ساعة في الطابور .. الرسالة (1) من معرض الكتاب 2023
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“بابا … باقي قد ايه؟”
شّبَّ والدها واشرأبَّ عنقه ليعود مبتسمًا على على مضض بعد أن خاب أمله في أن يلمح نهاية لهذا الطابور الذي قرر أن يكون أحد أعضاؤه .. الطابور الذي اعتاد سنويًا أن يحضره مع الأصدقاء والصديقات قبل أن يُرزق بتلك “القمّورة” الصغيرة التي وقفت وبدت ملامحها على تمام الاستعداد لما هي مُقبلة عليه .
شرد في المدى عندما لمح في عينيها نفس الشغف الذي اعتراه عندما اصطحبه والده لأول مرة لمعرض الكتاب في أواخر التسعينات وبداية الألفية .. وكانت ملامحه بنفس الجدية لغير ذي علم .. عندما قال له أبوه : احنا هنروح انهارده معرض الكتاب ! .. وكانت كلمة “الكتاب” –حتى وإن لم يحمله بين يديه قبل ذلك- تحمل أهميه ما .. قيمة ما .. أمل ما .
وقفت ساعة في طابور تذاكر معرض الكتاب، وفيها قابلت من تمسكوا بالأمل.. هذا شيخًا كبير يمسك بمقبض شنطة سفر فارغة بعد ساعات ستمتلئ بكتب الفِكر والحكمة المستخلصة من العمر .. وهؤلاء مجموعة من شباب سن المراهقة شغوفين بمقابلة شباب الكتّاب والذين يكتبون قصص الرعب والإثارة .. والضحكات البعيدة صادرة من فتيات وقفن على أحر من الجمر لمقابلة كاتبة جديدة تكتب عن الحب والأمل وحماقات البدايات .. وهذا قهوجي وقف مبتسمًا لأرزاق كثيرة على استعداد أم تملئ جيبه بما يرضيه في آخر العمر .. وهذا الأندونيسي ذو الذقن الخفيفة الذي غالبًا ما يعرف مقصده هو وصحبته، فهم بالتأكيد ضيوف على جناح الأزهر الشريف .. وهذا الشباب المتطوع الذي يرتدي جاكيت أصفر طُبع عليه لوجو معرض الكتاب .. شباب يرتدون الأصفر من الخارج لكنه لم يعرف طريقه إلى ما بداخلهم .
وفي الداخل .. وقف ناشر على طراطيف أصابعه ينظر حوله بعصبيه، يكاد أن يفقد عقله في حسابات نسبة المبيعات وأساليب جذب القارئ إلى منطقته والمنافسه مع دور النشر الأخرى، ووقف عارضو الكتب – وهي مهنة أصبحت ذات ثقل وأحد الركائز المهمة في صناعة النشر – ينطقون بآلية :
- بتدور على حاجة معينة يا فندم أقدر أساعدك فيها؟
وبعد لفّ ودوران للبحث عن مجموعة قصصية نادرة، تعثرت قدماي في تلك القمّورة وقد سُحرت عيناها سحرًا .. واختطف عقلها خطفة يعرفها جيدًا كل من كانت القراءة طريقه، والوعي مسلكه .. خطفة يعرفها جيدًا ذلك الرجل الممسك بكفّها الصغير .. نظر في عينيها وابتسم .. وعندما لمحت تلك الابتسامة على مُحيّاه لم تدرك لماذا يبتسم هذا الرجل الأبله؟ .. لكن هذا الشعور لم يتجاوز معها لحظات قليلات .. هي الآن يقرأ الكاهن الخفي على روحها تعويذة لن تتخلص منها بل وكلما ستغرق فيها ستشعر بالحياة .. وأسقطت ما رأته من رجل ينظر في عينيها ويبتسم إلى كثيرين يثرثرون حولها محاولين إتقان أعمالهم في بيع الكتب .. وعندما سمعت أبوها يقول لها :
“جودي .. باقي قد ايه؟”
شبَّب بقدميها الصغيرتان فلاح أمامها طابور لا حصر له من عناوين الكتب .. فأنزلت رأسها بلا أمل أنت يعودان اليوم إلى المنزل !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال