس” ثم مع بداية عام 1998 وقع محي مع الشركة عقدًا جديدًا لإنتاج ألبومين طرح منه ألبوم واحد “شارع الهوى” والذي لم يحقق النجاح المنتظر بسبب قلة الدعاية.

كانت بنود التعاقد تنص على تصوير العديد من الأغنيات حيث تلكأت الشركة في تصويرها بعد صدور الألبوم وحين قامت بتصويرها اقتصر بثها على قنوات ART التي تتطلب اشتراكًا مدفوعًا وبالتالي لم يشاهدها أغلب المصريين حين صدورها وأثرت بالتالي على تسويق الألبوم.
بدأت المشاكل من الألبوم الثالث الذي سجل محي منه 7 أغنيات حيث توقفت الشركة عن سداد أجور المؤلفين والملحنين وإيجار الاستوديوهات التي تحفظت على النسخ لحين السداد بالإضافة إلى اخلال الشركة ببنود العقد الذي ينص على إقامة حفل غنائي مما ترتب عليه دفع 25 ألف دولار كشرط جزائي.

أرسل محي انذارًا للشركة لتصحيح أوضاعها وتنفيذ التزاماتها لكن الشركة لم ترد مما اضطر إلى اللجوء إلى القضاء عام 2000 وفي المقابل قامت الشركة برفع دعوى مضادة تطالبه بتعويض قيمته مليون جنيه لكن لجنة الخبراء أوصت بعدم أحقية الشركة في طلب التعويض وبعد 14 عامًا في المحاكم حكم لمحي بمبلغ 75 ألف دولار تعويضًا لكن الشركة رفضت تنفيذ الحكم بشرط أن تدفع المبلغ بسعر صرف الدولار في بداية الألفية مما رفض محي تسوية الأمر وان كنت علمت من بعض المصادر الخاصة بأن الشركة قد تنهي الخلاف هذه الأيام بل وقد تتعاقد معه على إنتاج ألبوم جديد.
خالد عجاج و إيهاب توفيق: تدمير مسيرة ناجحة
يعتبر المطرب خالد عجاج المثال الأبرز على تدمير مسيرة فنية ناجحة بعد التعاقد مع روتانا، عجاج كان قد قفز إلى الصفوف الأولى بعد النجاح المدوي لألبومه “وحداني” رفقة شركة فري ميوزيك المصرية، سرعان ما وجد مسيرته تهوى سريعًا بعد تعاقده مع روتانا حيث لم تهتم الشركة بالترويج لألبومه الأول معها “حقيقة واحدة” حيث تراجعت مبيعاته بصورة كبيرة ثم أجلت الشركة صدور ألبوم الثاني “يوم” أكثر من ثلاث مرات ولم تقدم له الدعاية الكافية حتى اضطر عجاج بنفسه إلى تحمل مصاريف الدعاية للألبوم الذي لم يسمع به أحد ثم جاء ألبومه الأخير “على قد حالي” ليكتب السطر الأخير في مسيرة عجاج الفني حيث كان هناك إهمالًا واضحًا في الترويج لأعماله حيث كانت تعرض أغانيه المصورة في أوقات متأخرة جدًا وحصريًا على قنوات روتانا مما قلل من انتشارها وخرج عجاج من التجربة وهو يفكر في اعتزال الغناء بعد أن كان قد بدأ يذوق طعم النجومية.

لم يختلف الحال كثيرًا مع إيهاب توفيق الذي كان يحقق نجاحات متتالية مع شركة هاي كواليتي بداية من البوم “عدى الليل” وصولًا إلى النجاح الأهم في البوم “سحراني” ثم واجه صعوبات إنتاجية لاستكمال مسيرته مع هاي كواليتي نظرًا لأجره المرتفع فقبل عرض روتانا التي ظفرت به بعد منافسة مع عدة شركات أخرى.
بعد التعاقد مع روتانا شهدت مسيرة إيهاب توفيق تدهورًا كبيرًا حيث أطلقت الشركة ألبوم “اسمك ايه” في شهر نوفمبر خارج موسم الصيف المعتاد للإصدارات الموسيقية دون حملة دعائية تليق بمكانته حتى اضطر إيهاب توفيق تصوير إعلان ترويجي للألبوم من جيبه الخاص كما اضطر لدمج ثلاث أغاني من الألبوم في كليب واحد بسبب رفض الشركة تمويل كليبات منفصلة، واستمر الحال في ألبومه الثاني “حبك علمني” لتفشل روتانا في استثمار نجومية إيهاب توفيق ويبدو أن التعاقد معه كان بنية الاستحواذ على صوت منافس ومن ثم تجميده والسيطرة على السوق عبر احتكار الأصوات المنافسة.
عمرو دياب : الناجي الوحيد من مقصلة روتانا
يُعد الخلاف بين الفنان عمرو دياب وشركة روتانا من أشهر النزاعات الفنية وأكثرها تعقيدًا، نظرًا لمكانة دياب كواحد من أبرز الفنانين المتعاقدين مع الشركة، حيث استمر تعاونه معها من عام 2004 حتى 2015.
في البداية، لم يكن دياب طرفًا مباشرًا في الخلاف، بل نشب بسبب قرار روتانا بتعديل شروط التعاقد، حيث أصبحت تحتفظ بحقوق الأداء العلني للأغاني بينما تنتقل حقوق الملكية الفنية إليها. وقد تفاقمت الأزمة بعد دخول روتانا في شراكة مع رجل الأعمال روبرت ميردوخ، مما أثار احتجاجات من بعض العاملين في المجال الفني، مثل الشاعر أيمن بهجت قمر، الذي اتهم الشركة بمحاولة “بيع التراث الفني لليهود”.
أدى هذا التغيير إلى انسحاب العديد من كُتَّاب الأغاني والملحنين من التعاون مع عمرو دياب، مما دفعه إلى الاعتماد على مواهب جديدة مثل تامر حسين وإسلام زكي، أو إحياء شراكات قديمة مع عادل عمر وخليل مصطفى.
ورغم تأثير هذه الأزمة سلبًا على جودة بعض ألبوماته مثل “الليلة” و”حبيبي وشفت الأيام”، استمر دياب في التعاقد مع روتانا حتى تفجرت المسألة في 2015 عندما اتهم دياب الشركة بعدم الالتزام بالعقد، فردت روتانا برفع دعوى قضائية ضده مطالبةً بتعويضات مالية كبيرة، واتهمته بتسريب أغانيه عبر الإنترنت أو خلال حفلاته.
رد دياب بتأسيس شركة إنتاج خاصة به، وانتهى النزاع بالصلح في 2019، الذي أنهى جميع القضايا بين الطرفين، وإن ظل هناك تعاون محدود في تنظيم بعض الحفلات عبر هيئة الترفيه دون إغفال أن حالة عمرو دياب تعتبر حالة فريدة بين فناني روتانا المصريين حيث خرج من الأزمة منتصرًا معززَا مكانته كأحد أنجح الفنانين العرب في إدارة ملفاته الفنية والقانونية.
شيرين : تصريحات نارية و معارك قضائية
تُعد قضية شيرين عبد الوهاب مع روتانا الأكثر دراماتيكية وتعقيدًا، رغم التعاون الناجح في البداية والذي اسفر عن سلسلة ألبومات إلا أن العلاقة وصلت إلى طريق مسدود في 2019 حيث رفعت روتانا دعوى تطالب شيرين بتعويض ضخم 10 ملايين جنيه لعدم التزامها ببنود العقد الذي ينص على تقديم ألبومين وعدة حفلات
لم تقف شيرين مكتوفة الأيدي بل هاجمت الشركة علنًا متهمة إياها بمعاملة المصريين ك “الغنم” والسعي لتهميش الأغنية المصرية تصاعد النزاع ليشمل بلاغات متبادلة واتهامات بالتعدي على الحقوق الفنية حيث قامت شركة روتانا بحذف أغنيات شيرين الجديد من على كافة المنصات وأعلنت شيرين أنها سددت الشرط الجزائي لإنهاء العقد حتى صدر حكم نهائي لصالح شيرين في أوائل 2025 ألزم روتانا بدفع تعويض لها عن منع بث أغانيها وأكد أنتهاء التعاقد بينهما بحكم قضائي سابق، وبرغم أن الأزمة أثرت على شيرين على المستوى الفني كثيرًا إلا أنها خرجت في النهاية منتصرة من تلك الأزمة.

تكشف هذه السلسلة من الخلافات عن نمط متكرر من المشاكل التعاقدية والتشغيلية بين روتانا وعدد كبير من أبرز نجوم مصر، مما يثير تساؤلات جدية حول سياسات الشركة وتعاملها مع الفنانين المصريين، ويغذي النقاش حول تأثيرها الأوسع على المشهد الفني.
تأثير روتانا على الفن المصري: بين التطوير والتهميش
شكل دخول شركة روتانا بقوتها المالية الضخمة ونفوذها الإعلامي الواسع إلى سوق الموسيقى المصرية نقطة تحول هامة أثارت جدلًا واسعًا ولا زال تداعياته مستمرة، لا يمكن إنكار أنها رفعت من مستوى جودة الإنتاج الموسيقي في المنطقة العربية بشكل عام بما في ذلك مصر، في وقت عانت فيه أغلب الشركات من تخبطات إنتاجية بسبب القرصنة الإليكترونية وضعف المبيعات لذا اتجه أغلب المطربين إلى إنتاج أغنيات منفردة كل فترة بدلًا من ألبومات كاملة، في حين أن روتانا تمتلك إمكانيات مادية قوية مع شبكة توزيع واسعة وقنوات فضائية متعددة بالإضافة إلى شراكتها مع بعض تطبيقات الموسيقى مثل ديزر والتي أتاحت الفرصة لانتشار بعض المطربين المصريين في منطقة الخليج العربي.
خالد عجاج ورحلة الصعود إلى الهاوية
لكن رغم كل ذلك ظلت الخلافات التعاقدية هي العامل السلبي المتكرر بالإضافة إلى الانتقادات الواسعة التي اتهمت الشركة بأنها تولي اهتمامًا وميزانيات أكبر للفنانين الخليجيين على حساب الفنانين المصريين وهو ما عكسه تصريحات فنانين مثل شيرين عبد الوهاب ومحمد فؤاد،ايضًا دخول الشركة السوق المصري أضعف من قدرات شركات الإنتاج المحلية على المنافسة في ظل استحواذها على أغلب الأصوات والأهم من كل ذلك هو توجيه الذوق العام نحو أنماط موسيقية معينة ربما لا تعكس بالضرورة التنوع والثراء الحقيقي للموسيقى المصرية خصوصًا أنها في الفترة الأخيرة اتجهت للاهتمام ببعض مطربين المهرجانات وحتى عندما تعاقدت مع بهاء سلطان بعد انتهاء خلافه مع شركة فري ميوزيك لم تستطع أن تمنحه دفعة قوية كانت منتظرة بعد غيابه عن الساحة فترة طويلة.

“نظرية المؤامرة”: هل يستهدف المال الخليجي الفن المصري؟
دائمًا ما يتردد في الأوساط الفنية والإعلامية اّراء تشير إلى وجود مؤامرة ومخطط تقوده روتانا بهدف تهميش الفن المصري وإضعاف ريادته التاريخية لصالح الفن الخليجي واللبناني، تلك الاّراء تستند على تكرار الخلافات مع النجوم المصريين وتصريحات الفنانين أنفسهم والتركيز المتزايد على الحفلات في السعودية بالإضافة إلى الاستحواذ على الأرشيف الفني المصري.
في المقابل يرى البعض أن تلك الظواهر لا يمكن الاستناد عليها كدلالة على وجود نظرية المؤامرة حيث ان الخلافات التعاقدية شائعة في صناعة الموسيقى وهناك العديد من المشاكل ظهرت بين المطربين المصريين وبين بعض الشركات المصرية آخرها خلاف بهاء سلطان مع شركة فري ميوزيك بالإضافة إلى أن التحولات الاقتصادية واتجاه الخليج إلى الاستثمار في قطاع الترفيه خصوصًا السعودية أدى إلى زياة الاستثمار في الفعاليات والانتاج الموجه وهو تحول طبيعي في ظل ثقل مركزها الاقتصادي كما أن استمرار الشركة في التعاقد مع فنانين مصريين جدد قد يتعارض مع فكرة وجود سياسة ممنهجة للتهميش الكامل.
مستقبل غامض لعلاقة متقلبة
في الختام، تظل علاقة شركة روتانا بالمشهد الفني المصري، وخاصة بالمطربين، قصة معقدة ومتعددة الفصول، تتأرجح بين طموحات الهيمنة التجارية، والخلافات القانونية الحادة، ومحاولات إعادة بناء الجسور. لقد تركت روتانا بصمة لا يمكن إنكارها على صناعة الموسيقى العربية، بما في ذلك في مصر، سواء من خلال رفع معايير الإنتاج والانتشار لبعض الفنانين، أو من خلال إثارة الجدل وتغيير ديناميكيات السوق.
إن سلسلة الخلافات الطويلة مع كبار النجوم المصريين، والاتهامات بالإهمال والتمييز، والشراكة الاستراتيجية المتنامية مع هيئة الترفيه السعودية، كلها عوامل تثير تساؤلات مشروعة حول تأثير الشركة على المدى الطويل على الفن المصري ومكانته الإقليمية. ورغم أن “نظرية المؤامرة” قد تبدو تفسيرًا تبسيطيًا لظواهر معقدة تحكمها اعتبارات اقتصادية وسياسية وتجارية، إلا أن الشعور بالتهميش لدى قطاع من الفنانين والجمهور المصري يظل حقيقة لا يمكن تجاهلها.
تأتي التعاقدات الأخيرة مع نجوم كبار مثل محمد منير وأحمد سعد وحكيم لتضيف فصلًا جديدًا وغامضًا لهذه العلاقة. هل تمثل هذه الخطوة تحولًا حقيقيًا في سياسات روتانا تجاه مصر، أم أنها مجرد مناورة تكتيكية في سوق متغير؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة على هذه الأسئلة، وكشف ما إذا كانت هذه الشراكات الجديدة تؤسس لعلاقة أكثر استقرارًا وإنتاجية، أم أنها ستكرر سيناريوهات الماضي المليئة بالتوتر والخلاف.

الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ما هو انطباعك؟







